احتلت مشكلة الحوادث المرورية وما تخلفه من مآسٍ ووفيات حيزا كبيرا من تفكير الصديقين أحمد محمد عبد التواب ومحمد جمال شومان الطالبين بمدرسة تكنولوجيا المعلومات بالإسماعيلية الفرقة الرابعة شعبة برمجة، فبدأ الصديقان التفكير فى حل غير تقليدى لهذه المشكلة التى تزداد يوما بعد يوم نتيجة للسرعة المتهورة وانشغال السائق أثناء القيادة.
وبعد أربع سنوات من البحث والعمل المستمر توصلا لابتكار هيكل مصنوع من مادة مطاطية ذات مواصفات خاصة يمكنه توزيع قوة التصادم على الهيكل بأكمله ويمتاز بالصلابة والمرونة العالية فى نفس الوقت ولا يتأثر بالحرارة.. حول هذا الابتكار وأهميته وتفاصيل رحلتهما البحثية كان هذا الحوار مع الطالب أحمد عبدالتواب..
> فى البداية حدثنا عن فكرة المشروع وما الذى دفعك للتفكير فيه؟
>> شغلتنى منذ فترة أنا وزميلى وشريكى فى المشروع محمد جمال مشكلة انتشار الحوادث المرورية بشكل كبير فى شوارع مصر وكيفية الحد منها فتعاونا معا لحل تلك المشكلة لأن العمل الجماعى يحقق النجاح ويثرى الافكار، فقمنا بتجميع أفكارنا التى تتمحور حول اكثر من نقطة مثل سبب الحوادث: هل البيئة المحيطة بالسائق ام عوامل نفسية تعوقه عن القيادة أم غير ذلك؟ وقمنا بعمل دراسة شاملة لمفهوم الحوادث وتحليلات وإحصاءات سنوية عن نسبتها على مستوى العالم فكانت النتيجة صادمة وهى ارتفاع يومى فى نسب الوفاة نتيجة الحوادث. بدأنا بوضع اول خطوة فى طريق الأمل اوالحلم بغد افضل ففكرنا بأنه لحماية الركاب بالسيارة لابد من حماية البيئة المحيطة بهم من أى مؤثر خارجى وهو التصادم بمركبة اخرى، وكانت الفكرة كفكرة اولية قد بدأت بالازدهار والتكون بعد عصف اذهاننا وتركيز هدفنا نحو حل مبتكر وهو استنتاجنا ان الحادث الذى ينشأ بالسيارة يكون ناتجا فى الاساس عن تصادم تلك القوة الهائلة مما يؤدى الى تفتت هيكل السيارة الخارجى وتدمير الاجزاء الداخلية للسيارة حتى تصل للركاب وتصيبهم او تودى بحياتهم.
امتصاص الصدمة
> ألا تؤدى الأكياس الهوائية بالسيارات نفس الغرض وهو حماية الركاب فى حالة التصادم؟

>> بالرغم من وجود هذا الاختراع المذهل المفعل فى كل السيارات وهو«الأكياس الهوائية» ولا شك فى انه يحمى ركاب السيارة من الحوادث وهذا رائع ولكن لن يكون قادرا على حمايتهم بنسبة كبيرة فعلى الرغم من حماية السائق من الحوادث الا انه يضره فى بعض الاوقات بكسر فى الانف او الرقبة... وهذا ما دفعنا للتفكير، ماذا لو قمنا بتغيير الهيكل الخارجى للسيارة بأكمله المصنوع من الفولاذ وعمل هيكل آخر يكون تفاعله مع التصادم أقل ويمكنه تخفيض القوة الناتجة عن التصادم حتى لا تصل الى الراكب وان وصلت فستكون بنسبة اقل من الهيكل السابق، من خلال جعل الهيكل قادرا على امتصاص الصدمة وتوزيعها على اجزاء السيارة بالكامل حتى يحدث فقد للطاقة ولا يتأثر الركاب بقوة التصادم وحتى اذا تأثروا فهناك اكياس هوائية تقلل من القوة حتى العدم.
بديل الفولاذ
> وما تلك المادة البديلة عن الفولاذ؟
>> المطاط الطبيعى الذى يخرج من سيقان أشجار خاصة تنمو فى المناطق الحارة، وأهم هذه الأشجار «الهيفيا البرازيلية» وخصائص المطاط انه يمتلك قوة شد عالية، ورجوعية عالية، ومقاومة الانثناء فى درجات الحرارة المنخفضة، ومقاومة التمزق والقطع.. ولدراسة تلك المادة جيدا ومعرفة الخصائص الفيزيائية التى يمتلكها قمنا بعمل دراسات مكثفة حولها.
> ما هى الخصائص التى تميز هذه المادة؟
>> ميزات كثيرة، الميزة الأساسية هى توزيع القوة على الهيكل بأكمله وافقاد الطاقة التصادمية وحيث انه يمتاز بالصلابة والمرونة العالية فى نفس الوقت ولا يتأثر بالحرارة لان درجة انصهاره عالية تصل حتى 250 درجة مئوية وعازل للصوت ولا يمتص الماء او البخار وغير موصل للتيار الكهربى ويحتفظ بدرجة الحرارة الداخلية للسيارة اى لن يتأثر بالطقس الحار، فحصلنا على شهادة من جامعة قناة السويس تفيد بنجاح التجارب وان المشروع صالح للتنفيذ على ارض الواقع.
> من الذى ساعدكما فى اختبار هذه المادة وإجراء التجارب عليها؟
>> منذ اربعة اعوام توجهنا الى جامعة قناة السويس وبالاخص قسم الفيزياء لنلتقط بعض المعلومات حول تلك المادة، ذهبنا لقسم الفيزياء وقمنا بمقابلة رئيس القسم الدكتور فريد محمود الطنطاوى حيث اعجب بالفكرة وأتاح لنا المعامل لعمل الابحاث والدراسات لتكوين مادة كيميائية مخلوطة مع مادة المطاط بحيث تكون ملائمة لهيكل السيارة، على مدار السنوات الماضية قمنا بعمل تجارب كثيرة ومشاهدة الاستنتاجات وتسجيل الملاحظات فقمنا بتعديل الخواص الفيزيائية والكيميائية للمادة حتى توصلنا بفضل الله الى عمل مادة صالحة كهيكل للسيارة وقمنا بتصنيع نموذج مصغر لسيارة حقيقية هيكلها الخارجى من المطاط المعدل كيميائيا وله خواص فيزيائية.
براءة اختراع
> هل سجلتما هذا الابتكار فى أى جهة بحثية؟
>> للحفاظ على المشروع من السرقة وحفظ حق ملكيته قمنا بتسجيل براءة اختراع بأكاديمية البحث العلمى، ولكن للاسف فى مصر لم يهتم احد بالفكرة برغم اهميتها وقمنا ايضا بعمل براءة اختراع دولية بالمكتب الاوروبى بتكلفة 10 آلاف جنيه على حسابنا الشخصى للتواصل مع العالم خارج مصر فتواصلنا عبر البريد الاليكترونى مع الشركات العالمية المصنعة للسيارات كمرسيدس بنز وفولكس واجن وبى ام دبليو حتى قابلونا بالاعجاب التام وانبهارهم بالمشروع وطلبوا تفاصيل اكثر عن المشروع وردت علينا شركة مرسيدس بنز بألمانيا وفولكس واجن بمناقشة المشروع بقسم الابحاث والتطوير وعمل دراسات عليه.
> هل شاركتما فى مسابقات محلية أوعالمية لعرض مشروعكما؟
>> شاركنا بالعديد من المسابقات والمعارض المصرية لعرض فكرتنا كان ابرزها مسابقة انتل ايسف مصر للعلوم والهندسة التى تعد اكبر مسابقة للعلوم والهندسة على مستوى العالم كما شاركنا وتأهلنا للمعرض الجهمورى بالمدينة التعليمية بالسادس من اكتوبر، وعلمنا من اكاديمية البحث العلمى عن معرض دولى يقام كل عام اسمه «جينيف للاختراعات» بسويسرا ولكن التكلفة للاشتراك بذلك المعرض كبيرة ونحن لن نستطيع تحمل تلك التكلفة والاكاديمية كان بها لجنة تقوم بدعم المشاريع للتأهل له فقمنا بإرسال بيانات المشروع الى اللجنة وتمت الموافقة على دعمنا بتذاكر السفر الى سويسرا وحجز مكان لنا لعرض المشروع فى المعرض والذى تشارك به اكثر من 168 دولة كل عام، لكن ينقصنا دعم للاقامة هناك والتنقل، فقام بمساعدتنا المهندس اسماعيل رمضان مدير عام مدرسة تكنولوجيا المعلومات وبعض رجال الاعمال.
جوائز عديدة
> كيف كانت الرحلة إلى جنيف بسويسرا؟

>> فى الفترة من 12 الى 19 ابريل الماضى توجهنا مع الوفد المصرى واعضاء من اكاديمية البحث العلمى الاستاذة نسرين والاستاذة صفاء النادى وقمنا بعرض المشروع على الحكام والشركات الصناعية الكبرى هناك وكل يوم نحارب من اجل الحصول على مركز واستقطاب الشركات لتنفيذ المشروع، فأعجب الحكام والزائرون للمعرض بالمشروع وحصلنا على العديد من الجوائز منها شهادة تقدير من دولة الامارات وميدالية ذهبية وشهادة تقدير من البرتغال ودرع وشهادة تقدير من ماليزيا، ومما جعلنا فى غاية الفرحة ان الجائزة الماليزية كانت من قبل عالِم كان يحضر الدكتوراة فى المادة التى قمنا بعمل الهيكل بها وهذا ما أكد لنا اعجابه بالمشروع مع توضيح بعض النقاط لنا وفى آخر الايام انتظرنا النتيجة بفارغ الصبر وبحمد الله وتوفيقه حصلنا على المركز الثانى على مستوى العالم فى مجال الفيزياء، ولم تنسنا الجالية المصرية بسويسرا بل اخذنا كأسا ذهبية وميدالية ذهبية من الجالية المصرية والذى سلم الجوائز لنا هوالدكتور فرج موسى، ورجعنا بحمد الله للقاهرة وتم تسليط الضوء علينا من قبل القنوات الفضائية بعد تكريمنا من رئيس اكاديمية البحث العلمى الدكتور محمود صقر ووزير التعليم العالى وأخذنا جائزة مالية وشهادة تقدير ودرعا.
العقول المصرية
> ما أحلامكما وطموحاتكما بعد هذه الرحلة العلمية الثرية؟

>> بشكل عام نتمنى من الدولة الاهتمام بالبحث العلمى والاهتمام بالشباب المفكر فهم دعامة اقتصاد مصر ورصيدها للمستقبل، وبشكل خاص نأمل تنفيذ المشروع فى مصر من قِبل أى رجل اعمال فقد تعبنا كثيرا ورغم ذلك لا نجد اهتماما من اى احد بالدولة، فنحن حاليا نريد تنفيذه ببلدنا بدلا من أن تستفيد منه دولة أخرى أوإحدى الشركات العالمية كما ذكرت سابقا من أن بعض الشركات رحبت بالفكرة ووعدت بدراستها، لذلك نتمنى من اى رجل اعمال مصرى ان يقوم برعايتنا وانشاء شركة لتصنيع الهيكل بمصر.. لأن شباب المبتكرين يضطرون لعرض افكارهم فى الخارج والدول الاوروبية تتلقف افكار العقول المصرية وتنفذها لحسابها.. ولو تم تنفيذ هذه الفكرة فى مصر سيدعم الاقتصاد المصرى ويمكن تصديره للخارج وإعطاء ميزة له كمنتج مصرى وتكون أول فكرة مصرية فى مجال السيارات تفعل فى العالم كله.. وتنفيذ الفكرة لا يحتاج أكثر من قطعة أرض وبعض التمويل لإنشاء شركة للبدء فى تصنيع الهيكل.