ماذا يحدث فى الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية؟ لا أحد يعرف، أو بالأحرى لا أحد يمكنه وصف ما يجرى بشكل يمكن تصديقه، حيث إن هذا الماراثون أفرز ظاهرتين لم يخطرا على بال أحد حول التنبؤ بمستقبل الحياة السياسية فى أمريكا. الظاهرة الأولى هى دونالد ترامب.. جمهورى محسوب على اليمين، لكنه يؤيد الحق فى الإجهاض ويرفض اتفاقيات التجارة الحرة. والظاهرة الثانية هى بيرنى ساندرز منافس هيلارى كلينتون على بطاقة الحزب الديموقراطي، وهو اشتراكى فى منارة الرأسمالية، وعجوز يبلغ من العمر 74 عاماً ولكنه يجتذب الشباب، ويهودى لكنه يعادى إسرائيل ويصف ممارساتها ضد الفلسطينيين بـ«العار».

على صعيد الماراثون الانتخابى فى الأسبوع الماضي، وفى ولايتين مختلفتين وبنظامى تصويت مختلفين جرت الجولة الثالثة، حيث صوت أنصار الحزب الديموقراطى فى ولاية نيفادا بنظام مشاركة الأعضاء المسجلين فقط على قوائم الحزب بالولاية. أما أنصار الحزب الجمهورى فقد ذهبوا للتصويت فى ولاية ساوث كارولينا، علماً بأن باب التصويت كان مفتوحاً لكل من له حق الانتخاب فى الولاية من سن 18 سنة فأكثر بغض النظر عن انتمائه الحزبي.
فى نيفادا حصلت هيلارى كلينتون على فوز كانت فى أمس الاحتياج إليه على غريمها بيرنى ساندرز.. فوز طمأنت به أنصارها وداعميها، قبل الذهاب إلى جولة Super Tuseday «الثلاثاء العظيم» والتى تجرى بعد غد، حيث ستصوت 11 ولاية فى توقيت متزامن، كما جاء هذا الفوز بعد هزيمتها المنكرة بالجولة الثانية فى ولاية نيوهامبشاير بفارق 12% لصالح ساندرز، وجاء فوز كلينتون فى نيفادا بحصولها على 52% من الأصوات، مقابل 48 % لساندرز، ويعول ساندرز وهيلارى على كسب جولة اليوم الأحد فى ساوث كارولينا، قبل الذهاب إلى «الثلاثاء العظيم»، لحسم الأمور، حيث مازال الفارق بينهما ضئيلاً، بل وغير محسوس، فى إجمالى ما حصلا عليه ويمكن لولاية واحدة أن تحسم الصراع لأحدهما.
وفى ساوث كارولينا، واصل دونالد ترامب سحق منافسيه بالحزب الجمهوري، حيث حصل على 32،5 % من الأصوات بينما تعادل تقريبا خصماه الرئيسيان، السناتور ماركو روبيو بنسبة 22،5%، والسناتور تيد كروز بنسبة 22،3%.
وبعد ساوث كارولينا ببضعة أيام عاد ترامب ليسحق منافسيه فى نيفادا بحصوله على 42،7% من أصوات الجمهوريين مقابل 24،1% فقط لماركو روبيو و23،5% لتيد كروز. وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" فإن هجوم ترامب على خصومه ووقاحته، يشكلان جزءًا كبيراً من شعبيته الطاغية، وامتدت شتائمه إلى تيد كروز، منافسه رقم 1 فى الحزب، حيث نعته بـ « الكذاب القذر».
حمى البذاءات والتراشق اللفظى لم تقف عند هذا الحد، إذ لم يتردد كروز فى الهجوم على ماركو روبيو بسبب ملف المهاجرين، حيث أوضح كروز أن روبيو كان يساند مشروع قانون يتم بموجبه العفو عن جميع اللاجئين المقيمين دون أوراق رسمية قبل أن يتراجع عن ذلك، وذكر كروز الحضور بمقطع فيديو ظهر خلاله روبيو على قناة Univision الناطقة بالإسبانية وهو يدافع عن وجهة نظره وهنا رد روبيو، المنحدر من أصل كوبي: «إنه كذاب كعادته»، وأضاف « هو لم يفهم ما قلته بشكل دقيق لأنه لا يجيد الإسبانية»، ثم تحدث روبيو بالإسبانية بشكل مفاجئ موجها حديثه لكروز: « فلتجب على ما قلته الآن بالإسبانية إن كنت تستطيع».
فى النهاية، وبحسابات التاريخ فإن ترامب يبدو على مرمى حجر من الحصول على بطاقة الترشح عن الحزب الجمهورى لخوض الجولة النهائية فى الثامن من نوفمبر المقبل، لا سيما وأنه لم يحدث أن مرشحاً جمهوريا فاز فى ساوث كارولينا ونيوهامبشاير وخسر بطاقة الترشح، وزاد من فرص ترامب اعلان كريس كريستى حاكم ولاية نيو جيرسى والمرشح الجمهورى لانتخابات الرئاسة انسحابه من السباق ودعم ترشيح دونالد ترامب، لذا فان الشيء الوحيد الذى يمكن ان يقصى ترامب عن الاستحقاق الرئاسى هو تفجير فضيحة أخلاقية ضده.