قبل ثمان سنوات قال محمد حسنين هيكل أمام جمع من الصحفيين، الذين حضروا أول دورة تدريبية نظمتها مؤسسته لتطوير مهارتهم الصحفية: " أنا رجل ألملم أوراقي استعدادا للرحيل، والهدف الذي اسعي إليه من هذه الدورة هو تطوير المهنة".
وقتها كان الانطباع السائد لدى الصحفيين المشاركين بالدورة بأن الرجل ربما يشعر بدنو أجله، ولكن القدر أمهله ثمان سنوات أخرى، عاصر خلالها ثلاثة رؤساء جلسوا على كرسي الحكم، في تلك الفترة القصيرة من تاريخ مصر.
وخلال 56 عاما منذ قيام ثورة يوليو وحتى لقاءه بالصحفيين عام 2008، عاصر هيكل أربعه رؤساء في تاريخ مصر، وأطال الله في عمره ليعاصر ثلاثة آخرين، ويصبح شاهدا على سبعة رؤساء في تاريخ مصر.
وتميزت علاقة هيكل باثنين منهما بالصداقة، وهما الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
وتفصل فترة طويلة بين الرئيسين، جعلت مقتضيات العصر الذي حكم فيه الاثنان مختلفة، وهو الأمر الذي أشار إليه في أكثر من حوار، ولكن الرجل من ناحية أخرى رأى في السيسي بعض من ملامح شخصية صديقة القديم.
ففي حواراته مع لميس الحديدي على قناة "سي بي سي"، قال عن السيسي إن أهم ما يميزه عن غيره هو الكاريزما والشعبية التي يتمتع بها.
وربما لم تسمح مقتضيات العمر، أن يصبح هيكل لصيقا بالسيسي، مثلما كان مع عبد الناصر، حيث وصلت صداقتهما إلى الدرجة التي دفعت عبد الناصر إلى زيارته في مكتبه بمجلة آخر ساعة عام 1953، لتصبح أول مرة يذهب فيها الحاكم إلى الصحفى، ولا يقف الصحفى على باب الحاكم.
وقبل عبد الناصر لم تكن علاقة هيكل بمحمد نجيب جيدة، بسبب ما ردده سنة 1953 حول كون نجيب لا يصلح للاستمرار في رئاسة مصر، لعدم تطابق صفات الترشح عليه، خاصة فيما يتعلق بجنسية الأم التي قال هيكل إنها كانت سودانية.
وبعد وفاة الرئيس الراحل عبد الناصر، لم تكن العلاقة أيضا جيدة مع الرئيس الراحل أنور السادات، لكنها وصلت إلى مفترق طرق، غداة انتصار حرب أكتوبر 1973، بسبب سياسات للرئيس وصفها هيكل بأنها تهدف إلى محو ميراث سلفه والعبث بالهوية المصرية ووصل التوتر في العلاقة إلى درجة وضع هيكل في المعتقل ضمن مجموعة من المثقفين والمفكرين الذي أعتقلهم الرئيس الراحل.
لم يدم اعتقال الأستاذ كثيرا، فمع اغتيال السادات وتولي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الحكم، كان أول قراراته الإفراج عن المعتقلين، ومن بينهم هيكل.
وتحدث مبارك إلى هيكل بشكل خاص، ومنحه رخصة مفتوحة للاتصال به فى أى وقت يشاء، ولكن هيكل قال في تصريحات صحفية أنه لم يستخدم تلك الرخصة.
وشهدت هذه العلاقة صعودا وهبوطا، حتى وصلت في عام 2002 إلى العداء عندما قال في محاضرة بالجامعة الأمريكية عام 2002، أن السلطة شاخت فى مواقعها، وهناك مخطط واضح لتوريث الحكم.
وبعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بمبارك، وجاءت بمحمد مرسي رئيسا للبلاد، لا يجد المتتبعون لعلاقة هيكل بالرؤساء، سوى صورة من زيارة قام بها هيكل لمرسي في مقر رئاسة الجمهورية.
وفي حوار مع صحيفة "صنداي تايمز البريطانية" وصفه هيكل بأنه رجل طيب جدا على المستوى الشخصي، إلا أنه غير متيقن بمدى معرفته بالعالم العربي، والسياسة المصرية.
وبعد ثورة 30 يونيو التي أطاحت بمرسي، عادت علاقة الصداقة بين هيكل والرؤساء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتشكلت ملامح هذه العلاقة خلال وجود السيسي على رأس وزارة الدفاع، قبل أ، يصبح رئيسا، وكان هيكل أحد الأشخاص الذين حرص السيسي على الاستماع لرأيهم قبل 30 يونيو.