تعود فكرة إيجاد قناة بديلة لضرب مشروع قناة السويس المصرية منذ أعطى الباب العالي امتياز حفر قناة السويس للفرنسي فرديناند دي ليسبس.. ففكر البريطانيون في فكرة إنشاء قناة البحرين على أرض فلسطين كبديل عن قناة السويس المصرية.



ثم تبنى الفكرة تيودور هرتزل وعرضها في كتابه "أرض الميعاد" الصادر عام 1902، كجزء من معالم الدولة اليهودية المزمع تأسيسها في فلسطين.



ومنذ ذلك الوقت تناقش إسرائيل بين الحين والآخر العديد من المشاريع والاقتراحات أملا في تحقيق حلمها التاريخي بأن تكون أرض الميعاد هي بوابة المرور للتجارة العالمية والبديل الأحدث والمتطور عن قناة السويس التي أنشئت قبل 150 عاما.



ومنذ الخمسينيات قدمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أكثر من دراسة لتنفيذ مشاريع بديلة لقناة السويس لشق قناة بحرية إسرائيلية تربط خليج العقبة والبحر المتوسط .



ومن هرتزل إلى ديفيد بن جوريون مرورا بكل رؤساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ‏ظل هذا المشروع يلوح في الأفق يظهر ويختفي وفقا للظروف السياسية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في مصر..‏ وبقي هذا الحلم ضمن الآمال التي تراود القيادات السياسية في اسرائيل باعتباره أداة لإضعاف مصر.. ولكن تبلورت فكرة المشروع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة وقبل عامين عندما بدأ الحديث عن قناة بن جوريون البديلة لقناة السويس والتي تربط بين ميناء إيلات وميناء أشدود على البحر المتوسط، ثم انتهى الأمر بالتوقيع مع الصين اتفاق تنفيذ شبكة سكة حديد تصل بين الميناءين واتفاقيات أخرى تقضي بتطوير الموانئ الإسرائيلية لتكون بديلا للموانئ المصرية على البحر المتوسط والبحر الأحمر.



وتسعى إسرائيل لتنفيذ مشروع متكامل لتطوير المنطقة بين الميناءين بعد فشل مخطط إنشاء قناة بديلة لارتفاع تكلفته وللصعوبات الطبيعية والإستراتيجية التي قد تشكل تهديدا على أمن إسرائيل إذا فصلت الدولة بقناة مائية.. لذا تسعى لعمل طرق برية حديثة تسير في نفس الاتجاه مابين هذين الميناءين وإنشاء مطارات حديثة ومتطورة فضلا عن استقطاب مشروعات خطوط أنابيب البترول والغاز من الخليج العربي ومن روسيا لتنتهي عند الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط‏..‏ بالإضافة إلى خطوط أنابيب بترولية تقع مابين ميناء إيلات وميناء أشدود‏ على أمل أن تتحول إسرائيل إلى مركز تجاري لوجسيتي عالمي‏.‏



وفيما يلي عرض لبعض هذه المشروعات مع الـتأكيد على أن المحرك الأول لها جميعا هو السياسة وليس الاقتصاد أو التجارة.






قناة بن جوريون
نشرت الصحف الإسرائيلية عام 2013 عن نية إسرائيل لشق قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، وتكون منافسة لقناة السويس، وذكرت أن المشروع الجديد، المسمى «قناة بن جوريون» سيكون أهم مشروع في المنطقة، استراتيجيا ومائيا، وأنه يجري التفاوض مع 3 بنوك أمريكية لإقراضها 14 مليار بفائدة 1% لتمويل المشروع، على أن تردها إسرائيل على مدار 30 عاما.



وروجت إسرائيل لمشروعها القومي الجديد الذي سيعمل على تنشيط حركة السياحة وكيف أنها ستبنى مدنا سياحية على طول القناة وسيجري توسيع ميناء إيلات وإقامة مدن جديدة على غرار المدن في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وأمريكا وألمانيا والتي ستضم سلسلة من الفنادق أسعارها أرخص 40% من قناة السويس.



ثم حدث تضارب حول مكان القناة فبعض التقارير ذكرت أنها من إيلات لأشدود والبعض الآخر تحدث عن أنها من إيلات لحيفا ثم مالبث أن تحول الأمر لحفر قناتين مستقلتين واحدة من البحر الأحمر إلى المتوسط، والثانية من المتوسط إلى البحر الأحمر، بهدف عدم تأخير السفن في الوقت الذي تمضى فيه السفن في قناة السويس أسبوعين كي تجتاز قناة السويس. مع التأكيد على أن المسافة بين ميناء إيلات والبحر المتوسط لإقامة القناة يشبه المسافة في قناة السويس لوصل البحر الأحمر مع البحر الأبيض المتوسط.



واستكملت التقارير مميزات القناة المزعومة أو القناتين بأنها ستكون بعمق 50 متراً بما يزيد 10 أمتار عن قناة السويس وأنه ستستطيع سفينة بطول 300 متر، وعرض 110 أمتار، وهو أكبر حجم للسفن في العالم من العبور في القناة التي ستبنيها إسرائيل، في ثلاث سنوات وفقا لصحيفة النهار اللبنانية.



وأنه إذا نفذت إسرائيل مشروع قناتها، سينخفض دخل مصر من 8 مليارات إلى 4 مليارات دولار سنويا.
قطار إيلاتو
بين يوم وليلة اختفت القناة وأعلنت إسرائيل أنها وقعت مع الصين اتفاقا يقضي بإنشاء خط سكة حديد من إيلات لمينائي حيفا وأسدود على البحر المتوسط وأن هذا المشروع سيكون "البديل الأمن" لقناة السويس في ظل حالة التوتر وانعدام الأمن والاستقرار التي يعيشها الوطن العربي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي.
وفي عام 2013 صدقت الحكومة الإسرائيلية على مشروع قطار إيلات الممتد بين ثلاث موانئ إسرائيلية هي إيلات على البحر الأحمر ومينائي حيفا وأسدود على البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، والتي يبلغ طولها بين أسدود والبحر الأحمر 350 كلم بتكلفة تصل إلى 15 مليار دولار، على أن يتم الانتهاء من المشروع عام 2018.
كما تم الاتفاق مع شركة بلجيكية بتوسعة ميناء حيفا، وتشرف على تطوير ميناء أسدود ومد خط السكة الحديد إلى إيلات شركة صينية نفذت مشاريع سابقة في حيفا وعكا وتل أبيب.
وتم الترويج للمشروع الذي سيتكلف 100 مليار دولار لنقل البضائع بين البحرين الأحمر والمتوسط في مدة لا تزيد عن ساعتين فقط، بينما تمضي السفن وقتا أطول في قناة السويس مما سيوفر الوقت والمال.



وتحدثت التقارير عن خطة نتنياهو الإستراتيجية لإنشاء مطار دولي في إيلات وتطوير الموانئ في حيفا وأشدود وتل أبيب وذلك لإنشاء الجسر البرى الذي سيعد الطريق التجاري البديل لقناة السويس.
وأضاف الخبراء الاقتصاديون، أن هذا المشروع سيحقق عائدا سنويا يبلغ 8٪ إلى 9٪ لأن القطار ستصل سرعته إلى 140 ميلا في الساعة، بدلا من 40 إلى 45 ميلا في الساعة التي يستغرقها القطار الذي يعمل بالديزل.. ولكن الأهمية الأكبر لإسرائيل هو أنها تنفذ مخططا أكبر هدفه مضاعفة عدد السكان الموجودين بالنقب إلى 1.2 مليون بحلول عام 2025.
وتشير الأرقام إلى صعوبة تحقق الحلم الإسرائيلي لإنشاء بديل لقناة السويس بواسطة قطار إيلات، حيث لا توجد جدوى اقتصادية وتجارية للقطار المعد لتفريغ حمولة سفينة واحدة في الأسبوع، فضلا عن أن سفينة تحتوي على ثمانية آلاف حاوية بحاجة إلى قاطرات بطول 50 كلم، مما يعني صعوبة الشحن والتفريغ، وبالحديث عن العدد فإن سفينة الحاويات الواحدة تحمل 8 آلاف حاوية ويعتبر هذا هو العدد الأدنى للسفن العملاقة، إذ أن بعض السفن يحمل 12 ألف حاوية ومشروع الخط البري الإسرائيلي سيحمل يوميّا حوالي 50 حاوية فقط وهذا عدد لا يقارن بحمل السفن التي تمر يوميا في قناة السويس التي تنقل سنويا ما بين 18 إلى 20 ألف سفينة عملاقة.. أي بما يوازي 1500 سفينة شهريا بمتوسط 50 سفينة يوميا وبعد افتتاح القناة الجديدة من المتوقع أن يتضاعف هذا العدد.



أما الادعاء بان قطار إيلات سيوفر الوقت والمال فإن الشحن البري لحمولة سفينة عبر إيلات قد يستغرق 21 يوما، وستصل تكلفة تفريغ وشحن الحاوية الواحدة ألف دولار، بينما في قناة السويس عبور السفينة لا يستغرق 14 ساعة وتكلفة الحاوية الواحدة لا تتعدى 30 دولار كما أن إسرائيل تريد جعله قطارا للتجارة والركاب مما سيزيد من سعر التكلفة.
وبعيدا عن التكلفة والاعتبارات الاقتصادية ستواجه إسرائيل صعوبات في التنفيذ بسبب الطبيعة الجبلية والأراضي الوعرة المطلوب فيها بناء الجسور وحفر الأنفاق ، والاهم من كل ذلك هو أن الأوضاع السياسية والأمنية هي صاحبة الدور الأهم في هذا الملف فالخبراء الإسرائيليين أنفسهم يرون أن التوتر في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية ستجعل من الصعب استخدام إسرائيل كطريق آمن للتجارة العالمية كما تأمل.
قناة البحرين
لم تتوقف إسرائيل عن التفكير في مشروعات الربط بين البحرين الأحمر والمتوسط بشتى الطرق ومنذ الخمسينيات أيضا يناقش الخبراء الإسرائيليين فكرة أخرى هي شق قناة البحرين عبر مسارين، الأول يربط بين البحر الأحمر بالبحر الميت والثاني يربط بين البحر الميت والبحر المتوسط.
وتعددت الاقتراحات في تحديد الميناء الأنسب لشق القناة على البحر المتوسط، حتى أن هناك تقرير يفيد بأفضلية مشروع توصيل البحر الميت بمدينة غزة باعتبارها الأكثر جدوى اقتصادياً، أما اقتراح توصيل البحر الميت بإيلات، فقد اعتبر انه الأسوأ والأقل من حيث الجدوى الاقتصادية من بين هذه المقترحات جميعا.



وبعيدا عن الاقتصاد تم الترويج لفكرة القناة باعتبارها تمثل امتيازا عسكريا يمنح إسرائيل حماية طبيعية بوجود فاصل مائي حدودي بينها وبين الدول العربية خاصة بعد هزيمتها في حرب اكتوبر 1973.
وفي عام 1977 تألفت لجنة بريطانية- إسرائيلية لدراسة مقترحات لتنفيذ الفكرة وأسندت رئاسة اللجنة إلى عالم الذرة الإسرائيلي بوقان نوتمان والذي وضع خمسة مقترحات لشق القناة بين البحرين، والمبنية على استغلال فرق المنسوب ما بين البحرين بغرض إنشاء محطة كهرومائية فكان التفكير في ثلاث قنوات:
1- مشروع ( حيفا- وادي الأردن) وذلك عبر شق قناة من خليج حيفا عبر سهل مرج بن عامر وحتى سهول بيسان بمحاذاة نهر الأردن إلى البحر الميت، ولم يأخذ به لخطورته على مياه نهر الأردن.



2- مشروع ( أشدود- البحر الميت) وذلك القيام بحفر قناة من أشدود في الشمال مرواً بالسهل الساحلي ثم يجتاز جبال الخليل جنوب مدينة القدس عبر نفق حتى يصل إلى منطقة قمران جنوب مدينة القدس، وقد صرف النظر عن هذا المقترح بسبب الصعوبات الفنية والجيولوجية.



3- مشروع ( قطيف- مسادة) وذلك عبر شق قناة من القطيف شمالاً إلى بلدة عين بوكاك جنوبا.. ولم تنفذ أيا من هذه المشاريع التي وضعتها إسرائيل بحجة جدواها الاقتصادية لها وللدول العربية المجاورة.. ولكن لعبت الظروف السياسية وتوقيع منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الأردنية اتفاقيات أوسلو ووادي عربة مع إسرائيل دورا محوريا في التحول إلى تنفيذ بعض هذه المشروعات حتى أن إسرائيل وضعت 35 مشروعاً لتحسين مستوى العلاقات مع الفلسطينيين والأردنيين والتي أسفرت في النهاية عن توقيع مشروع إنشاء قناة البحرين بين البحر الميت والبحر الأحمر مع الأردن والسلطة الفلسطينية في فبراير الماضي بحجة إنقاذ البحر الميت وتوليد الكهرباء.وكما تابعنا فالرهان الاسرائيلي كما علمنا التاريخ يعتمد على الوقت وتغير الأوضاع السياسية والأمنية واستغلالها لتنفيذ مخططاتها التي تعني فقط بالعقيدة اليهودية وسياسات إسرائيل الاستعمارية لسرقة ونهب ثروات الدول العربية.