موضوعية
موضوعية


حكاية أثر| «لوحة الحجر الجيري».. رمزية الآلهة وعلاقات الأسرة في عصر الدولة الحديثة

شيرين الكردي

الأربعاء، 08 يناير 2025 - 07:18 ص

تعد اللوحة الحجرية المكتشفة في دير المدينة، والمعروضة حاليًا بمتحف تورينو بإيطاليا، من أبرز الشواهد الأثرية التي تسلط الضوء على العقيدة والروابط الأسرية في عصر الدولة الحديثة.

 مؤرخة بالأسرة التاسعة عشرة، تمثل اللوحة قصة شخصية تدعى "حوي"، حيث تكشف تفاصيلها عن التفاعل بين المعبودات المصرية ورمزية العلاقة بين المتوفى وعائلته. 

هذه اللوحة تعكس مهارة الفنان في توزيع العناصر الرمزية والواقعية في مساحة محدودة، مما يجعلها مرآة لفهم الثقافة والمعتقدات في تلك الفترة.

** تفاصيل اللوحة: رمزية المعبودات

- الجزء العلوي: حضور الآلهة وتعدد الأدوار

في الجزء العلوي من اللوحة، يظهر "نفر رنبت" راكعًا في وضع تعبدي أمام مائدة قرابين تحمل إناء "نمست"، وهو رمز هام في الطقوس الدينية. أمامه تظهر ثلاثة رموز حيوانية تمثل ثلاثة معبودات رئيسيين:

1- الكبش (آمون رع): المعبود الرئيسي في الدولة الحديثة، رمز الخلق والقوة الإلهية.

2- أنثى فرس النهر (تا ورت): إلهة الحماية والخصوبة، ترتبط برعاية العائلة وحماية الأمهات.

3- فرس النهر الأحمر (ست): يظهر مرتين في اللوحة؛ مرة باسمه "ستي" ومرة بوصفه "ابن نوت"، مما يعكس دوره الإشكالي كإله للفوضى والقوة.

* التداخل الرمزي بين "نوت" و"ست"

تشير اللوحة إلى وجود "ست" خلف أمه "نوت"، وهو تفصيل نادر يحمل معاني دينية عميقة. عادة ما تُصور "نوت" كإلهة السماء التي تلد الآلهة، مما يبرز العلاقة الوثيقة بين العناصر الإلهية المختلفة ودورها في تشكيل النظام الكوني.

* الجزء السفلي: الروابط العائلية

- التوزيع الفني للعائلة

يُظهر الجزء السفلي من اللوحة صفين من الأشخاص يمثلون أفراد عائلة المتوفى "حوي"، حيث يقفون في وضع تعبدي. يتميز هذا المشهد بعدد النساء الكبير، إذ يظهرن بمجموع 12 سيدة، مما يعكس أهمية النساء في المجتمع ودورهن في الطقوس الجنائزية.

- النساء: جميعهن من أقارب "حوي"، وقد تم توزيعهن على صفين لضيق المساحة في اللوحة.

- التوازن بين القرابة والفن: لجأ الفنان إلى توزيع الشخصيات بطريقة ذكية بحيث يحافظ على القرابة، مع ترتيبهم على الجانب الأيمن خلف المتوفى.

** دلالات رمزية واجتماعية

- رمزية المعبودات

"آمون رع": يمثل القوة الإلهية والبركة التي يسعى "حوي" للحصول عليها.

"تا ورت": تجسد الحماية للأجيال القادمة، مما يعكس رغبة المتوفى في الاستمرار الرمزي من خلال عائلته.

"ست": ظهوره المزدوج يحمل إشارات إلى قوته الغامضة ودوره الجدلي في العقيدة المصرية القديمة.

- النساء في اللوحة

يعكس عدد النساء الكبير الدور البارز الذي لعبته النساء في الأسرة المصرية.

يشير الترتيب الفني إلى أهمية الروابط العائلية في الطقوس الجنائزية.

* الأبعاد الفنية والتقنية

- التركيب الفني

الجزء العلوي: تم تنظيم الآلهة بشكل هرمي يعكس أهميتهم الرمزية.

الجزء السفلي: التوزيع المبتكر للأفراد على صفين يُظهر براعة الفنان في التكيف مع قيود المساحة.

** الألوان والنقوش

استخدمت الألوان بعناية لإبراز الرمزية، مثل اللون الأحمر المرتبط بـ"ست".

النقوش تحمل دقة في التفاصيل تعكس مهارة الحرفيين في عصر الدولة الحديثة.

** أهمية اللوحة في الدراسات الأثرية

- نافذة على العقيدة المصرية

تُظهر اللوحة التداخل بين الآلهة المختلفة ودورهم في الحياة اليومية والمعتقدات الجنائزية.

- تأريخ العلاقات الاجتماعية

توضح اللوحة مكانة المرأة وأهميتها في الأسرة، إلى جانب التركيز على الروابط العائلية في الطقوس الجنائزية.

- التفاعل مع محدودية المساحة

تمثل اللوحة دليلًا على مهارة الفنان المصري في تحقيق التوازن بين الرمزية والقيود الفنية.

تعكس لوحة الحجر الجيري المكتشفة في دير المدينة رؤية عميقة للحضارة المصرية القديمة من حيث المعتقدات والعلاقات الاجتماعية. من خلال رمزية الآلهة وتوزيع الشخصيات، تقدم اللوحة نموذجًا فريدًا لفهم التداخل بين الفن والدين في عصر الدولة الحديثة. إنها ليست مجرد قطعة أثرية، بل شهادة حية على عظمة الثقافة المصرية التي استمرت في إبهار العالم حتى يومنا هذا.


اقرأ أيضا | أصل الحكاية| اكتشافات أثرية ضخمة بجوار معبد حتشبسوت

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 

 

 

 

 

مشاركة