موضوعية
موضوعية


أصل الحكاية| «مومياوات الحيوانات» أسرار التحنيط في الحضارة المصرية

شيرين الكردي

الجمعة، 10 يناير 2025 - 10:53 ص

تحظى الحضارة المصرية القديمة بمكانة فريدة في تاريخ البشرية، إذ لم تقتصر إنجازاتها على العمارة والفنون فحسب، بل امتدت إلى طقوس الموتى وتحنيطهم، بما في ذلك الحيوانات.

 يُعد تحنيط الحيوانات من أبرز الشواهد على العلاقة العميقة التي جمعت المصريين القدماء مع الكائنات الحية، سواء كرفقاء في الحياة اليومية أو رموز دينية مقدسة. 

يسلط هذا التقرير الضوء على أنواع مومياوات الحيوانات وأسرار التحنيط التي أدهشت العالم بقدرتها على الصمود عبر آلاف السنين.

 أنواع مومياوات الحيوانات

قام المصريون القدماء بتحنيط الحيوانات لأسباب متعددة، ونتج عن ذلك أربعة أنواع رئيسية من مومياوات الحيوانات:

1. الحيوانات المرافقة:

كانت الحيوانات الصغيرة تُدفن مع أصحابها، حيث اعتبرها المصريون رفقاء في حياتهم الأرضية واستحقوا مشاركتهم الحياة الأبدية.

2. حيوانات الغذاء الرمزي:

كانت بعض الحيوانات تُحنط وتُدفن مع المتوفى كرمز لتوفير الغذاء له في العالم الآخر. في كثير من الأحيان، وُضعت هذه الحيوانات إما كاملة أو بعد تقطيعها لتسهيل استخدامها كقربان غذائي.

3. الحيوانات المقدسة:

اعتبر المصريون بعض الحيوانات مقدسة مثل الثور "أبيس" والطائر "إيبيس" والقط "باستت"، إذ ارتبطت هذه الحيوانات بآلهة معينة وكان يتم تحنيطها لتكريم الآلهة وطلب البركات.

4. الحيوانات كعهود:

قُدمت الحيوانات المحنطة كعهود أو قرابين نذرية للآلهة، هذه المومياوات كانت تُستخدم كوسيلة للتعبير عن الإخلاص والتقرب من الآلهة.

 طرق تحنيط مومياوات الحيوانات

كان تحنيط الحيوانات يشابه في مراحله الأساسية تحنيط البشر، ولكن مع بعض التعديلات التي تلائم طبيعة الكائنات المحنطة. تركزت عملية التحنيط على تجفيف الجسم لمنع انتشار البكتيريا والحفاظ عليه لأطول فترة ممكنة.

1- الإفراغ من الأحشاء:
كانت أولى مراحل التحنيط هي إفراغ الجسم من الأحشاء عبر شق جانبي أو طولي.

بالنسبة للحيوانات الصغيرة، غالبًا ما تم التخلص من الأحشاء دون تحنيطها.

في حالة الطيور، أعيدت الأحشاء إلى الجسم بعد تجفيفها.

أحشاء الحيوانات المقدسة، مثل ثور ممفيس، تم حفظها في أوانٍ كانوبية مثلما كان الحال مع البشر.

2- التجفيف:
استغرقت عملية التجفيف باستخدام النطرون حوالي 40 يومًا.

تختلف هذه الفترة في حالة الحيوانات الصغيرة لتتناسب مع حجمها.

3- المعالجة بالزيوت:
بعد التجفيف، كانت الأجسام تُدلك بزيوت ومواد عطرية لاستعادة مرونتها ومنع الجفاف الزائد.

4- اللف بالكتان:
أُلفت أجسام الحيوانات المحنطة بالكتان بإحكام، مع إضافة طبقات زخرفية لبعض المومياوات المقدسة.

أهمية تحنيط الحيوانات في الحضارة المصرية

كان تحنيط الحيوانات جزءًا من الممارسات الدينية والاجتماعية في مصر القديمة. لعبت الحيوانات دورًا مركزيًا في الحياة اليومية والطقوس الدينية، وكان يُنظر إليها باعتبارها وسيلة لربط الإنسان بالآلهة.

1- رمزية الآلهة:

ارتبطت بعض الحيوانات بآلهة محددة، مثل الإله "تحوت" الذي كان يُرمز إليه بالطائر "إيبيس".

تحنيط هذه الحيوانات كان يعكس تقديسها وطلب حماية الآلهة التي تمثلها.

2- تكريم المتوفى:

الحيوانات المحنطة كغذاء أو رفاق للمتوفى تعكس اعتقاد المصريين بالحياة الأبدية وحاجة الميت إلى نفس الموارد التي كان يعتمد عليها في حياته الأرضية.

3- القرابين النذرية:

كانت الحيوانات المحنطة تقدم كقرابين نذرية في المعابد، تعبيرًا عن الإخلاص والامتنان للآلهة.

نماذج مميزة لمومياوات الحيوانات

1- الثور "أبيس":
كان الثور "أبيس" يُعتبر رمزًا للقوة والخصوبة، وقد تم العثور على مومياوات لثيران محنطة في سراديب خاصة.

2- الطائر "إيبيس":
تم تحنيط طائر "إيبيس" كرمز للإله "تحوت"، وكان يُوضع في مقابر مخصصة لهذا الغرض.

3- القطط:
كانت القطط رمزًا للإلهة "باستت"، وقد وجدت مومياواتها في مناطق مثل "بني حسن" و"تل بسطة".

4- التماسيح:
ارتبطت التماسيح بالإله "سبك"، وتم العثور على مومياوات تماسيح مختلفة الأحجام في معابد مخصصة.

* قاعة مومياوات الحيوانات في المتحف المصري

يُمكن للزائرين استكشاف المزيد عن مومياوات الحيوانات في قاعة رقم 53 بالطابق العلوي في المتحف المصري بالقاهرة. تضم القاعة مجموعة فريدة من مومياوات الحيوانات، منها الطيور، القطط، والثعابين، مع توضيحات عن تقنيات التحنيط وطقوس الدفن.

إن تحنيط الحيوانات في مصر القديمة ليس مجرد عملية للحفاظ على أجسادها، بل هو انعكاس عميق لثقافة تعتز بالحياة وتؤمن باستمراريتها. من خلال مومياوات الحيوانات، نستطيع أن نلمس جزءًا من تلك الحضارة التي تجاوزت الزمن وتركزت على احترام الطبيعة والكائنات الحية. زيارة المتحف المصري لاستكشاف هذه المومياوات تعد فرصة فريدة لفهم جزء مهم من تاريخ المصريين القدماء.

اقرأ أيضا | فن التحنيط يعكس عظمة المصريين القدماء في الطب والكيمياء.. اعرف الحكاية

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 

 

 

 

 

مشاركة