أربـعـون عـامـا مضت على رحـيـل مـجـدد الصحافة المصرية على أمـين، وقبل سـاعـات مـن رحيله كتب في عـمـوده «فـكـرة»: «من يحبني لا يبكى.. كل ابتسامة فوق شفاهه هى قبلة على جبيني».

هكذا عاش حتى اللحظة الأخيرة فيلسوفا للتفاؤل رغم حياته الحافلة بالمصاعب، لو أن انجازه الوحيد هو تأسيس «أخــبــار الــيــوم» عــام ١٩٤٤ مـع شـقـيـقـه مـصـطـفـى أمــين لـكـان ذلك كافيا، لكن كفاحه على مستوى الكلمة كان متواصلا.

تحولت «أفكاره» إلى طلقات تخترق جسد الظلم وتدافع عن الحرية دون أن تفصله القضايا الكبرى عن هموم رجل الشارع البسيط، وتحولت «فكرة» إلى كابوس يؤرق كل فاسد، لم يفكر يوما في أية توابع سلبية قد يواجهها بسبب مواقفه، فقبل سنوات طويلة من عمله بالصحافة دفع أول ثمن لأحد مواقفه، كان في الرابعة عشرة من عمره عندما صفع حكمدار الغربية الذي حاول الاعتداء على الزعيم مصطفى النحاس.

حيث تم فصله من المدرسة لمدة عامين، وبمجرد التحاقه من جديد بالمدرسة الخديوية شـارك في إضـراب احتجاجا على تعطيل دستور ١٩٢٣.

كان هذا هو المسار الذي رسمه على أمين لنفسه منذ بدايته. فلم يكن دفاعه عن المواقف الوطنية مقصورا على الكلمة رغم أهميتها، بل امتد إلى الأفعال.

وفى عام١٩٥٦ كلفه الرئيس الـراحـل جـمـال عـبـد الـنـاصـر بالسفر إلـى لـنـدن لإقـنـاع حـزب العمال باستنكار العدوان الثلاثي، وعاد إلى القاهرة برسالة من جيتسكل زعيم العمال لعبد الناصر، مثلت تحولا كاملا في موقف الحزب، وقتها قال لها الرئيس: أنت تستحق أكبر نياشين الدولة على هذا العمل الوطني، لكن ريـاح السياسة تأتى بما لا يشتهيه الكثيرون.

فبعدها بسنوات انقلبت الأمور إلى النقيض، ليقضى تسعة أعوام في منفى اختياري لينجو من السجن الذي استضاف شقيقه. وبـنـاء على طلب الرئيس الـسـادات عـاد إلـى مصر ليواصل كفاحه بالكلمة.

ورغم معاناته مع المرض قبل شهور من رحيله استمر في إطلاق «فـكـرة» التي كانت منصة لإطـلاق الأفكار، لـيـس في الـسـيـاسـة وأحـوالـهـا فـقـط، بـل ارتـبـطـت بـالـظـروف الاجتماعية، ويكفى أن فكرة «عيد الأم» خرجت من عباءتها. أربعون عاما من الحضور تؤكد أن الأفكار لا تموت، وأن على أمين سيظل حاضرا في قلوب الكثيرين الذين يمنحون ذكراه ابتسامات متجددة.





المهندس على أمين يحكى القصة الأسطورية لميلاد أخبار اليوم سافر لدراسة الهندسة في انجلترا.. فعاش في شارع الصحافة بلندن
سافر على أمين إلى لندن في سبتمبر من عام ١٩٣١لتنقلب مـسـارات حياته وشقيقه، حيث تم فيها ميلاد مؤسسة أخبار اليوم كان الهدف من السفر هو تحقيق رغبة أسرته في أن يدرس الهندسة في جامعة "شفيلد" ليحققً «ميكانيكيا» ولم يعرف أن حلمها في أن يصبح مهندسا القدر يخبئ له الكثير منذ أول أيام رحلة السفر إلى بلاد الضباب فقد كانت رحلته إلى انجلترا عبر البحر.

وبينماً إلى توأمه مصطفى أمين هو على الباخرة أرسل خطابا يحكي له كيف كانت رحلته منذ ترك ميناء الإسكندرية من القاهرة كان فيه نسخة من وبعد أيام تلقى مظروف المجلة «روز اليوسف» وعندما فتحها فوجئ بذلك الخطاب وقد تحول إلى مقال نشرته المجلة بتوقيع اختاره له توأمه وهو السندباد البحرى ولم يكذب خبرا وقام بكتابة خطاب ثان ولكن فى صورة مقال وهكذا تتابعت خطابات المقالات.

ودخــل على أمـين بـوابـة الصحافة العالمية مـن أوسـع أبوابها في «فلليت ستريت» أو شـارع الصحافة بلندن وتعددت لقاءاته مع الكاتب الانجليزي الشهير "هانن سوافر" التلميذ الأبرز للورد نورث كليف صاحب مدرسة الصحافة الانجليزية الحديثة والتي كانت مدرسة أخبار اليوم نسخة منها وتعددت خطابات على أمين إلى توأمه التي حكى له فيها مفاتيح نجاح وتطور الصحافة الانجليزية وأهمية القصص الإنسانية.

وتوقف كثيرا بحكم دراسته للهندسة عند إخراج الصحف الانجليزية خاصة الصفحة الأولى وهكذا تم تحديد أصول وقواعد مدرسة أخبار اليوم في لندن من خلال الخطابات المتبادلة بين التوأمين سواء في الشكل أو المضمون وهو ما حكاه الأستاذ على أمين في مقال له تحت عنوان: «كيف صدرت أخبار اليوم»

ويقول: كتبت إلى أخي من لندن أقترح إصدار جريدة أسبوعية تجمع بين المجلة الأسبوعية والصحيفة اليومية وبعثت له بتبويبها ووضعت في أولـى صفحاتها اسمي بالخط العريض بصفتي المدير العام ووضعت اسم أخي مصطفى بالبنط الصغير ومنحته لقب رئيس التحرير بمجلة روزا وكـان أخي يعمل في ذلـك الوقت مـحـرراً فكشط اسمي واسمهً ودبلوماسيا اليوسف وكـان لبقا ووضع مكانهما اسم السيدة روز اليوسف والأستاذ محمد التابعي.

وعرض التبويب على الاثنين فرفضاه وقالا إنه تبويب خيالي لا يفكر فيه إلا شاب فقد اتصاله بالذوق المصري.. وطويت الفكرة في سلة المهملات إلى أن تقرر إصدار جريدة المصري عام ١٩٣٦ واجتمعت أنا والفرسان الثلاثة محمود أبو الفتح والتابعي وكريم ثابت في فندق مينا هاوس لنضع تبويب العدد الأول من جريدة المصري وأخرجـت الـفـكـرة مـن سلة المهـملات وعرضتها على الفرسان الثلاثة فرفضوها بالإجماع وقالوا إنهم يريدون جريدة في وقار جريدة الأهرام.

ونامت الفكرة مرة أخرى في سلة المهملات إلى أن كانت في غرفة إحـدى ليالي صيف سنة ١٩٤٠ وكنت جالسا انطون الجميل رئيس تحرير الأهرام سحبني تقلا باشا صاحب جريدة الأهرام رحمه الله من كتفي، وقال لي: ما هي أمنيتك في الحياة؟ ولم أدهش من السؤال لأن تقلا باشا رحمه الله عودني على هذه الأسئلة فقلت له: إن أمنيتي هي أن أصدر مع أخي جريدة تجمع بين المجلات الأسبوعية والصحف اليومية وشرحت له أبوابها وطريقة صفحاتها وكان من في مطبعة "أخبار اليوم" لمجرد التسلية فانتظر تعادة تقلا باشا أن يعارض دائما منه أن يعارض الفكرة ويهزأ بها ولكن عينيه لمعتا فجأة وسألنني: لماذا لا تحققون هذه الأمنية؟قلت: ليس لدينا مطبعة قال: إنني مستعد أن أطبعها لكم، قلت: ليس لدينا المال ولذلك سنخفق فقال: إن الناس لا يخفقون في الحياة لا لأن الذكاء ينقصهم ولا لأن المال يعوزهم بل لأنهم يعملون بعقوله مدون قلوبهم وبأفكارهم دون عواطفهم في حين النجاح رهين الحرارة التي تتقد في القلم وتضرم العاطفة.قلت: ولكن الحرارة للأسف ليست عملة عند بائع الورق وجامع الحروف.ً عشرة آلاف جنيه،قال: إنني مستعد أن أقرضكما غدا فإذا ربحتما استعدتها وإذا أخفقتما فأمري إلى الله، قلت: ولكن الدين هم بالليل وذل بالنهار، قال: بل إن الإحجام عن تنفيذ فكرتكما هو الذل والهم بالليل والنهار.

وتابع: استدعينا أخي مصطفى أمين وعرضنا عليه المشروع فرفض أن يستدين من صاحب الأهرام.هكذا طويت الفكرة للمرة الثالثة، ودارت الأيام وعرض حسين أبو الفتح في نفس العام على مصطفى أمين المشاركة في إصدار صحيفة بشراء دار اللطائف ولـكـن مصطفى أمــين رفــض ثـم تكررت المحاولة مرة أخرى واقترح مصطفى أمين أن يكون اسم الجريدة «أخبار اليوم» ولكن أبو الفتح اعترض على الاسم وبعد مداولات تم الاتفاق وعند توقيع العقد تردد الجانبان.

وقال على أمين لتوأمه: قلبي غير مطمئن للاتفاق»، ليتراجع مصطفى أمين عن التوقيع ولم يدخلا شقة حسين أبو الفتح وبعد مرور ٥ سنوات استقال مصطفى أمين من مجلة الاثنين وبدأ إجراءات تأسيس "أخبار اليوم"،
وحصل على الترخيص في ٢٦ أكتوبر ١٩٤٤ باسمه فقط وبدأ الإعلان عن صدورها في أول نوفمبر ثم صدر العدد الأول في ١١ نوفمبر ١٩٤٤ وحقق رقما غير مسبوق في التوزيع لم يسبق له مثيل وهو ١١٠ آلاف نسخة وظلتً حتى يوم ٢٥ يناير ١٩٤٥أخبار اليوم تصدر أسبوعيا وعليها اسـم مصطفى أمـين فقط وفـى العدد رقـم ١٢تم وضع اسم على أمين كصاحب الجريدة بعد أن تقدم باستقالته من منصب المدير العام لمستخدمي الحكومةً في بـــوزارة المالية.

ويقول مصطفى أمــين: كنت مـتـرددا الموافقة على استقالة على أمين وقلت له: قد نحتاج إلى مرتبك من الحكومة للإنفاق على مصروفات "أخبار اليوم"، ولكنه أصر على الاستقالة لتكسب الصحافة أحد روادها وعمالقتها المعدودين. ولم تمر سبعة أشهر على صدور "أخبار اليوم" حتى سافر على أمين في أول يوليو ١٩٤٥ إلى لندن للتعاقد على شراء ماكينات لجمع حـروف سطور أخبار اليوم وتعاقد على أمين في ١٠ يوليو على تلك الماكينات.

وتم في العيد الأول لأخبار اليوم ١١ نوفمبر ١٩٤٥ وضع حجر أسـاس دار أخبار اليوم وعندما تم بناء أول دور من مبناها التاريخي الحالي، قام على أمين ومصطفى أمين بوضع أول ماكينة من التي تم شراؤها من لندن واستعارا من بقال في الشارع سلك كهرباء لتشغيلها وصدر في ٢٨ يونيو ١٩٤٧ العدد رقم ١٣٨ من أخبار اليوم من الدار الجديدة.