الفول هو الطبق الذى يعشقه الأغنياء الفقراء على حد سواء طوال أيام العام،والطبق الرئيسى لجميع المصريين على موائد السحور،وتزداد كثافة الاقبال عليه خاصة فى شهر رمضان الكريم،باعتباره «مسمار البطن»، الذى يعين الصائم على تحمل مشاق الصيام من بداية الفجر وحتى أذان المغرب، وأبدع المصريون فى طرق تحضيره، وتأهيله للأكل بأكثر من طريقة، وكل واحدة ألذ من الأخرى.

ذهبنا إلى أقدم مستوقد فى مصر والموجود بحارة مرجوش بمنطقة باب الشعرية،والملاصق لأحد أشهر الحمامات الشعبية التى تحمل نفس الاسم، ويعتبر آخر المستوقدات البلدى التى تقوم بعمل الفول المدمس فى مصر بالطريقة اليدوية،والتى تحولت مع مرور الزمن إلى مجرد أطلال لا يعرف عنها شىء سوى كبار السن،الذين عاصروا فترات ازدهار طهى الفول المدمس فى المستوقد قديماً،والذى كان يتم طهيه على كميات من القمامة والزبالة،أو أى اشياء يتم إلقاؤها فى الشوارع مثل كاوتش السيارات والاخشاب وغيرهم.

كانت بداية الرحلة أن مشينا فى ممر طويل داخل المستوقد،تبلغ مساحته 10 أمتار وعرضه مترين وينتهى بغرفة تعج بالأخشاب والتى تستخدم فى عملية الطهى وبعض القدر النحاسية والاستانلس التى عفا عليها الزمن،أما جدرانه فكانت متهالكة لما رأته من حوادث الزمن فتحولت إلى اللون الأسود بنفس لون الأرضية التى اكتست بالفحم المحترق،وهناك تجد حاملات من الحديد ترتكز على أرضية الممر وعليها ثلاثة قدور من الفول يتم تجهيزهم للسحور وأسفلهم «وابور الجاز» الذى يقاد باستخدام الشرائط.

ويقول لنا عم «محمد أحمد»50 سنة صاحب مستوقد الفول ان الحال لم يعد كما كان قديما فى أيام والده المعلم « أحمد» أشهر صانعى الفول المدمس فى مصر،ويستكمل كلامه وهو يقوم بدحرجة قدرة الفول ثقيلة الوزن على الأرض من الحجرة إلى الموقد لثقل وزنها،ويوضح أن حركة العمل زمان لم تنقطع عن المستوقد ليلا أو نهارا، وكان يتم ضخ «11 قدرة» فول يومياً للمحال التجارية والمنازل،كما كان يتم توزيع الفول على أكبر المطاعم والفنادق فى مصر،ويصمت ثم يقول: «لا يتعدى عدد القدور حالياً ثلاثة قدر فقط وتزيد إلى تسعة فى شهر رمضان الكريم،ويشير إلى أن السبب هو أن المطاعم والفنادق تقوم بتسوية الفول فى مطابخها الخاصة على غاز الأنابيب البوتاجاز،فى حين انه يعمل بمفرده وبدون صنايعية معه،لخفض التكاليف،ويقوم بعمل كل شيء بنفسه،ويمسح المعلم محمد حبات العرق من على جبهته ويشير إلى أنه يقوم بتجهيز قدر الفول وطهيها من الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى الساعة الثامنة مساء،ثم يستعد لمجئ البائعين لتجهيز الفول لوجبة السحور.

ويحدثنا عم «أحمد» عن سر جمال أطباق الفول،ويحددها فى طريقة التسوية على نار هادئة،فهى على حد قوله سر مهنته بالإضافة إلى وضع كميات قليلة من الحمص بخلاف ما يضعه أصحاب المطاعم من فول وعدس وأرز فقط، كما أن هناك بعض الباعة يستخدمون الفول المستورد لرخص ثمنه وسعر الكيلو منه 4 جنيهات وتكون فيه بعض المرارة بعكس الفول البلدى الذى يتميز بمذاقه الجيد، ويستخدم الفول البلدى قليل من الباعة لان سعره يصل إلى 12 أو14 جنيها.

ويشرح لنا عم محمد مراحل تسوية الفول المدمس فى الوقت الحالى،والتى تتم عن طريق حرق كميات كبيرة من الخشب وكاوتش السيارات الملقاة فى الشوارع التى يجمعها من الشارع،ويضعها أسفل « قدر» الفول،وتتم بعد الغليان عملية التسوية على النيران الهادئة لـ «وابور الجاز» لأن نيرانه الهادئة تساعد على تسوية حبات الفول بشكل جيد وتعطيه الطعم المميز ويقوم بتقليب كل المكونات معا لتمتزج معا ويغطى القدرة بالغطاء ويضع فوقها قالبا من الطوب الاحمر لاحكام الغلق ومقاومة ضغط البخار الساخن.

ويشير عم محمد إلى أن طهى الفول قديماً كان له طريقة مختلفة،حيث كان يتم حرق كميات كبيرة من القمامة والزبالة الملقاة فى الشوارع لتسخين مياه حمام مرجوش البلدى الملاصق للمستوقد فتتحول القمامة إلى تراب أحمر نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، ويوضع قدر الفول أعلى التراب المحترق لمدة 6 ساعات، مما يساعد على تدميس الفول بطريقة سريعة.

وأوضح أن الفول كان له مذاق خاص، ولكن هذه المهنة أصبحت من المهن المنقرضة، ولم تعد مربحة ويقول: كل ما أتقاضاه مقابل تسوية قدرة الفول الصغيرة هو 15جنيهاً،و الكبيرة تسويتها 20 جنيهاً فقط لا غير.