* عميد الكلية يوقع على مذكرة بـ«مشكلات» التعليم المفتوح.. ولا ينفذ حكما بإيقافه

* 5 أساتذة بالجامعة يطالبون «التعليم العالي» بإنقاذ كليتهم.. والعميد يرد: جاري التعديل

* مناهج كاملة بـ«الإنجليزية» والطلاب لا يعرفون شيئًا عن اللغة

* خبير قانوني: رئيس الجامعة وعميد الكلية معرضان للحبس

فوق تسونامي من الأزمات والمخالفات باتت سفينة التعليم المفتوح معرضة للغرق في بحر الجامعات الحكومية بين عشية وضحاها، وباتت بعض الكليات محاصرة بأمواج عالية من افتقاد المنظومة السليمة لإدارة هذا القطاع التعليمي.

منذ أيام، بدت باخرة «التعليم العالي» تائهة في ظلمات هذا البحر بين الاتجاه شرقًا بإلغاء التعليم المفتوح أو غربًا بإعادة تقييمه، وفي المنتصف تتعالى صرخات أساتذة جامعيين بسرعة وقف العمل بهذا القطاع مقدمين خرائط من مساوئ هذا النظام، وإعداد «ناجين مشوهين» علميًا وتعليميًا.

المفاجأة الحقيقة كشفها حكم صادر قبل عام من محكمة القضاء الإداري بالقليوبية يطلب من جامعة بنها سرعة وقف العمل بالتعليم المفتوح في كلية الزراعة بمشتهر التابعة للجامعة، بعد دعوى تقدم بها خمسة من أساتذة الكلية لكن الجامعة ردت عليه بالتجاهل.

«الأخبار» حصلت على مذكرة بمخالفات في تطبيق منظومة التعليم المفتوح بزراعة مشتهر قدمها الأساتذة الخمسة لرئيس جامعة بنها عام 2012 لكن دون جدوى، ما دفعهم لرفع دعوى أمام القضاء الإداري لوقف العمل باللائحة هذا النظام التعليمي، وبالفعل أصدرت المحكمة قرارًا بإلزام جامعة بنها بوقف وإلغاء لائحة التعليم المفتوح بـ«زراعة مشتهر»، وهو ما قابلته الجامعة بالتجاهل.

واستندت المحكمة في حيثيات حكمها إلى أنه «لما كان الثابت من الأوراق أن المدعين يشغلون وظائف أساتذة بكلية الزراعة بمشتهر، وقد تم إصدار اللائحة الداخلية لبرنامج الإنتاج الزراعي للتصدير للتعليم المفتوح بكلية الزراعة، وقد ذكر المدعون أنه لم يتم عرض هذه اللائحة على مجلس الكلية ورؤساء الأقسام لإبداء الرأي فيها حسبما نصت المادة (41) من قانون تنظيم الجامعات، وقد خلت أوراق الدعوى مما يفيد قيام جهة الإدارة بفرض هذه اللائحة المذكورة وهي وجوب أخذ مجلس الكلية قبل إصدار هذه اللائحة».. فإنه يتعين وقف العمل بهذه اللائحة وإلغائها.

مذكرة ودعوى أعضاء هيئة التدريس الخمسة بجامعة بنها طرحت أهرامات من الأسئلة أمام وزير التعليم العالي: «لماذا لم تلتزم الوزارة بتنفيذ أحكام القضاء؟.. ما حجم مكافآت رؤساء الجامعات ومديري التعليم المفتوح؟.. أين تذهب أموال التعليم المفتوح داخل كل جامعة؟»

بداية الأزمة
في عام 2012، حاول عدد من أعضاء هيئة التدريس بـ«زراعة بنها» وقف العمل بلائحة التعليم المفتوح بكليتهم، وسارعوا بتقديم مذكرة لرئيس جامعة بنها ضد لائحة التعليم المفتوح، والتي حملت اسم «برنامج الإنتاج الزراعي للتصدير»، مؤكدين صدور موافقة على البرنامج واللائحة من لجنة القطاع الزراعي والمجلس الأعلى للجامعات.

الغريب أن العميد الحالي للكلية الدكتور محمود عراقي كان واحدًا ممن وقعوا على المذكرة المقدمة لرئيس جامعة بنها، حيث وقع عليها نحو 50 عضوا بهيئة التدريس في زراعة بنها، إلا أنه لم يعط أي اهتمام لتلك المذكرة بعد توليه عمادة الكلية.

وتحفظ الأساتذة آنذاك على البرنامج واللائحة المعد بموجبهما المسمى ببرنامج الإنتاج الزراعي للتصدير، مؤكدين في مذكرتهم بأن اللائحة والبرنامج غير صالحين للتطبيق العملي، لما يشوبهما من «عوار وأخطاء» تفقدهما تحقيق الهدف المطلوب في مواصفات الخريج.

واستند أساتذة «زارعة مشتهر» إلى أن اللائحة لم يتم عرضها على مجالس الأقسام العلمية لمناقشة محتواها من مقررات وأهداف بما يعد تجاوزًا للمادة 55 من قانون تنظيم الجامعات، ومخالفتها لأهداف التعليم المفتوح لافتقار المقررات الدراسية إلى هدف المساهمة في تحقيق هدف وتطوير الخطط الدراسية في الدراسات الزراعية، فضلا عن أن مقررات المستويين الثالث والرابع ليس بهما أي مقررات غير تقليدية تخدم البرنامج أو تتواكب مع أهدافه.

وفي مذكرتهم أيضًا، تحفظ الأساتذة مقدمو المذكرة على استئثار اللائحة وبرنامجها بأقسام بعينها مما أفقدهما جوهرهما، ومن هذه الأقسام: «البساتين – 9 مقررات دراسية، الأراضي – 7 مقررات، المحاصيل – 6 مقررات، الاقتصاد 6 مقررات»، ما يعني أن أربعة أقسام فقط من بين 11 قسمًا تستحوذ على 19 مقررًا من إجمالي 40 مقررًا إجباريًا أي ما يقارب 50% من البرنامج، وهناك مقررات مرتبطة بقيمة تصديرية لمصر كـ«الفاكهة والخضر والزينة»، ولم يتم دمجها بالبرنامج.

مساوئ أخرى تضمنها برنامج التعليم المفتوح بـ«زراعة مشتهر» ورصدها عدد من أساتذة الكلية، كغياب الترتيب المنطقي للدراسة حيث تتم دراسة مقررات تخصصية قبل المقررات العامة، والأهم من هذا كله أن دراسة برنامج التعليم المفتوح يتطلب دراسة الطالب 18 ساعة معتمدة منها 9 ساعات عملية ما يتطلب تواجد الطالب على الأقل من 4 لـ5 أيام أسبوعيًا، والإمكانيات الموجودة بالكلية لا تسمح بذلك. واختتم الأساتذة مذكرتهم المقدمة لرئيس جامعة بنها بالتماس لإيقاف العمل بلائحة التعليم المفتوح بكلية الزراعة، وتصحيح الأخطاء الواردة قبل تنفيذ البرنامج.


رحلة قضائية

أمام حالة «الطناش» التي فرضتها جامعة بنها، توجه خمسة من أساتذة «زراعة مشتهر» إلى محكمة القضاء الإداري، وهم: «الدكتور جهاد محمد دسوقي، الدكتور محمد عيد شنانه، الدكتور سعيد عباس رشاد، الدكتور السيد حسن جادو، الدكتور محمد محمد عبدالعال»، حيث رفعوا الدعوى رقم 11854 لسنة 13 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقليوبية، ضد كل من وزير التعليم العالي، ورئيس المجلس الأعلى للجامعات، رئيس لجنة القطاع الزراعي بالجامعات المصرية، رئيس جامعة بنها، عميد كلية الزراعة بمشتهر، كل بصفته.

وفي دعواهم التي قاموا بإيداع صحيفتها بتاريخ 9 سبتمبر 2012، طالب الأساتذة الخمسة بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بالعمل بلائحة التعليم المفتوح بكلية الزراعة بمشتهر، وركزا فيها على شرح الأخطاء العلمية وغير الصالحة للتطبيق العملي، فضلا عن عدم عرض تلك اللائحة على مجالس الأقسام بالكلية لأخذ رأيهم قبل إصدارها، ما دفعهم لإقامة دعواهم.

ولفتت الدعوى إلى أن محامي المدعين «أعضاء هيئة التدريس الخمسة» قدم ثلاث حوافظ مستندات بجلسة 26 مايو 2015، لتقرر المحكمة حجز الدعوى ثم تقرر في اليوم نفسه بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بالعمل باللائحة الداخلية لبرنامج الإنتاج الزراعي للتصدير بالتعليم المفتوح بكلية الزراعة بمشتهر، وما يترتب من آثار وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات. وأكدت محكمة القضاء الإداري بالقليوبية في حكمها على أن جهة الإدارة «أي المسئول عن وضع لائحة التعليم المفتوح» نكلت عن تقديم المستندات اللازمة للفصل في الدعوى والمنتجة في إثباتها إيجابًا أو نفيًا رغم طلب المحكمة منها ذلك، فأصدرت المحكمة قرارها السابق بوقف العمل وإلغاء اللائحة، وصدر الحكم برئاسة المستشار جمال عبدالعظيم درويش غانم نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة الإدارية بالقليوبية.

مر شهر واثنان وثلاثة، وواصل مسئولي جامعة بنها وعمادة كلية الزراعة بمشتهر تجاهل قرار المحكمة الإدارية فتوجه الأساتذة الخمسة بطلب «محضر إعلان» في 21 فبراير الماضي، لكل من وزير التعليم العالي، ورئيس المجلس الأعلى للجامعات، رئيس لجنة القطاع الزراعي بالجامعات المصرية، رئيس جامعة بنها، عميد كلية الزراعة بمشتهر، وبالفعل تم إعلانهم بصورة من الحكم. منذ مايو 2015 وحتى الآن لم ينفذ رئيس جامعة بنها وعميد كلية الزراعة قرار المحكمة، ورغم تقديم رئيس جامعة بنها طعنًا ضد أعضاء هيئة التدريس الخمسة بزراعة مشتهر على الحكم الصادر بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بالعمل باللائحة الداخلية لبرنامج الإنتاج الزراعي للتصدير بالتعليم المفتوح إلا أنه كان لزامًا عليه تنفيذ حكم المحكمة الإدارية لحين الرد على الطعن المقدم منه.

وعاد مقيمو دعوى وقف التعليم المفتوح بكلية الزراعة بمشتهر إلى محكمة القضاء الإداري بالقليوبية في 10 مارس 2016 ليطالبوا من المحكمة إلزام رئيس جامعة بنها وعميد كلية الزراعة بصفتهما بتنفيذ حكمها السابق، متهمين كل من رئيس الجامعة والعميد بتجاهل تنفيذ قرارات القضاء «عمدَا»، بما يمثل مخالفة قانونية صارخة وانتهاكًا لمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في الدستور.

وطالب المدعون الخمسة بسرعة إصدار حكم وبصفة مستعجلة بإلزام المعلن إليهما (رئيس جامعة بنها وعميد زراعة مشتهر) بعدم استخراج أي شهادات أو مؤهلات أو تسليم أي مستند من التعليم المفتوح بكلية الزراعة بمشتهر وذلك لإلغائه بموجب الحكم السابق الإشارة إليه.



عميد الزراعة: نحترم القضاء

أما «الدكتور محمود عراقي – عميد كلية الزراعة بمشتهر» فأكد أن الكلية تنتظر ما يعلنه المجلس الأعلى للجامعات بشأن دراسة الوضع النهائي للتعليم المفتوح، وصدور قرار رسمي للجامعات بشأن التنفيذ، وما يترتب عليه من التزام كليته بالتنفيذ فورًا.

وردًا منه على اتهام بعض الأساتذة الخمس أصحاب الدعوى بعدم التزامه بتنفيذ الحكم القضائي الصادر من المحكمة الإدارية بالقليوبية بشأن إلغاء لائحة التعليم المفتوح بالكلية، قال «عراقي»: «هذا غير صحيح بمجرد إخطارنا بالحكم اتخذنا إجراءات على الأرض بشأن هذا الحكم.. رجعنا لكل قسم بالكلية وأخذنا بمقترحاته، وأدخلنا تعديلات بسيطة باللائحة»

وعند سؤاله بخصوص اتخاذ جامعة بنها المسار القانوني في تلك القضية وطعنها أمام المحكمة الإدارية بالجيزة على حكم «إلغاء لائحة التعليم المفتوح بكليته»، أوضح عميد زراعة مشتهر أن عمادة الكلية رجعت إلى جامعة بنها والشئون القانونية، وبعد التشاور قررت الكلية إدخال تعديلات على اللائحة تنفيذًا لقرار محكمة القضاء الإداري بالقليوبية رغم أن الجامعة اتخذت مسارًا قضائيًا بالطعن على القرار.

العميد «متعنت»

إلا أن مصادر بـ«زراعة مشتهر» اتهمت عميد الكلية الدكتور محمود عراقي باتباع سياسة «الخداع» في التعامل مع الأزمة و«التحايل» على حكم القضاء الإداري، قائلة: «منطوق الحكم إلغاء اللائحة برمتها أما العميد فيتحدث عن تعديل للائحة، وهذا مخالف تمامًا للحكم».

وأوضحت المصادر أن ما يثبت «تعنت العميد» استكمال طلاب التعليم المفتوح لعامهم الدراسي، ووضع جدول لامتحاناتهم وجاري حاليًا إعداد النتيجة الخاصة بهم، مشيرة إلى أنه تم إصدار كشوفات بمكافآت خاصة بالقائمين على التعليم المفتوح بعد الحكم القضائي.

ولفتت المصادر إلى أنه عميد زراعة مشتهر بات في مأزق للغاية ما بين وقف التعليم المفتوح بالكلية وما يترتب عليه من أزمات لطلاب هذا القطاع، حيث دفع كل طالب 1200 جنيه خلال التيرم الواحد إضافة إلى 160 جنيهًا لسحب ملف التقديم، وتتزايد الأزمة مع تراوح أعدادهم ما بين 300 إلى 400 طالب، وبين تجاهل الحكم القضائي وعدم وقف العمل بلائحة الكلية للتعليم المفتوح.

عقوبة بالحبس

ومن الناحية القانونية، أكد الدكتور أحمد مهران مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية أن الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقليوبية واجب النفاذ فورا منذ تاريخ إصداره، لأنه صدر بشق مستعجل. وفيما يتعلق بطعن جامعة بنها على قرار المحكمة الإدارية أمام المحكمة الإدارية العليا، أوضح «مهران» أنه كان يفترض تقديمه خلال 60 يومًا من صدور الحكم لأنه حكم حضوري وليس غيابي لأن الجامعة جهة حكومية، ويفترض حضور أحد الممثلين القانونيين عنها.

وأضاف: «معنى أن تقول المحكمة الإدارية في نص حكمها: (وقد نكلت جهة الإدارة عن تقديم المستندات اللازمة للفصل في الدعوى والمنتجة في إثباتها إيجابًا أو نفيًا رغم طلب المحكمة منها ذلك) أن الشئون القانونية بجامعة بنها كانت على اطلاع بكل خطوة تتم خلال جلسات ولكنها امتنعت عن تقديم ما يثبت موقفها، ومن ثم يصبح طعنها على الحكم ضعيفًا، وكان عليها تنفيذ نص الحكم فورًا». ولفت إلى أن عدم التزام المدعي عليهم بتنفيذ قرار إلغاء التعليم المفتوح يدخلهم في دائرة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي، وعقوبات تكون بالحبس.

وتنص المادة مادة 123 من قانون العقوبات على أنه «يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح أو تأخير تحصيل الأموال والرسوم أو وقف تنفيذ حكم أوامر صادر من المحكمة أو من أية جهة مختصة، وكذلك يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمدا عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضى ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلا في اختصاص الموظف».