سيمفونية عزفها الصيام والإيمان، بقوة الله اكبر وعزيمة الرجال في العاشر من رمضان كتب لنا الانتصار ..أحد أئمة الأزهر كان واعظا للجنود في الجبهة وأباح لهم الإفطار خلال الحرب ليقوم بالرد عليه أحد الجنود "والله لن أفطر حتى استشهد وأقابل ربي صائما".

لكل جندي وضابط شارك في تلك الحرب حكاياته وذكرياته التي لا ينساها خاصة في ملحمة العبور وهم صائمون .

ذكريات مختلفة تمتزج فيها كل ألوان الطيف، وفى ذكرى هذا اليوم اقتربنا منهم وفتحنا معهم صندوق ذكرياتهم بعد مرور ٤٣عاما على تلك اللحظات غير العادية.
ويروي اللواء نصر موسى ذكرياته مع شهر رمضان، خاصة أنه كان أحد الطيارين الذين كانوا على الجبهة خلال الحرب، قائلاً "إن البداية الحقيقية لمعركة السادس من أكتوبر كانت في اليوم الذي يسبقه، والذي شهد إصدار الأوامر للضباط بالاستعداد لمعركة قريبة لم يتحدد بعد موعدها، ولكن كان يبدو من خلال طريقة الأوامر، أن المعركة قريبة والتي لم يتم تسريب أخبارها للجنود".

وفي تمام الساعة السادسة إلا ربع من صباح السادس من أكتوبر وصلت إلينا فتوى شيخ الأزهر بحتمية إفطار الجميع، ومن يخالف تلك التعليمات يكون آثما.

وطفت على الجنود لإقناعهم بالإفطار وإذا بجميع الجنود قد أصابتهم قوة الإيمان رافضين هذا الأمر إذا كان لهم هذا الحق، وأوضحت لهم أن الانتصار أهم من الصوم، لأن الانتصار سيكون انتصارًا لجميع المسلمين على أعداء الله والإسلام، كما أنه يمكننا أن نستعيض هذه الأيام بعد النصر بإذن الله.

وفي هذا اليوم وبالتحديد في الساعة الثانية عشرة والنصف أرسل قائد الكتيبة لي مظروفا قرأته في حضور الضباط وضباط الصف، حدد فيه موعد ساعة الصفر، وخطة الهجوم.

ويصف لنا موسى، شعوره حين قاد طائرته فيقول: مع تمام الساعة الثانية وانطلاق الطائرات في الجو وصلنا إلى حالةٍ من الروحانية العالية، كنت أشعر أحيانا بأن جسدي فارقته الأحاسيس والمشاعر وأصبح متبلدًا، لقد كان الموت قريبًا منا، إلا أن عبور الطائرات بهذه الكثافة أذهلني، ورفع كثيرًا من الروح المعنوية.

ويواصل قائدنا الحديث عن شهر رمضان فيقول، الإفطار كان في اليوم الأول للمعركة ولبعض الضباط، أما الباقي فغلبهم إيمانهم وتقواهم على فتوى شيخ الأزهر، وأصروا على الصيام.

ويضيف: رمضان هذا العام لم يكن إلا "رمضان النصر"، لم يكن هناك فرحة أكبر من تلك الفرحة، ولا سعادة تماثل ما شعرنا به في تلك الأيام.
ويتابع وبعد المعركة والإجازة التي حصلت عليها، كانت عودتي لبيتي مميزة في هذا الشهر الكريم ومع هذا النصر العظيم.
ويذكر أن باقي شهور رمضان التي سبقت الحرب لم يكن هناك ما يميزها سوى آنَّات الهزيمة ومرارتها، أما ما بعدها فيمكن أن أقول إن الأمور عادت إلي نصابها، وتدرجت في المناصب العسكرية، إلى أن تقاعدت في ولكن سيظل هذا ال"رمضان"، وهذا اليوم العاشر فيه محفورا بذاكرتي للأبد.

من جانبة قال السيد عبدالله، افخر بأنني كنت يوما أحد أفراد القوات المسلحة واليوم بعد ثورة 25 يناير و30 يونيو تضاعف فخري لان القوات المسلحة ظلت علي عهدنا بها حامية للشعب ومدافعة عنه ضد عدوان الظالمين ووقف الجيش بجوارنا.

أما محمود عرفان الشيمي وكان ضمن قوات الجيش الثالث التي نزلت إلى سيناء وفتح ثغرات في خط بارليف وسألته عن لحظة العبور وكيف عاشها فأجاب هذه اللحظة تحديدا أكاد أتذكرها كما لو أنها حدثت منذ ساعات فقط جسمي كله يصاب بقشعريرة وأنا استرجع ذكريات هذا اليوم مع زملائي ففي اللحظة التي تعالت فيها أصوات التكبير باسم الله شعرنا مسلمين ومسيحيين إننا جنود عمالقة محاطون بفرسان من الملائكة الجبارين تلاشت في هذه اللحظة أي خوف أو حزن أو تعب رأيناه في سنوات الاستعداد للحرب".

اما العميد طبيب اشرف حسنيين فيتذكر يوم تحرك قوات الثغرة الإسرائيلية إلى طريق السويس في ١٥ أكتوبر، ووصلت التعليمات لنا بالمواجه بعوتمركزت هناك، وكانتالقوات الاسرائيلية تحاصرنا و تطلق النار على أي سيارة تمر، سواء من الإسعاف أو التي تنقل المياه أو الإمدادات والمؤن، وأغلقت الطريق المؤدية للمستشفى الجراحى، ودام الحصار ٥ أيام، نفدت خلالها الأدوية والطعام، وأصيب المستشفى بشلل تام: «اليهود كانوا بيضربوا أي حاجة تعدى من قدامهم، حتى عربيات الإسعاف اللى كانت بتخرج من المستشفى عشان تنقل المصابين للقاهرة، وفضلنا في الحصار دا ٥ أيام، كانت الأدوية خلصت ومواد التطهير، فقرر قائد المستشفى إننا ننسحب ونمشى من الموقع، وفعلا اتحركنا على يوم ٢٥، من طريق جبل عتاقة في اتجاه القاهرة سيرا على الأقدام».

الأطباء خلال أيام الحصار، لم يجدوا ما يأكلونه، فخطرت لطبيب اسنان زميلى يدعو «بطرس»، فكرة خلط «الجلوكوز» مع البسكويت «بسكو مصر»، أو اللبن الصناعى، لتكون هذه الوجبة سحورهم وإفطارهم خلال صيام شهر رمضان:«ما كناش بنلاقى حاجة ناكلها، فحطينا البسكويت اللى كنا مسمينه «خشبسكو» مع الجلوكوز، وعليه اللبن البودرة ونتسحر ونفطر بعد توزيع الكميات بالتساوي علينا.