لا يزال النيل يشكونا بسبب ما يتعرض له من تلوث نقترفه بأيدينا سواء من خلال الصرف الزراعي، أو حتى الصرف الصحي ومخلفات المصانع التى تصرف يوميا فى المجارى المائية، مما دفع العديد من العقول المفكرة والغيورة على هبة مصر (النيل) بالتفكير فى طريقة للحد من تلوث النيل كلٌ بطريقته.

من هؤلاء المهندس جمعة طوغان الذي قام بعمل دراسة لمشروع لمعالجة مياه الصرف الزراعي، وتقليل تلوث مياه النيل وفي الوقت نفسه يكون مصدرًا جديدًا لإنتاج الورق والأخشاب والايثانول، وتنمية الصناعات اليدوية في الريف المصري للقضاء على البطالة.. يتمثل كل ذلك فى نبات البامبو الذي يطلق عليه «الذهب الأخضر» نظرا لقيمته الاقتصادية والبيئية.. تفاصيل المشروع وجدواه في الحوار التالي..

- فى البداية ما الذى جعلك تفكر فى هذا المشروع ؟

أعمل مهندسًا زراعيًا فى وزارة الري منذ 25 عاما، ومخترعًا وباحثًا فى معالجة المياه، تأملت الأوضاع الاقتصادية السيئة في مصر من فقر وبطالة، ووجدت أننى أستطيع المساهمة فى وضع بعض الحلول لهذه الاوضاع لذلك فكرت في أحد الحلول السهلة، ولهذا قمت بعمل دراسة لمشروع زراعة «نبات البامبو» في مصر على جوانب المصارف الزراعية، وذلك لمعالجة مياه الصرف الزراعي حيث أن شبكة الري المصرية تعاني من تلوث شديد وتدني نوعية مياه الري حيث تستقبل مياه نهر النيل خلال رحلتها الطويلة الممتدة على مدار أكثر من 6000 كم كثيرًا من الملوثات من صرف منزلى لعديد من القرى بخلاف الصرف الصناعي للعديد من المصانع، ولا توجد اى وسيلة للتخلص من هذه الملوثات سوى أن تمتص بواسطة النباتات لأن استهلاكها يشكل خطورة بالغة على الصحة العامة.

« مخاطر كبيرة »

- ما حجم المخاطر التى يسببها تلوث المجاري المائية في مصر ؟

حجم المخاطر كبير ويهدد صحة الإنسان والحيوان والبيئة، ويكفي أن نذكر أن هناك دراسة أجرتها وزارة الدولة لشؤون البيئة فى 2009 على الممرات المائية والقنوات فى دلتا النيل، أثبتت أن تركيزات المواد الضارة في هذه المجاري المائية والترع تجاوزت الحدود المسموح بها، وأشار التقرير الذى أدرج عن حالة البيئة فى مصر لعام 2009 إلى أن تركيز المواد العضوية (الطلب البيوكيميائى على الأكسجين) قد تجاوز الحد المسموح به (6 ملجم/ لتر) فى جميع القنوات، كما وَجَدَت الدراسة أن متوسط تركيزات الأمونيا فى معظم نقاط الرصد فى قنوات الدلتا قد تجاوز الحدود المسموح بها، وأن عدد خلايا البكتيريا القولونية يتجاوز الحدود الآمنة مما دفعنى إلى محاولة تعظيم الاستفادة من كل تلك المعطيات لحل جزء من هذه المشاكل داخل إطار مشروع تنموى زراعي صناعي سريع العائد، ويُعْتَمَد فيه على نبات البامبو كمادة خام أساسية للمشروع.

- ولماذا شجرة البامبو بالتحديد ؟

لأن هذا النبات له قدرة كبيرة على معالجة مياه الصرف وتكلفته بسيطة جدًا، كما أنه منتج للأخشاب التي تغذي صناعات كثيرة خصوصا فى الريف، ويساعد على الحد من تنامى تلوث المجارى المائية فى مصر، ونظرا لأهمية نبات البامبو وكثرة استخداماته وفوائده فى أكثر مناطق العالم فقرًا أطلق عليه رئيس الوزراء الهندى السابق (أتال بيهارى فاجبايي) أنه (الذهب الأخضر) ولهذا قمت بعمل مشروع البامبو للاستفادة منه فى مصر بيئيا وزراعيا واقتصاديا، وتتميز نباتات البامبو بعدة مزايا جعلتنى اتخذها محورا لمشروعي، فهى شجرة دائمة الخضرة ومقاومة للحشرات والآفات حيث تتألف أساسًا من السليكا وهى غير مرغوبة من الحشرات مما يوفر على المزارع تكلفة مكافحة الآفات والأمراض.

وتمثل شجرة البامبو حاجزًا ومصدا طبيعيًا للرياح وستارة من الأتربة العالقة فى الجو، مما يحسن من حالة البيئة، خصوصًا فى جو مصر المحمل بنسبة عالية من الأتربة والغبار نتيجة للموقع الجغرافي؛ حيث يقع حوض النيل والدلتا كمنخفض وسط الصحراء، مما يكلفنا مليارات سنويا من منظفات للملابس وطلاء المنازل وطلاء وجْهَات المباني السكنية نتيجة ترسب الغبار، وهذا النبات عنصر حاسم فى توازن الأكسجين وثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوي؛ لأن الخيزران هو الأسرع نموًّا، وتولِّدُ الشجرة المزيد من الأكسجين، وتُقَلّل من نسبة ثانى أكسيد الكربون، وتحمى من الأشعة فوق البنفسجية.

وأشجار البامبو الخشبية تأتي فى المرتبة الثانية عالميًّا بعد الأخشاب في صناعة الأثاث بأنواعه المختلفة ومن أسرع النباتات الخشبية نموًّا على هذا الكوكب وبعضها يصل إلى حوالى 30م، كما أن زراعته تناسب بيئات كثيرة وهناك عدة أنواع من البامبو: المالكان والأكليس والفرنساوي وأمويل، ويمكن جَنْيها خلال 3-5 سنوات، أما الأشجار الخشبية الأخرى فتنتج الأخشاب على عمر يتراوح من 10-20 عامًا. والبامبو عنصر اقتصادى مهم فى التجارة العالمية حيث تعدت الـ 27 مليار دولار سنويا، وكذلك يوفر الغذاء والسكن لحوالى 2.2 مليار من البشر.

« شركة عامة »

- حدثنا عن تفاصيل المشروع وكيفية تنفيذه ..

المصارف الزراعية يظل بها الماء راكدا لفترات طويلة وليس له نظام مناوبات مثل الترع مما يجعل هذه المصارف نموذجا لمحطات الصرف الصحي العملاقة والتى تمتد بطول المصرف حيث يمكن اعتبارها حوضا للترسيب ثم احواضا أو بركا للاكسدة الطبيعية عن طريق جذور نبات البامبو وتلتهم طحالب عدس الماء كل الملوثات اثناء نموها السريع جدا بما يضمن جودة عالية لمياه الصرف قبل رجوعها للنيل مرة اخرى ونمنع القاءها فى البحيرات الشمالية لانها اصبحت مياه معالجة بطريقة طبيعية من صنع الخالق، وتوجد حاليا حفارات من نوع «ووتر ماستر» التى تستطيع القيام بكل هذه العمليات الزراعية من حش للبامبو وحصد عدس الماء بطريقة سهلة جدا بجانب اى أعمال للتطهير السنوى من الطمى والذى اختفى تماما ولا يوجد سوى القاء القمامة.. وأقترح قيام شركة عامة تتبع وزارة الرى للقيام بمهام الزراعة والحصاد وانشاء مصانع للاخشاب والورق وورش صغيرة بالقرى للحرف اليدوية والتى تقوم على البامبو كمادة خام وهى لا تقل عن 50 منتجا بما يسمح بتنمية حقيقية فى القرى وسد حاجة مصر من الورق والاخشاب التى نستوردها بمليارت سنويا، كذلك انشاء مصنع لانتاج الايثانول كمصدر مستدام ونظيف للطاقة ومشاركة روابط مستخدمى المياه فى ادارة المنظومة لرفع الانتماء والمواطنة وتحسين مستوى الدخل لصغار المزارعين من خلال الاستفادة من المصارف الزراعية كمزارع انتاجية للبامبو وعدس الماء ونباتات اخرى حسب نوع الملوث السائد بالمنطقة.

« خطران كبيران »

- ما أهمية المشروع من الناحية الاقتصادية وجدواه على البيئة ؟

الفقر والبطالة خطران كبيران على الفرد والمجتمع، ولهما آثار مدمرة؛ لذا وَجَبَ علينا تنفيذ مشروعات إنتاجية سريعة؛ لتعظيم الاستفادة من المتاح لدينا، والذى يمكننا أن نحل جزءًا مِنْ مشاكلنا؛ حيث تستورد مصر بأكثر من 7 مليارات جنيه ورقًا بأنواعه، كما تستورد مصر بالمليارات أيضًا أخشابًا؛ لعدم كفاية الأخشاب المحلية للطلب، كذلك تحسين نوعية مياه الرى وتنقيتها من الملوثات، وتثبيت جسور الترع والمصارف، كبديل عن الأحجار؛ حيث تمتلك شبكة جذور قوية تثبت الجسور وتمنع انهيارها، ومصد للرياح أخضر جميل، يعمل كبلاعات كربونية سريعة لحبس الكربون لحماية مصر من أخطار التغيرات المناخية، أضافة إلى الحد من شدة التبخير للمياه حيث تظلل الأشجارُ المجارى المائية.

- وما دور هذا النبات فى معالجة مياه الصرف ؟

أجدادنا الفراعنة قدموا حَلًّا لمشكلة التلوث المائي منذآلاف السنين؛ وحيث وجد العلماء صورة لأول جهازلتنقية المياه على جدران أحد المعابد، والأكثر من ذلك والمثير للدهشة اختيار المصرى القديم لزهرة اللوتس المائية شعارًا للدولة حيث تنمو فى المياه لضحلة بالقصور الملكية لتنقية المياه من معظم الملوثات؛ حيث تم الكشف مؤخرا أن هذه الزهرة يمكنها امتصاص الملوثات داخلها بنسبة عالية جدًّا تصل إلى 16%، ومن هنا كانت فكرة استخدام الجزر النباتية العائمةللتخلص من الملوثات حسب نوع الملوث ودرجة شدته فىحدد لها عدد الجزر ونوع النبات.. وتعتبر تقنية تنقية مياه الصرف الصحى بالغاب الافرنجى (البامبو) من أهم استخدامات البامبو البيئية حيث يستخدم فى معالجة مياه الصرف الصحى وإزالة الروائح منها.