د. ياسر عبد العزيز: نحتاج خطة لاستنهاض الهمم

د. رمضان الشيخ: التاريخ الإسلامى يقاوم اليأس

مشى الشاب محبطا يائسا، كانت أفكار الإنتحار تداعب خياله، بعد أن أغرقته الديون، وبينما هو على هذه الحالة، صادفه رجل يجلـس على مقعـد يـرتكـز على عجــلات ويزحـف فى الشــارع بمسـاعدة قطـع من الخشـب يثـبّتـها فى كـل يــد.

نظر له الرجل، وكأنه مبعوث العناية الإلهية لانقاذه من الإنتحار، قائلا: «صبــاح الخيــر ياسيـد.. صبـاح جميـل.. أليـس كـذلك؟.
للوهلة الأولى، كان الشاب المحبط سيجيب على سؤال الرجل بعنف، غير أن حالته الجسدية جعلته يتوقف لحظات، سأل نفسه: كيف شعر هذا القعيد بجمال الصباح، بينما لم أشعر أنا به؟
تغيرت اتجاهات الشاب الذهنية، وشعر حينها أن بهذه الحياة ما يستحق الحياة، وأخذ يردد: «أصابنى اليأس وأنا أمشى حافى القدمين.. حتى التقيت فى الشارع برجلٍ.. لا قدمين له !!».
هذه القصة التى أوردها عالم العلاقات العامة الشهير ديل كارينجى فى كتابه الرائع «دع القلق وابدأ الحياة»، خلاصتها أنها دعوة لرؤية نصف الكوب الممتلئ.
صحيح أن الأزمات التى نعيشها كثيرة، وكل أسرة أو عائلة مصرية لديها مشكلة تؤرق حياتها.
لكن فى المقابل، هناك بصيص من الأمل، سنحاول فى هذا الملف تسليط الضوء عليه، ومناقشة الأدوات والوسائل التى تجعله يكبر أكثر وأكثر، عبر ما يعرف بـ «صناعة الأمل».
هذه الصناعة تتميز بأنها غير مكلفة وبضاعتها مطلوبة، لكن للأسف هذا الاستثمار السهل لا يوجد له مستثمرون.


فى البداية، يقول د. رمضان الشيخ، خبير التنمية البشرية، إن صناعة الأمل تحتاج لأرضية قوية من ثقافة التفاؤل فى المجتمع، تلك الثقافة التى تجعلك تؤمن بأن المستقبل أفضل، حتى فى أحلك الظروف.
يقول د. الشيخ: «الرسول صلى الله عليه وسلم زرع هذه الثقافة، وتولى رعايتها من بعده الصحابة وتابعو التابعين، فتجازوا الأزمات وحققوا الانتصارات».
وفى استعراضه لأبرز الأزمات التى تم تجاوزها بالأمل، أشار الشيخ إلى غزوة الأحزاب، حين بلغت قلوب المؤمنين الحناجر خوفاً وخشية، فتجلت ثقافة الأمل فى تبشير الرسول لهم بفتح فارس والروم.
وفعل الناصر صلاح الدين الأيوبى ذلك أيضا، بالتبشير بعودة القدس، وهو ما تحقق له بالفعل.
وإذا كان منبر المسجد، أحد الروافد الأساسية التى نشرت هذه الثقافة فى عهد الرسول الكريم، ومن بعده تابعو التابعين، فإن وسائل الإعلام فى هذا العصر بمفهومها الأشمل بما فيها منابر المساجد، تتحمل هذه المسئولية، وفق د. الشيخ.
القواعد المهنية
وحتى يتحمل الإعلام مسئوليته، يشير الخبير الإعلامى د. ياسر عبد العزيز، إلى حاجة مصر إلى خطة لاستنهاض الهمم، وتكون مسئولية الإعلام فى هذه الحالة هو التجاوب مع تلك الخطة بنشر تفاصيلها، حتى يتم رفع الروح المعنوية للمصريين.
والإعلام فى سعيه لتحقيق هذا الهدف، يؤكد د. عبد العزيز، على ضرورة اتباعه القواعد المهنية ونقل الوقائع والاحداث وتغطيتها بموضوعية للقراء والمستمعين والمشاهدين.. ويضيف: «نريد من الاعلام أن ينقل الصورة الحقيقية كاملة الى المواطن حتى تكتمل الرؤية لديه ويكون قادرا على تكوين وجهة نظر صحيحة و ليست مغلوطة».
ويحمل د. عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية، الإعلام مسئولية زراعة الأمل فى نفوس المصريين.
ويقول د. عامر: «يجب على القنوات العاملة فى مصر تشكيل كتائب للبناء والأمل فى مواجهة كتائب اليأس والإحباط، التى شكلها الإعلام الممول من الخارج».. وكتائب زراعة اليأس فى سعيها للقيام بهذه المهمة الهدامة، يرى د. عامر، أنها تعزف على أوتار الأزمات بتضخيم المشاكل الصغيرة وتصويرها على أنها «كارثة قومية»، وذلك لسرقة الفرحة، وضرب «كرسى فى كلوب» أفراح المصريين.
ولاينكر رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية، وجود أزمات ومشكلات تعانى منها مصر، لكنه فى نفس الوقت يرى أنها ليست عصية على الحل.
ويقول د. عامر: «لا يمكن للإعلام أن يمسك العصا من المنتصف، فإما أن يكون مع كتيبة البناء، أو كتيبة الهدم».
الخطر الحقيقى
ويبدى د. عامر تعجبه من نجاح إعلام الهدم فى التأثير على العقول الواعية المتخصصة.
ويقول: «إن بسطاء الناس ربما لا يعون مخاطر اللعبة الإعلامية وقدرتها على التزييف، فقد ينخدعون بسرعة، بما يتم طرحه من أهداف ومشاريع وأجندات مشبوهة مختلقة لا تمت للحقيقة بصلة، ولكن الخطر كل الخطر فى قدرة الإعلام المزيف على التأثير فى العقول الواعية المتخصصة».
وتابع: «المفترض من هذه العقول كشف التضليل والتزييف الإعلامى وفضحه وتنوير بسطاء الناس، فإذا سقطت فى الفخ فهذا يعنى أن الجميع تنطلى عليه اللعبة، وهذا مكمن الخطر».