بينما كان عاطف الدسوقي منهمكا في كتابة شاهد أحد المقابر، كان أحد الزبائن يتفاوض مع زميلة محمد حلمي على قيمة "شواية لحم".
وتوجد ورشتي حلمي والدسوقي إلى جوار بعضهما بمنطقة "تحت الربع"، في مفارقة لافتة للانتباه، لاسيما أن الاثنين ينشطان في شهر رمضان.
الدسوقي، كان مشغولا بكتابة شاهد أحد القبور، حتى أنه لم يلتفت من فرط تركيزه، لعدسة "بوابة أخبار اليوم" ، وهي تلتقط له الصور.
ملامحه المتجهمة تعكس طبيعة مهنته، التي يبدو أنها تركت أثرا عليه، فصارت كلماته عزيزة، وابتسامته نادرة.
وقال ، بعد أن أخذت وقت طويلا في إقناعه بالحديث معنا: " أنا في الأساس رسام، وأعمل بهذه المهنة، لأكتسب منها ما يعييني على الوفاء بالتزاماتي تجاه أسرتي".
ويحصل الدسوقي على معاش ضئيل، وهو ما جعله يواصل العمل، رغم وصوله سن الـ 65 عاما.
وينشط الدسوقي في شهر رمضان، حيث يحرص البعض على تجديد شاهد القبور قبل الأسبوع الأخير من الشهر، الذي يقومون خلاله بزيارة مقابر ذويهم.
وفي الوقت الذي تتوافد فيه الزبائن على الدسوقي، لكتابة شاهد القبور، كان زبائن من نوع آخر يتوافدون على جاره لشراء شواية اللحم، استعداد لولائم رمضان.
سألته عن هذه المفارقة، فابتسم ابتسامة باهتة، أعقبها بقوله:" خليهم ينبسطوا، بكرة حد هيطلب مني أو من غيري كتابة شاهد قبورهم، فالموت هو مصير كل إنسان في النهاية".
كلمات الدسوقي وجدت طريقها إلى أذن ياسر محمود، وهو مهندس على المعاش في نهاية العقد السادس من عمره، كان يشتري شواية للحوم من ورشة تصنيع الشوايات، الملاصقة لورشته.
وقال مؤيدا كلامه: " صحيح مصير الإنسان الحتمي هو الموت، لكن لا يوجد ما يمنع من الاستمتاع بالحياة، طالما لم نغضب الله".
وغطت الابتسامة وجه محمود، قبل أن يضيف موجها حديثه للدسوقي: " سأشتري الشواية الآن من جارك، وأطلب من أبنائي كتابة شاهد قبري عندك بعد وفاتي".