ها هو الحلم الذي طالما راودهم بات حقيقة ملموسة أمام أعينهم.. يرونه يكبر يوما تلو الآخر فكلما انتهت سواعد أبناء مصر من بناء جزء من المشروع لمعت أعين الغلابة فرحا بقرب انتهاء معاناتهم مع العشوائيات.

هنا مشروع «غيط العنب» الجديدة بغرب الإسكندرية، التي لا تبعد سوى مرمى حجر من المساكن القديمة الآيلة للسقوط والتي تهدد آلاف الأسر التي تقطنها منذ عشرات السنين، فالعمل يسير ليلا ونهارا للانتهاء من المشروع في أقرب وقت بإشراف القوات المسلحة متمثلة في المنطقة الشمالية العسكرية.

بمجرد الدخول إلى أرض المشروع ترى الجميع يعمل دون كلل أو ملل فها هي الأرض الجرداء تحولت إلى مبان تسر الناظرين وتبعث الأمل في نفوس تعبت من الهموم.. فالجزء الأكبر من المبانى انتهى بالفعل ولم يتبق إلا التشطيبات النهائية وينتقل بعدها أهالى غيط العنب إلى مساكنهم الجديدة.

في بداية المشروع كان عشرات العمال تحت أشعة الشمس يواصلون العمل لإنهاء بناء المسجد الذي يقام بالمنطقة، فيما بدت المدينة من الداخل وكأنها خلية الكل يعمل دون هوادة.

على الجانب الآخر من الطريق تقع منطقة غيط العنب العشوائية.. يختلس المواطنون نظرات من بيوتهم الواهنة باتجاه المشروع ولسان حالهم يقول «هانت.. باقى أيام معدودة وننتقل للمساكن الجديدة.. وعلى وجههم ترتسم بسمة غابت عنهم سنوات ومنهم من ظنوا أنهم لن يغادروا تلك البيوت القديمة إلا حين انتقالهم إلى العالم الآخر».

حكاية مكان

قصة هذا المكان بدأت منذ حوالي 70 عاما عندما كان في البداية حقل عنب كبير ملك راغب باشا، وكانت بحيرة مريوط بالقرب منه فهاجر إليها الصيادون واستوطنوا المكان، ومع تجفيف البحيرة تغير الوضع وانتهى عمل الصيادين وازداد الفقر وتبعه انتشار الأمية والأمراض.. أما فيما يخص أزمة السكن فبعض المنازل آيلة للسقوط وضعيفة انشائيا، ومع التزايد السكانى لجأ البعض لهدم البيوت القديمة وإنشاء أخرى عالية وضعيفة، ومع ذلك فسعرها مرتفع بالنسبة لأهالى المكان حيث تصل سعر الشقة 50 مترا بدون أي تشطيب إلى 70 ألف جنيه وتزيد إلى 110 آلاف في حالة تشطيبها.

على أبواب المنطقة الضيقة شوارعها والآيلة للسقوط مساكنها.. التقيناها سيدة ستينية تبادرنا بالقول: «إحنا اللى هنسكن في العمارات الجديدة دي.. حاجة تفرح بعد معاناة طويلة في بيوتنا القديمة».

وتضيف: «اسمى فاطمة دردير وعايشة هنا من 60 سنة ورثت الشقة من أبويا وأمى وعشت فيها أنا وزوجى وأولادى»، تبتسم السيدة ثم تواصل من زمن طويل نعيش هنا لكن المنزل كما ترى أصبحت حالته الإنشائية ضعيفة ومن المتوقع سقوطه في أي وقت.

وتصمت فاطمة للحظات وتواصل حديثها: «هما قالوا لنا إننا هننقل في الشقق الجديدة بس أنا خايفة ندفع فلوس إحنا مفيش معانا حاجة ندفعها.. دا كل خوفي إننا ندفع فلوس أو إيجار غالى وأنا أولادى الثلاثة كلهم في التعليم وزوجى يعمل سائق وعلى قد الحال».. وتشير إلى منزلها القديم وتقول: «شايف بيتى عامل إزاي انا زوجى نعمل في شركة ويدوب الراتب بيقضينا مصاريف وعندى ولدان وبنت أكبرهم في السنة الأخيرة في الجامعة وابنى في الثانوية العامة هو وابنتى».

بالعقار المجاور للحاجة فاطمة كانت تقطن 8 أسر كل أسرة في غرفة صغيرة ضيقة درجات السلم متهالكة فالصعود إلى الطابق الثانى يحتاج إلى مغامرة غير محسوبة العواقب، كما توضح نادية توفيق والتي كانت تعد الطعام لطفلتيها انتظارا لزوجها الذي يعمل باليومية الذي لم يكن قد عاد من عمله.

غرفة نادية لا تتعدى مساحتها 5 أمتار اقتطعت جزءا منها لسرير وآخر كمطبخ والجزء المتبقى لاينتيها فهنا كل شبر له قيمة غالية رغم انه متهالك.. وجدناها تقول وهي تنظر للغرفة: «أعيش في هذه الغرفة من 15 سنة، مع زوجى والبنات المنزل آيل للسقوط وبعض الأسر بالفعل تركوه خوفاً على أرواحهم بينما قررت وزوجها البقاء لعدم وجود بديل».

«مبسوطة جدا والحمد لله ربنا هيحقق حلمنا» بهذه الجملة تعلق نادية على قرار نقلهم إلى المساكن الجديدة، وتقول: «في مرة أخدونا يفرجونا على المبانى هنا مكناش مصدقين أننا ممكن نعيش في مكان زى دا الحمد لله ان الدولة لسه فاكرانا».

في المنزل المواجه لأسرة نادية كانت هويدا أحمد منهمكة في إعداد متطلبات شهر رمضان داخل كشك خشبى صغير بالطابق الثاني تقطن فيه بأسرتها.

بدا منزلها خاليا من أى فرش وتقول: «إحنا مبسوطين جدا أننا هننتقل هناك.. الحمد لله معاناتنا هتنتهى أخيرا»، وتوافقها الرأي كل جاراتها اللاتي ينتظرن اليوم الذي سينتقلن فيه إلى المباني الجديدة بفارغ الصبر».

«ربنا يكرم الرئيس السيسي بحق الشهر المفترج».. هذه الدعوة خرجت من السيدة السبعينية التي لا تستطيع أن تغادر غرفتها الصغيرة التي تعيش فيها منذ عشرات السنين، وتضيف: «الحمد لله على كل حال مكناش مصدقين أننا هننقل هنا ونسيب البيت القديم دا اللي ممكن يقع علينا».. الغرفة التي تعيش فيها الحاجة زكية مكونة من جزئين الأول جهزته كمطبخ صغير لأسرتها والآخر للمعيشة، موضحة أن لها 4 أبناء يعيشون معها.

وتختتم هويدا حديثها: «يا رب المشروع يكمل على خير وننقل بسرعة وإن شاء الله بلدنا هتبقى أحسن طول ما فيه ناس بتخاف عليها».

حالة مختلفة

محمد أحمد أحد شباب المنطقة، يقول إن المشروع الجديد سيحول المنطقة وينقلها إلى حالة مختلفة تماما وخاصة أن هناك مشروعات سيتم البدء فيها وعلى رأسها مركز التدريب المهنى الذي سيساعد الكثير من الشباب على تعلم حرف تساعدهم على الحصول على عمل.

مشروع تطوير منطقة غيط العنب تبلغ تكلفته الإجمالية نصف مليار جنيه تم توفيرها بالكامل، بمساهمة رجال الأعمال وتحت إشراف المنطقة الشمالية العسكرية، ويهدف إلى إنشاء مجمع سكني حضاري لأهالى منطقة غيط العنب على قطعة أرض مساحتها ١٢.٣ فدان.

ويتكون المشروع من مجمع سكني عبارة عن ١٧ عقارا سكنيا بإجمالى ١٦٣٢ وحدة بقوة استيعابية ٨١٦٠ فردا، ويتم تخصيص وحدات للأعمال الخيرية من دار أيتام وحضانة وجمعية لذوي الاحتياجات الخاصة بالإضافة إلى مكتب شهر عقاري ومكتب بريد ومكتب لإدارة وصيانة المشروع، بالإضافة إلى إنشاء مستشفى سعة ١٥٠ سريرا ومجمع عيادات خارجية ووحدة غسيل كلوي ووحدة طوارئ واستقبال وغرف عمليات ووحدات إفاقة ووحدة عناية مركزة ووحدة أشعة ووحدة تحاليل، كذلك يتم إنشاء مسجد كبير بمسطح ٨١٢ مترا مربعا يسع ٨٠٠ فرد وساحة خارجية بمسطح ٦٠٠ متر مربع يسع ٦٠٠ فرد، كما يتم إنشاء سوق تجارى به ٥٨ محلا تجاريا ومولا تجاريا، وإنشاء ٤٧ ورشة صناعية، وإنشاء مركز تدريب مهنى وفصول تعليمية وورش إنتاج تعليمية ومكاتب الإدارة وقاعة اجتماعات وغرف فنيين وإداريين.

كما يهدف المشروع لتطوير منطقة غيط العنب وتحقيق النهوض بالمستوى العمراني والذي ينعكس بدوره على المستوى الحضاري للمنطقة وتحقيق اتصالها بالطريق الدولي الساحلي لتخفيف الضغط المرورى على محور قناة السويس وذلك عن طريق إنشاء مزلقان سكك حديدية مرورا بالمنطقة الصناعية إلى الطريق الدولي الساحلي.