فى مقالى الذى كتبته منذ أيام حول أهمية مشروعات توسيع الرقعة الزراعية لتجنب التعرض لظاهرة الجوع الغذائى.. أكدت على ضرورة وحتمية اللجوء إلى التقدم فى علوم الوراثة الزراعية لاستنباط تقاوى جديدة عالية الانتاج خاصة من المحاصيل الزراعية الغذائية .. طالبت إلى جانب ذلك بتبنى مشروع قومى للرى بالنظم الحديثة التى سوف توفر ما يقارب ٥٠٪ من حجم المياه المستخدمة حاليا فى الرى بنظام «الغمر».
هذا النظام التقليدى القديم فى الرى والزراعة الذى ورثناه اعتمادا على وفرة المياه وقلة التعداد السكانى لم يعد صالحا ولا ملائما بأى حال. هذا التحرك مطلوب لمواجهة التعداد السكانى الذى تضاعف أكثر من أربع مرات على مدى الستين عاما الاخيرة دون أى زيادة فى الحصة التى نحصل عليها من مياه النيل والمقدرة بـ ٥٥ مليار متر مكعب.
كان من نتيجة هذا التطور غير المنضبط الذى داهمنا أننا أصبحنا نواجه حالة من الفقر المائى سوف يساهم فى زيادة أخطار الفجوة الغذائية. هذا الوضع الخطير يجعل لجوءنا إلى التطوير والتحديث فى وسائل الرى والزراعة وطرق كل السبل لزيادة قدرتنا على مواجهة المشاكل المترتبة .. أمرا اجباريا وليس اختياريا.
اتصالا بهذه القضية غمرنى التفاؤل بما تم اعلانه عن توصل الباحثين فى مركز البحوث الزراعية إلى بذور وراثية جديدة لزراعة الارز تؤدى إلى مضاعفة الانتاج إلى جانب توفير ما يقرب من ٢٠٪ من احتياجات المياه المستخدمة فى زراعة أنواع الازر الحالية .
كم أرجو أن تمتد هذه البحوث أيضا إلى عملية تطوير تقاوى القمح الذى تتفاقم- عاما بعد عام - مشكلة الحصول عليه لصناعة رغيف الخبز الذى يعيش عليه المصريون. هذا النجاح العلمى لباحثينا الزراعيين فى شأن زيادة محصول الأرز الذى أعلنه الدكتور عبدالمنعم البنا رئيس مركز البحوث الزراعية يستحق الترحيب والاستبشار. استنباط هذه النوعية من الارز الهجين وفقا لما توصلت إليه البحوث سوف يصل بإنتاج الفدان إلى ٦.٥ طنا من الارز .
الأهم من كل هذا هو ان فترة زراعة ونضوج هذا الارز لا تزيد على ١٣٠ يوما إلى جانب تحمله لملوحة الارض.
يضيف الدكتور جمال صيام مدير مركز الدراسات الاقتصادية بجامعة القاهرة ضمن التحقيق الذى طالعته على موقع صدى البلد الاخبارى ويستحق الاشادة.. ان أهمية هذا الانجاز العلمى ان زراعة مليون فدان من هذا الارز سوف تحقق لنا اكتفاء ذاتيا بدلا من زراعة ٢ مليون فدان بنوعيات التقاوى المستخدمة حاليا علاوة على توفير كميات كبيرة من المياه لا جدال أننا أصبحنا فى أشد الحاجة ليس لهذا الجهد العلمى المشكور بحسب وإنما إلى العمل على تبنيه وتفعيله.
الغريب والمثير هو أنه ورغم ما يمكن أن تحققه مثل هذه الانجازات العلمية من انعكاسات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية .. أشار الدكتور صيام إلى الشح فى الموازنة المالية المخصصة لمركز البحوث الزراعية والتى لا تتجاوز الـ ٢٠ مليون جنيه هذا العام. الشيء المؤسف أن الذين يحددون هذه الموازنة لا يدركون أن قيمة ما تحققه الاستفادة من وراء زراعة هذا الارز الهجين سوف تصل إلى مليارات الجنيهات سنويا ننفقها أو نحصل عليها بالعملة الصعبة التى نعانى أزمة فى توفيرها.
هذا التعامل القاصر المتمثل فى عدم توفير الاحتياجات المالية الكافية لمراكز التطوير العلمى فى مصر تعد من أهم أسباب التخلف الذى نعيشه. انه يؤدى إلى عدم استخدام امكاناتنا العلمية لمواجهة مشاكلنا وأزماتنا.
كم أرجو من الرئيس السيسى ومن القائمين على شئون دولتنا إعطاء مزيد من الاهتمام والرعاية للنشاط العلمى الخلاق الذى من المؤكد أنه يمكن أن يساهم فى حل الكثير من المشاكل وتحقيق ما نتطلع إليه من آمال وطموحات . ما نطالب به لا يجب أن يقتصر على التصريحات والاجتماعات وإنما ما نحتاجه هو قرارات واجراءات جريئة وفاعلة يتم ترجمتها إلى تشجيع للبحوث العلمية تتحول إلى مظاهر للنهضة والتقدم على أرض الواقع.