الثلاثاء:
قبل المغرب قرابة الساعتين.. النوم يداعب الجفون لكن عبثا فالجائع لا نوم له.. يتسلل لأذني برفق صوت نجاة الصغيرة «غلبت واحتار غلبي إيه الحكاية يا قلبي».. تساءلت إيه الحكاية يا مصري؟ فالحيرة معك أصبحت بلا سقف أو حدود.. زحام ومشاحنات علي أرز الـ 4 جنيهات ونصف في المجمعات.. ونفس الاشخاص والوجوه تتزاحم وتتشاحن علي فيلات مساحة 100 متر و150 مترا بسعر يتراوح بين 800 ألف جنيه ومليون جنيه.. لاعجب ولا حيرة فهي عادتنا نعشق الزحام والطوابير وفي بعض الأحيان نقف في الطوابير ولا نعرف علام نتزاحم.. حتي الحوادث والحرائق تجتذبنا من باب الفرجة والتضييف علي رجال الحماية المدنية في أداء أعمالهم.. المهم الزحام.
الساعات القليلة قبل الإفطار عادة ما تمر بطيئة مثل الدهر أحسب أن عقارب ساعتي لا تتحرك أم أنها تتحرك بالمعكوس أم أن العينين لضعف الوقود أصبحتا غير قادرتين علي متابعة حركة العقارب أو أن الساعات جميعها «مابتمشيش».. لا نوم إذن لكنها تغفيلة أو غفوة قليلة.. تماما وكأنني نسخة كربونية فهكذا كان والدي رحمه الله.. عبثا يحاول النوم في الساعتين الأخيرتين من الصيام.. كان كلما فشل في استدعاء النوم يهب للخارج دقائق ويعود للبيت محملا بالمأكولات.. أحيانا كان يقتل الوقت بهوايته المفضلة والتي أظنها عادة لدي غالبية أبناء مصر المحروسة.. يتفنن ويقضي قرابة الساعة في إعداد طبق السلاطة المفضل في رمضان.. والغريب أنه بعد الآذان يفطر علي الماء وملعقتين من السلاطة المفضلة ثم يقوم تاركا ما حمله طوال اليوم من مأكولات.
إذن لم استطع النور فالعرق دساس والأجدي أن أتحرك ففي الحركة بركة وعلي الفور قررت الخروج في جولة تسوق لشراء بعض احتياجات البيت أولا من باب قتل الوقت وثانيا من باب التشدق بأنني ديمقراطي ومودرن أساعد زوجتي وأحضر حاجيات المنزل من السوق.. بالضبط من منطق «تجارة وزيارة أو حج وبيع سبح».
يا للهول مع الاعتذار للفنان الكبير يوسف بك وهبي.. عربات التسوق جميعها تحولت لتوك توك يمتطيه الأطفال تراهم فوق تلال السلع والمأكولات وكأننا لا نأكل سوي في رمضان شهر الصوم والإحسان الذي نحوله إلي شهر الأكل والأنتخة والدراما.. كأن الناس جميعا خائفة من شيء ما وكأننا نصوم العام كله ونأكل فقط في رمضان دون امتثال لدروس وفضائل الشهر الكريم.. لحظات وخوت أرفف المحل علي عروشها وفي انتظار الإمدادات.. ورغم هذا نتحدث عن ركود الأسواق وارتفاع الأسعار ومافيش فلوس وسلع مفيش يا أبو درويش.
اللعب بالنار
الخميس:
دراما رمضان فاقت الليمون عددا مع أن الليمون لم يعد «بنكلة» زي زمان بل وصل أول رمضان إلي 40 جنيها ونوقشت أسعاره تحت قبة البرلمان بعد أن كان الليمون «حاجة ببلاش كده».
كم هائل من المسلسلات والبرامج.. الريموت كونترول يصرخ من كثرة التغيير.. مسلسلات متشابهة مكررة إلا فيما ندر..الدراما المصرية اصبحت تشحن كل أسلحتها للشهر الكريم ولا عزاء للبرامج الدينية او الدراما التاريخية المحببة إلينا.. تيمة واحدة تلعب علي أبشع ما فينا قتل ومخدرات وخيانة وشعوذة وبرامج تلعب بالنار أو في الأدغال تدخلنا في دورة عنف نحن في غني عنها.. فهذا الذي يلعب بالنار يتحمل ركلات وشتائم الضيوف لسبب أظنه يتعلق بالملايين والقنوات تجتذبه طمعا في المزيد من الإعلانات وتأتي الطامة بطفل يحاول حرق شقيقته تقليدا لرامز اللي بيلعب بالنار.
وتمتد وتتسع دائرة العنف البرامجي بكوميديان شهير ترك الدراما ليستدرج ضيوفه من النساء والرجال للأدغال ليجد الضيف نفسه حبيس سيارة وسط الأسود والنمور ويظل يشتم ويسب حتي يأتي إليه المنقذ بعبارات الاعتذار «أنا آسف.. أنا هاني.. ياحبيبي إنت فل الفل وكنت في أمان» ثم وصلة ردح وشتائم وبعدها عناق وقبلات ووعد باللقاء في أدغال أخري.. و»سلي صيامك».
الغريب أن الضيف بعد كل هذه البهدلة وقلة القيمة يحجز لنفسه حلقة في برنامج رمضان القادم بوعد الجماهير أنه سيعود «يتهزأ تاني» في رمضان اللي جاي.. هل هي عادة لا سمح الله أم أنه مقابل مادي تهون من أجله الضربات والركلات أم أن الأمر أصبح «كله في الدراما صابون».. المهم «إوعي يجيلك إدوارد».
بلاها برامج النار والأدغال وإديها دراما مصرية لعلها تكون هذا العام أفضل من السابق.. مشاهد قليلة جابتلي بلاوي نفسية كتيرة بغض النظر عن الموضوع أو القضية إلي يناقشها العمل فالتناول معظمه خارج سياق قيم المجتمع.. إذن أدخل علي الهندي فكثير من الأصدقاء ينصحون بالدراما الهندية وأطفالي الصغار ليل نهار أمام الدراما الهندية ويعجبون بها وينتظرونها.
رضخت لترشيحات الصغار بدءا من مسلسل جودا أكبر التاريخي الذي وصل لجزئه الرابع مرورا بمسلسل قبول الجزء الثالث وهو مسلسل اجتماعي كوميدي وانتهاء بمسلسل السلطانة راضية تلك المرأة التي حكمت الهند في وقت ما.
الدراما الهندية أصبحت موضة هذه الأيام بعد أن بطلت موضة الدراما التركية التي انتشرت قبل سنوات.. فهي دراما بسيطة سهلة ليس بها عقد أو مشاكل.. مناظر طبيعية حالمة.. تصوير متقن ورائع يحرك الخيال.. استعراضات رائعة.. ورومانسية افتقدناها في أعمالنا الدرامية وهنا يكمن سر أرض الدراما التي لم تعد تتكلم عربي بل أضحت بتتكلم «هندي».. خطورة مثل الدراما التركية أو الهندية بشكل عام ليست في اختلاف القضايا والأفكار فمعظمها أفكار بسيطة تناولتها الدراما المصرية أيام زمان ما يجعلنا نقبل عليها حنينا افن الزمن الجميل، لكن الخورة في دبلجتها باللهجة الشامية التي أصبحت تتصدر ساحة الدبلجة بعد أن كانت اللهجة المصرية هي الغالبة والمسيطرة.. وهذا إنذار خطر علي صناع الدراما عندنا معالجته وبأسرع وقت ويا حبذا إذا اشترطنا عدم شراء مثل هذه الدراما المستوردة سوي بعد دبلجتها بالهجة المصرية.. وهذا ليس تعصبا للهجتنا المصرية لكنها هي اللهجة التي علمت العالم العربي.
الليلة الكبيرة أوي
رغم كل ذلك «البلدي يؤكل» والمصري مهما كان مفيش أحسن منه.. إديها إعلانات ففيها معرفة بالسلع وفيها المتعة وأفكار إبداعية لكن هذا العام تعيبها جرأة مبالغ فيها تلميحات جنسية واستخدام لأطفال جل أوقاتهم يجب أن يكون في الملاهي أو يسمعون حدوتة قبل النوم لكنهم يتحدثون - في الإعلان - عن الحمو ولحام الصدر.. ناهيك عن إعلان القاعدة بتاع قطونيل والطامة أنها علي أنغام رائعة العندليب الأسمر «سواح».. وكل هذا علي سبيل المثال وليس الحصر.
كله كوم وإعلان « الخيبة الكبيرة أو العائلة الكبيرة أوي» كوم وقد أصبحت عادة سنوية لهذه الشركة الحمراء ولن تشتريها.. كم هائل من النجوم تجمعهم في إعلان مدته دقيقة و34 ثانية.. كل واحد يقول جملة صغيرة يهدم بها تراث مسرحية الليلة الكبيرة الشهيرة رائعة صلاح جاهين وسيد مكاوي وصلاح السقا مخرج العرض وهو والد النجم أحمد السقا أحد المشاركين في الإعلان.
يقولون إن الإعلان الصرخة تكلف أكثر من 60 مليون جنيه بمعدل 5 ملايين جنيه لكل نجم من النجوم الـ 11 المشاركين فيه ومنهم ليلي علوي وشيرين عبدالوهاب وشريف منير ومنة شلبي وحكيم ودرة ومحمود العسيلي وسمير غانم وإسعاد يونس وأشرف عبدالباقي.. والباقي للتجهيزات الفنية.. وبطريقة الزعيم عادل إمام تصبح «الثانية بمليون جنيه والحسابة بتحسب».
اللهم لا حسد لكن إذاء تجاهل الشركة المنتجة للإعلان تفسير أو توضيح حقيقة هذه الأرقام التي تتداول بقوة.. أتساءل: هل دفع هؤلاء الضرائب المستحقة علي ما تقاضونه من إعلان الثواني ولماذا لا ترفق الشركة المعلنة بالشعب بدلا من صدمه كل عام بإعلان من العيار الثقيل.. وهل الأجدي بالشركة صرف هذه المبالغ الطائلة في إعلان أم التبرع بها لجهات الخير والإعلان عن ذلك وأظن أن ذلك سيكون أجدي وأنفع للمجتمع بل ولعملائها الذين سيتذكرون دوما مسئوليتها المجتمعية ودورها في خدمة المجتمع.
غرفة الإعلام
أليس في كل هذا الذي يهدد قوتنا الناعمة ما يستحق الوقوف عنده وإعادة النظر فيه.. الأمر فاق كل الحدود المرئية والمسموعة والمحسوسة ويجب علي غرفة صناعة الإعلام ولن أقول أي جهة حكومية التدخل بشكل عاجل لوضع ميثاق شرف إعلامي وتشكيل لجان مجتمعية وليست حكومية للرقابة علي كل ما يبث في الفضائيات من دراما أو برامج أو إعلانات فلا يصح أن تبث موادا لا هدف لها غير ضرب القيم التي تربي عليها المجتمع..
ولعل ذلك يكون حافزا للبرلمان الذي تحمس وصال وجال ضد برامج المقالب والعنف دون جدوي لأن يتحرك لسرعة إنجار القوانين المنظمة للصحافة والإعلام والتي أظن أن إنجازها بما ارتضاه أهلها سيكون مفيدا في ضبط الأداء الإعلامي الذي أصبح أقل ما يوصف به «سمك لبن تمر هندي» فعندما تكون لدينا هيئة وطنية للإعلام نستطيع حينئذ أن نسائلها عما تقترفه الفضائيات.
ماسبيرو زمان
وسط هذه اللخبطة التي تجعلك تحن صاغرا لفن الزمن الجميل.. تأتي المفاجأة مع اطلاق ماسبيرو لقناة جديدة باسم «ماسبيرو زمان» خطوة جيدة تأخرت طويلا وطال انتظارها فكنوز التليفزيون المصري خرجت ولم تعد وتحتل المرتبة الاولي في العديد من الفضائيات، لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، فحسنا انتبه المسئولون عن تليفزيوننا لهذه الكنوز التي تسربت بفعل فاعل أو بفعل جاهل أو بفعل بائع لقنوات الدول المجاورة وإلي الآن لا ندري كيف رغم اللجان العديدة التي تشكلت لهذا الغرض لكن الفاعل لايزال مجهولا.. والحقيقة الوحيدة الثابتة أنها تسربت تماما مثل تسريبات الثانوية العامة والتي يبدو أنها ظاهرة بلا نهاية مع التطور الكبير في وسائل الغش الإلكتروني ولا عزاء لمن يجتهد ويسهر الليالي لتظل الحقيقة غائبة.. الوزير يدافع والشعب يهاجم و»شاومينج بيغشش» شغال علي ودنه والله يرحمك يا عم توفيق الدقن.
مسحراتي مصر
السبت:
مسحراتي زمان من دلوقتي.. سؤال فرض نفسه وأنا أري رجلا يمشي بين الناس في الثانية عشرة مساء يضرب بطبله وسط الزحام والضجيج لا يكاد يجد مكانا بين المارة.. الكل في الشارع لكن الرجل يصر علي أنه مسحراتي ويستمر في الضرب علي طبله رغم أن النوم يغالبه.. شيء مضحك لكنها في النهاية سبوبة لا ضير منها فهي تذكرنا بمسحراتي زمان.
بالفلاش باك خطر علي ذهني مسحراتي قريتنا العم يوسف أبو عيد.. كان رجلا ضريرا فقيرا.. مهنته إيقاظ أهل القرية للسحور بحق وحقيقي.. كان أهل القرية يخلدون للنوم مبكرا للقيام بالعمل مبكرا أيضا وبالتالي كان لمهنته دور لا يستهان به.. ولأن لكل مهنة مخاطرها اتذكر ونحن صغار العم يوسف يضرب بعصاه وزوجته تنادي كل مواطن بالقرية بالاسم أو الكنية «قوم يا أبو فلان تسحر» فهم يعرفون أهل القرية فردا فردا.. كنت أستغرب منظرا أشاهده يوميا للعم يوسف أبو عيد مسحراتي القرية وهو يضرب بعصاه يمينا ويسارا وفي كل الاتجاهات بغير هدف.. كان هذا الأمر يثير حيرتي لماذا يفعل هكذا.. وعرفت أن هذه الحركة كانت لتفادي شر الأشقياء الذين كانوا ينصبون للرجل في الشوارع فخا من الحبال لإيقاعه وهو يتجول في القرية ليلا.. وفي نهاية الشهر كان العم يوسف يفرح قانعا بحصيلته وهي كميات لا بأس بها من الكعك والبسكويت.. الآن يأخذ مسحراتي الثانية عشرة مساء من كل شقة عشرة جنيهات مقابل إيقاظهم وهم غير نيام.
في ظل هذه الأجواء نترحم علي مسحراتي مصر الشيخ سيد مكاوي مع كلمات المبدع فؤاد حداد الذي حول كلام المسحراتي التقليدي «اصحي يا نايم وحد الدايم» إلي عبرة وعظة ودعاء ولا أدري لماذا لا يعيد التليفزيون المصري هذه الكنوز:
يا نايم اصحي وحد الدايم
وقول نويت بكره ان حييت
الشهر صايم والفجر قايم
اصحي يا نايم وحد الرزاق
مسحراتي علي طريقة
منقراتي ورا الحقيقة
ستين دقيقة في كل ساعة
ماهيش براعة لو فن دام
في كل كلمة من الكلام
اصحي يا نايم