لاشك أنه موقف ينطوي علي شجاعة كبيرة وجرأة وربما ثقة أن يتصدي الشاعر أيمن بهجت قمر والفنان الذي خاض مجال الكتابة مؤخرا عمرو محمود يس لدخول معترك «ليالي الحلمية»، وتقديم جزء جديد منه لا يحمل توقيع مبدعيه الراحلين أسامة أنور عكاشة واسماعيل عبد الحافظ.
هي مخاطرة ومغامرة بالفعل وقل ماشئت عنها، شاركهم فيها المخرج مجدي أبو عميرة، وبعض أبطاله القدامي في تصديهم وتحديهم لعمل ناجح، واضعين أنفسهم في مقارنة لا فكاك منها مع مؤلف كبير يعد بلا جدال موهبة استثنائية في الدراما التليفزيونية، وعمل ارتبط في وجدان أجيال عديدة بصناعه وأبطاله وأجواء الحارة وقصور الباشوات، وكل الحنين إلي زمن الحلمية وشخوصها وصراعاتها. فلم يكن مسلسلا عاديا وانما تأريخا لفترة هامة من تاريخ مصر منذ اربعينيات القرن الماضي ولمدة ثلاثة عقود بكل تغيراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
أنتمي لجيل ارتبط وجدانيا بليالي الحلمية، وشهدت تصوير بعض أجزائه باستديو الأهرام الذي كان يضج بالحياة وقتها بقيادة المخرج المبدع اسماعيل عبد الحافظ، وكثيرا ما التقيت بالمؤلف الكبير أسامة أنور عكاشة بالبلاتوه، فلم يكن من المؤلفين الذين يكتبون السيناريو ويتابعون العمل من منازلهم.
لم أتحمس لتجربة تقديم جزء سادس لها لكني أيضا لم أستسغ الهجوم المبكر علي العمل والرفض المطلق له، ومنذ بداية عرض الحلقات وقد مضت نصفها حتي الآن تقريبا، وشعور بالغربة عن ليالي الحلمية التي ارتبطنا بها يسيطر علي كثير ممن شاهدوها، فقد خلت من عبق ورائحة العمل الأصلي، وسادت حالة من الإحباط تجاهه
ولقد كانت ليالي الحلمية تمثل حالة فنية توافرت لها عناصر عديدة وظروف عرض مختلفة قديما، بينما تواجه الآن واقعا مغايرا وجمهورا متخما بـ30 مسلسلا رمضانيا، كما واجه الجزء السادس جيلين غير متحمسين له، جيل جديد مختلف في ذوقه الفني لم يشاهدها وبالطبع لن تروق له، وجيل آخر ارتبط بتلك الحالة وذلك الوهج ولا يريد لشخصيات الحلمية التي أحبها أن تهتز في خياله.
وأعتقد أنه لو أمتد بأسامة أنور عكاشة العمر ما كان ليفعلها، خصوصا ان البعض طالبه بعد الجزء الخامس بذلك، لكنه رفض. حتي لايفقد جمهوره ورغم موهبة أيمن بهجت قمر ونجاح تجربة عمرو محمود يس الأولي كمؤلف في مسلسل «نصيبي وقسمتك»، غابت روح أسامة أنور عكاشة عن العمل ففقد كثيرا من ملامحه، ولم يستطع المسلسل أن ينافس بقوة أو يقف علي مسافة مقاربة من ليالي الحلمية السابقة والتي قام التليفزيون المصري مشكورا بإعادة عرضها ليتأكد أنه لامجال للمقارنة بين ماكان وما حاول أن يكون، والمقارنة هنا لا تجوز، لأن الأصل دائما هو الأقوي والأبقي والأكثر سحرا وإبداعا.