أليس شيئا غريبا ومثيرا يدعو إلي البحث والدراسة والتحليل أن تكون لدينا هذه المساحات الهائلة من المياه المطلة علي البحار بالإضافة إلي نهر النيل والتي تقدر بمئات الملايين من الكيلومترات المربعة.. بينما نعاني من الفقر في البروتين السمكي الذي يعد عنصرا مهما للصحة والحياة!! وفقا لهذه الامكانات الطبيعية كان يتحتم ان تكون لدينا ثروة سمكية ضخمة تتناسب وحجم هذه المساحات المائية. تحقيق هذا الهدف كان سيؤدي إلي تعويض نقص اللحوم الحمراء والبيضاء ومواجهة تصاعد أسعارها إلي درجة فاقت أسعارها في الدول الأكثر ثراء وتقدما وارتفاعا في مستوي المعيشة.
هذه الأزمة تحولت إلي عبء ثقيل علي الحياة المعيشية لمئات الآلاف من المواطنين الذين يعتمدون في أرزاقهم علي صيد الأسماك . دفعهم شح الاسماك في مياهنا الإقليمية إلي ممارسة نشاطهم في المياه الاقليمية للدول المحيطة . كان من نتيجة ذلك القبض علي العشرات منهم ووضعهم في السجون .. وهو ما يعرض أهاليهم وذويهم للقلق والمشاكل إلي أن يتم الافراج عنهم من خلال الجهود الدبلوماسية والاتصالات السياسية.
آخر عمليات الاحتجاز المتواصلة لصيادينا جرت في تونس وكان ضحيتها حوالي ١٤ صيادا نجحت الخارجية المصرية في التواصل مع السلطات التونسية للإفراج عنهم . في أعقاب هذه الأزمة والمتكررة حمّل أحمد النمار نقيب الصيادين وزارة الزراعة مسئولية الفقر السمكي الذي يدفع هؤلاء الصيادين للصيد في مياه الدول الأخري.
قال ان وراء ذلك السياسات الخاطئة لوزارة الزراعة المنوط بها الاشراف علي هذا النشاط الغذائي الحيوي.
ما يحدث يؤكد ان الفساد الذي يعشش في هذه الوزارة يشمل كل الأنشطة التي تقوم بها. بما فيها قطاع الثروة السمكية. لقد ترتب علي هذا الفساد اختفاء الاسماك ليس في المياه المالحة سواء كانت البحر الأحمر أو المتوسط أو البحيرات المختلفة لتشمل هذه الظاهرة أيضا المياه العذبة الجارية في النيل وكل مجارينا المائية. من أهم أسباب هذا الفساد.. انتشار الرشاوي «عيني عينك» لتسهيل عمليات الصيد الجائر غير القانونية للحصول علي «الزريعة» وبيعها للمزارع السمكية . اصحاب هذه المزارع يقومون ببيع انتاجها بأضعاف أضعاف الاسعار الطبيعية ناهيك عن عدم اهتمامهم بتوفير المتطلبات الصحية اللازمة.
تجريف المياه من هذه «الزريعة» التي كان يمكن ان تتحول إلي ملايين الاطنان من الاسماك أدي إلي هذه الحالة المتمثلة في اختفاء الاسماك من مياهنا.
في هذا الشأن فإنه شيء طيب ان تستشعر القيادة السياسية خطورة تداعيات هذا الوضع الذي تسبب فيه الفساد والإهمال وغياب التخصص وفقر الاستعانة بالمتخصصين في مثل هذه الامور. تمثل ذلك في التحرك لإقامة مشروعات للاستزراع السمكي في عدد من البحيرات الصناعية .
إن علينا وفي إطار تفعيل هذا الفكر الخلاق .. مراعاة عدم تكرار الاخطاء التي نعاني منها في بحيرة السد العالي التي تعد من اكبر البحيرات المائية في العالم. ترتب علي عدم وجود سياسة صحيحة وسليمة للاستفادة منها في تنمية الثروة السمكية في هذه المياه العذبة الطبيعية أن أصبح ما نحصل عليه من اسماك لا يتجاوز عشر ما يجب الحصول عليه وربما أقل.
ولكن.. هناك نماذج مصرية حقيقية ناجحة.. منها النجاح الذي تحقق في انتاج بحيرة البردويل علي ساحل سيناء والذي يتميز ما تقدمه من أسماك بارتفاع مستوي نوعيته. يرجع ذلك الي انها تقع تحت اشراف القوات المسلحة التي توفر لها الانضباط اللازم والحفاظ علي مقوماتها لتنمية الثروة السمكية بها. علي هذا الاساس فاننا لا نحتاج الي خبراء وأمامنا هذه التجربة المصرية الناجحة المتمثلة في بحيرة البردويل وما نحصل عليه منها من انتاج سمكي وفير للاستهلاك المحلي والتصدير.
أهمية ملف الثروة السمكية انه يتصل بالأمن القومي الغذائي ويحتم أن يكون هناك قرار للرئيس عبدالفتاح السيسي لمعالجة هذا القصور وتداعياته علي حياة كل المصريين. في اعتقادي أن هذا الامر يحتاج إلي أن تكون هناك جهة محددة وفاعلة تتوافر لها امكانية الاستعانة بالخبرات لوضع حلول للمشكلة. كل الشواهد والدلائل تقول وعلي ضوء ما نواجهه حاليا أن لا وزارة الزراعة ولا هيئة تنمية الثروة السمكية التابعة لها قادرة علي القيام بمسئولياتها.