ليس من سبيل لحل مشاكل البطالة وتوفير العمالة المدربة التي يحتاجها سوق العمل محليا وخارجيا سوي تبني الفكر العملي الخلاق. هذا الأسلوب ثبتت فاعليته وواقعيته في عقود سابقة لا أدري الأسباب وراء الاحجام عن الأخذ به حاليا رغم الحاجة الماسة له. لم يعد خافيا أن إحدي المشاكل في ضعف التعاقدات مع العمالة المصرية خاصة في دول الخليج انما يرجع بشكل أساسي في عدم توافر العامل المصري المدرب المحترف الذي كان يلقي الاقبال من أصحاب العمل.
تبينت لنا هذه الحقيقة في السنوات الأولي لحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهو ما دفعه - بناء علي نصائح المخلصين المختصين - إلي السعي إلي الاستفادة بألمانيا إبان حكم المستشار كول. جاء ذلك استنادا لما تتمتع به هذه الدولة المتقدمة صناعيا من شهرة في امكانيات برامج التدريب علي جميع الحرف. تم بناء علي ذلك وعلي ضوء العلاقات القوية التي تربطنا بهذه الدولة إلي عقد اتفاقية لتدريب طلبة المعاهد المتوسطة في المصانع ومراكز التدريب الألمانية. استمر برنامج مبارك- كول بنجاح كبير إلي أن أدت البيروقراطية والسلوكيات غير المنطقية إلي وقف تفعيل هذه الاتفاقية.
وقبل اتفاقية كول كانت هناك برامج تدريبية تتبناها الشركات المصرية الكبري الناجحة مثل المقاولون العرب والشركات الأخري المشابهة. برامج التدريب والتأهيل للعمالة التي كانت تقوم بإعدادها هذه الشركات كانت تشمل صرف مكافآت للمتدربين لتحفيزهم وتشجيعهم. ليس مفهوما أسباب توقف هذه البرامج التي كانت تزود هذه الشركات والشركات الأخري باحتياجاتها من العمالة المؤهلة.
إن ما دعاني إلي تذكر الصور المضيئة لمواجهة مشكلة البطالة والحفاظ علي سمعة العامل المصري هذه الخطوة السلبية التي أقدم عليها المهندس شريف إسماعيل عند تشكيل حكومته التي تلت حكومة المهندس إبراهيم محلب. إنه ولسبب غير مفهوم قام بالغاء وزارة التعليم الفني في حكومته رغم الحاجة الشديدة لوجودها. إن ما تحتاجه مصر في المرحلة القادمة هو أن يكون هناك توازن بين الأعداد التي يتم تخريجها من الجامعات ولا يجدون عملا وما يتم تخريجه من التعليم الفني الذي نحتاجه ولكن ما ينقصه هو عدم التدريب العملي.
في هذا الشأن اسعدني مبادرة وزير الصناعة طارق قابيل التي تضمنت الاتفاق مع ثلاث شركات مصرية كبيرة وناجحة وافقت الشركات الثلاث علي تنفيذ برامج لتدريب حوالي الف عامل مصري وتأهيلهم للعمل في فروعها إلي جانب العمل في الشركات الأخري. اعتقد أن تنظيم هذا التوجه يعد خطوة مهمة لاتاحة فرص العمل في الداخل والخارج. إن توافر هذه العمالة المدربة علي جميع الأنشطة سوف يؤدي إلي اختفاء ظاهرة استعانة المصانع بالعمالة الآسيوية الملتزمة إلي جانب الحرفية والانضباط وارتفاع الإنتاجية. حان الوقت ان ندرك انه لا سبيل لمواجهة البطالة وتدني الانتاجية كماً وجودة سوي بمجاراة الدول التي تقدمت لالتزامها بهذه السياسات.