في أحلك اللحظات، أثناء حكم الإخوان، لم تعبث برأسي ظنون تجاه الجماهير، ولم تعربد في صدري مخاوف. كان يلازمني إيمان عميق واطمئنان إلي أنها لابد نازلة تثور وتهدر.
لم تراودني أي شكوك إزاء الجيش، كانت تملأني ثقة كاملة، ويغمرني يقين لا يتزعزع بأنه لابد سيستجيب ويلبي النداء حينما يحين الحين.
مبكراً.. توقعت «النزول الثاني»، وصفت حكم الإخوان بأنه لن يعدو أن يكون «جملة اعتراضية في تاريخ الوطن»، استشعرت ما يعتمل في وجدان الجيش تجاه ما يراه من أوضاع البلاد والعباد، وكتبت: «وما أدراك ما الجيش إذا غضب».
ومن قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر ثورة يونيو، كتبت: «متي ينزل الجيش»، وقلت: «لن ينزل الجيش إلا مضطراً لتلبية نداء واجب وطني، يمليه عليه التاريخ والدستور، درءاً لفوضي، وحقناً لدماء، وصونا لمقدرات شعب، وحفاظاً علي تماسك دولة تلين مفاصلها وتتداعي» وقلت أيضا: «لا طاعة لحاكم في معصية الشعب».
< < <
حينما كان الفريق أول عبدالفتاح السيسي يصر علي عدم الترشح لانتخابات الرئاسة، بل وسطر بخط يده بياناً بهذا المعني يعتزم إذاعته علي الشعب، تصادف أن كنت بمكتبه، ورجوته ألا يذيعه أو علي الأقل يرجئه بعض الوقت، وأظن كثيرين ممن يثق في رأيهم، كان لهم نفس رأيي، وكان اعتقادي راسخاً، بأنه لن يقدر أن يصمد أمام طوفان الرغبة الجماهيرية، وأن رجل الأقدار - كما أراه عن حق - لابد أن يستجيب.
وعندما لبي النداء، وأطلق عبارته الشهيرة: «مصر أم الدنيا وحتبقي قد الدنيا».. لم آخذ الجملة علي محملها العاطفي الجياش، بل اعتبرتها أملاً ورؤية والتزاماً. لأني أعرفه، وأثق في صدقه وإخلاصه وتجرده ودأبه. وكنت أقول إذا لم يستطع هو أن يحقق هذا الأمل، فمن يستطيع؟!
< < <
بعض ممن كان لا يعرف السيسي كان يصفه بأنه رجل حالم، من باب الإقلال، وكنت - وغيري - نري أنه فعلا رجل حالم ولكن من باب المعرفة. صناع التاريخ كلهم كانوا حالمين، فأنت لن تستطيع تغيير الحاضر إلا إذا كنت تحلم بالمستقبل.
وبعض ممن كان لا يعلم من هو السيسي، شكك في وجود رؤية للحكم، وفي امتلاكه برنامجاً لمدة رئاسته.
وأذكر أنني تصفحت في عجالة ثلاثة ملفات ضخمة عنوانها - للمفارقة - : «الحلم المصري»، تحوي رؤية استراتيجية متكاملة لرجل الأقدار، وبرنامجاً تفصيلياً مدققاً مصحوباً بجداول زمنية لتوقيتات التنفيذ ومراحله وتكلفة كل منها، في كل مجال، وكل مشروع.
يومها سألته لماذا لا يعلنها كلها، فأجابني بأنه سيعرض رءوس عناوين، لأسباب رآها تتعلق بأوضاع البلاد وأظن أنه كان محقاً.
كنت لا أتشكك في عمق الرؤية، ولا شمول البرنامج، ولا تصميم السيسي علي تنفيذه، لكني أعترف أنني كنت أشفق عليه - وعلينا - من اصطدام حلم بواقع، وآمال بتحديات، ومشروعات بتكاليف.
وأعترف الآن بعد عامين من توليه الرئاسة، أنه خلال ٢٤ شهراً أنجز، في الأغلب الأعم، فوق ما كنت أتوقعه من مدة رئاسته الأولي.
< < <
أهم منجزات الرئيس السيسي - في رأيي المتواضع - أنه اختصر زمن الانتقال بالبلاد بسلاسة وهدوء وحكمة.
- من مرحلة انتقالية عاصفة، إلي مرحلة استقرار مبشرة.
- من حالة ثورة صاخبة لها مقتضياتها، إلي حالة دولة لها متطلباتها.
- من حالة إنقاذ بلد، إلي حالة بناء أمة.
- من قلق إلي طمأنينة، من تشكك إلي ثقة، من أمل إلي عمل.
وأحسب أن الرئيس السيسي صاحب الطموح غير المسقوف، مستريح الضمير، لكنه ليس راضي الفؤاد، لأنه كان يرنو إلي تحقيق ما هو أكثر مما تحقق برغم أنه كثير.
واعتقادي أنه شرع في التعامل مع النصف الثاني من مدة رئاسته الأولي الذي بدأه يوم أمس، وكأنها مدة رئاسة منفصلة وكاملة.
كان النصف الأول هو موسم الحرث، والبذر، والري، والرعاية، ومقاومة الآفات، وتفتح البشائر. ويبدو النصف الثاني هو موسم الحصاد، ثم الغرس والبذر لمحصول جديد أعلي انتاجية.
< < <
مثلما توقعت أن الشعب لن يهضم حكم الإخوان، وأن الجيش لن يخيب رجاء الشعب، وأن رجل الأقدار لن يرد نداء الجماهير، أتوقع قبل مرور عامين من الآن، أن الجماهير ستعاود نداءها للسيسي -أعطاه الله الصحة والعمر- بأن يكمل معها مشروعه الوطني في مدة رئاسة ثانية، لاستكمال بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
ربما يكون السيسي -حينئذ- راضي الفؤاد بعد أن استراح ضميره الشخصي والوطني.
ربما يري -حينئذ- أنه صان العهد وأنجز الوعد، فهو أنقذ، حينما كُلِّف،وحمي حينما سُئل، وأرسي الأساس ورفع القواعد وعلا بالبناء، حينما طُلب منه ومثلما تعهد.
ربما يُحسب -حينئذ- أن مهمته قد أُنجزت، وأنه أدي واجبه بشرف وإخلاص منذ ارتدي الزي العسكري لأول مرة وهو لم يتم الخامسة عشرة من عمره، حين التحق بالثانوية الجوية، وحتي خلعه بعد 45 عاماً وعلي كتفيه علامات المشير، أرفع الرتب العسكرية، ليرتدي البدلة المدنية مرشحاً للرئاسة ثم رئيساً للبلاد، ربما يَحسب أنه قد حان الوقت ليسلم الراية لجيل جديد.
لكني أتوقع - لو راودته فكرة كهذه أو تلك - أنه لن يقدر مجدداً علي أن يقاوم طوفاناً جماهيرياً أشد وأعتي من ذلك الذي لم يستطع له رداً قبل 30 شهراً مضت.
أظن الناس تنتظر منه ألا يترجل في منتصف طريق، وألا يتوقف في وسط مشوار، أظن الناس ستكلفه بمهمة جديدة هي إكمال المشروع الوطني المصري لبناء الدولة الحديثة الثالثة.
وأظنه لا يتأخر عن نداء ولا يتردد أمام تكليف.
< < <
لذا أعتقد أن الرئيس السيسي في النصف الثاني من رئاسته الأولي، لابد أن يكون مهموماً بمسألتين علي التوازي.
أولهما.. متابعة تنفيذ برنامجه الطموح علي مدي عامين قادمين في إطار المشروع الوطني المصري، بنفس الإيقاع أو أسرع وبنفس الكفاءة أو أعلي.
ثانيهما.. صياغة برنامج أعلي طموحاً لمدة رئاسة ثانية لابد أنه سيكلف بها، ولا أظن أننا نمتلك وقتاً نضيعه في انتظار أن يحين أوانها، لكي يوضع هذا البرنامج علي أسس رؤية استراتيجية للرئيس حتي 2022 في ضوء المشروع الوطني المصري.
وأحسب أنه ليس في هذا قفز علي مراحل، أو تعجل لإرادة شعب.
فالأمم الكبري، تعد لمستقبلها من أمسها وليس فقط يومها.
وقد يري الرئيس تكليف مجموعة عمل من أكفأ الخبراء في شتي المجالات من أصحاب البصيرة والحلم والوعي والمعرفة، لمعاونته في تحويل تلك الرؤية إلي برنامج تفصيلي كذلك الذي رأيته بعنوان «الحلم المصري»، فأحلامنا لا تتوقف عند حدود، واعتقادي أن برنامج المدة الثانية بالجرأة المعروفة عن السيسي سيختزل مراحل «رؤية مصر 2030»، وسينجز أهدافه في 6 سنوات بدلاً من 14 عاما.
< < <
من الآن وحتي السابع من يونيو عام 2022، أري فيما يري اليقظان بلادي، في حال نحلم بها، ونتمناها، وقادرون علي بلوغها، بشعبنا المبدع، وقائدنا الرشيد.
- أري بلادي قوة عظمي إقليمية، سندها جيش قوي ضمن أقوي 7 جيوش في العالم، ودرعها قدرة اقتصادية، تصون استقرارها الداخلي وتدعم استقلال قرارها، وذراعها الطولي إبداع ثقافي وأدبي وفني يفيض ويغمر المحيط الإقليمي والعالمي، ومنارة أزهر تشع سماحة ووسطية وتنويراً، وقدرة إعلامية متشعبة تتخطي حدود الإقليم في تأثيرها.
- أري إلي الغرب من وادي النيل وادياً جديداً يمتد من الساحل الشمالي إلي شرق العوينات، وإلي الشرق وادياً ثالثاً من غرب بورسعيد إلي حلايب بطول محور 30 يونيو.
- أري في سيناء دلتا جديدة تعادل 3 أمثال دلتا النيل فيها مزارع ومصانع ومنتجعات سياحية، وتجمعات عمرانية، ويملؤها بشر هم درعها قبل السلاح. أري عاصمة جديدة اكتملت، وعروس متوسط جديدة قامت في مدينة العلمين.
- أري في المحلة الكبري، كبري قلاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة في العالم، ومعها مدن الأثاث في دمياط والجلود في الروبيكي والحرير في اخميم والطب في أسوان والتكنولوجيا في الإسماعيلية.
- أري في الضبعة محطة نووية تتأهب للتشغيل، ووكالة فضاء مصرية تستعد لإطلاق أقمار صناعية تحملها صواريخ صنعت في مصر.
< < <
- أري في إثيوبيا مشروعات تخزين مياه مشتركة مع مصر، تستنقذ مياه الأمطار المهدرة علي هضبة الحبشة، وتزيد بها إيرادات حوض النيل الشرقي، وأري قناة جونجلي في جنوب السودان قد افتتحت لتضيف إلي إيراد النيل الأبيض، وأري مشروعات أخري مع الكونغو ودول حوض النيل، كلها تضخ الخير والتعاون بين دول يجمعها شريان واحد، وتقطع الطريق علي دعاة الفرقة والنزاع.
- أري مركزاً عربياً للأمة قلبه مصر الكبري ومعها سودان ناهض وليبيا جديدة يرتبط بوشائج أخوة وتعاون مع مغرب عربي منطلق، وتحالف مصير مع مشرق عربي عماده السعودية والخليج ويمن متعاف، وجناحاه سوريا موحدة مدنية وعراق عروبي القرار.
- أري شعب مصر، تحرر من الأمية، ومن الأوبئة، ومن الفقر، أري بسطاءه ودعوا الفاقة، وصعدوا فوق حد الكفاف إلي الكفاية، أري طبقته الوسطي تتسع وتحرك قاطرة الوطن، ورأسماليين وطنيين يستثمرون ويربحون ولا يتوحشون، أري مجتمع العدالة والتسامح والكرامة، أري النخبة من الأكفاء، والصفوة من العلماء، والمناصب لأهل المقدرة والعزم.
< < <
من الآن وحتي نحقق المراد بعد 6 سنوات، أري الرئيس دوما بين الناس ومع الناس، مواطناً بمرتبة رئيس، ومصرياً بمنزلة قائد. أراه نفس الإنسان البسيط، الذكي في طيبة، والطيب في حكمة، يفتح صدره ولا يغلق أذنيه، يستمع إلي الجميع، ويقرر ما هو في صالح الشعب والأمة.
أري جبهة 30 يونيو، الكتلة الوطنية للثورة، تستعيد صلابتها، وتلملم ما قد تناثر منها، تتوحد تحت الراية وخلف القائد لبناء المشروع المصري، في نظام وطني يمسك بخيوط الحكم، يحفظ الأمن ويرعي الحرية ولا يعتبر أنهما نقيضان، يدفع بالديمقراطية ويشجع الأحزاب، يصون استقلال المؤسسات لا انفصالها ويحقق التناغم بين أجهزة الدولة.
< < <
أنا ابن إقليم، وواحد من جيل، تفتحت مداركه في الطفولة المبكرة، علي كلمات نكسة وتهجير وعدوان، ومازالت تتردد في مسامعه أصداء نعيق صفارات الإنذار، وعواء طائرات الليل، ودوي القصف والانفجارات، والصرخات الداعية لإطفاء النور والنزول إلي المخابئ.
مداخل منازلنا كانت تسدها جدران الطوب، وفي بيوتنا كان «الجلاد» الأزرق السميك يغطي زجاج النوافذ والمصابيح والقلوب المترعة بالأحزان.
جيلي عاش يحلم بتنمية واكتشف أنها كانت سراباً، وبديمقراطية غير أنها ظلت وهماً، وباستقرار لكنه وجده كجبل الرمل، لا يصمد أمام موجة علي شاطئ.
من حقنا أن نري في حاضرنا بلادنا تنهض وأبناءنا أسعد، من حقنا أن نحلم لأحفادنا بعد 6 سنوات من الآن، بأيام حلوة في مصر العظمي.
إنها مسئوليتنا جميعا.. ومسئولية رجل الأقدار.