لا أحد ينكر ان جانبا كبيرا من عدم التجاوب والرضا الشعبي تجاه كل ما تقدم عليه الدولة والحكومة من خطوات واجراءات انما يعود الي انعدام الثقة وانتشار الشعور بالشكوك تجاهها. السبب وراء ذلك مصدره عدم حصول المواطن علي الخدمات اللازمة بالامانة والشفافية. لا تقتصر هذه المعاناة علي التعقيدات الراسخة وانما يزيد عليها الاعباء المالية غير القانونية التي يتحملها والمتمثلة في دفع الرشاوي لانهائها.
تداعيات هذا الواقع المؤلم تنعكس علي كل أمور الدولة مما يؤدي الي تعطيل مسيرتها نحو النهوض والتقدم. أحد مظاهر هذه الآفة التي تنخر في العظام.. تعامل المواطنين مع مرافق الكهرباء والمياه والغاز. اصبح شيئا عاديا ان يفاجأ هذا المواطن المحدود الدخل المغلوب علي امره بفاتورة استهلاك كهرباء أو مياه او غاز بمئات او بآلاف الجنيهات. وعندما يصرخ متألما رافعا صوته بأنه يدفع فاتورة كل شهر تأتيه الاجابة باردة متسمة بلغة الاذعان بان ما دفعه كان بمثابة متوسط وليس قيمة الاستهلاك الحقيقي الذي تقرره قراءة العداد التي تتم كل عدة شهور. ولتوضيح الامر يقول له المحصل المسكين ان هذه القراءة تتم كل عدة شهور وبالتالي فان المبالغ المطلوبة تكون تجمعا لفروق الاستهلاك الحقيقي.
ليس من تعليق علي هذا الديالوج المستمر بين المواطنين وهؤلاء المحصلين سوي كم فيك يا مصر من المضحكات المبكيات .. انهم في هذه المرافق الخدمية المهمة يبررون عدم القراءة المستمرة للعدادات لعدم وجود موظفين للقيام بهذه المهمة. أليس هذا الذي يقال يدعو الي الضحك والسخرية خاصة اننا نعلم جميعا ان دواوين الدولة تئن من الزيادة الهائلة في عدد الموظفين الذين لا يعملون ولا ينتجون.
يحدث هذا في دولتنا التي تحمل علي اكتافها وجود ٧ ملايين موظف يعملون بأجهزتها المختلفة اسميا بينما العمل لا يحتمل سوي عشر هذا العدد وفقا لما هو جار في معظم دول العالم. الا تستطيع هذه الدولة العمل علي ان تفرغ العدد الكافي من هؤلاء الموظفين للقيام بعمل مجد يتمثل في قراءات عدادات الكهرباء والمياه والغاز. ليس من تفسير لهذا القصور سوي ان الحكومة وقياداتها المسئولة عن ادارة شئون هذه الدولة في غيبوبة جعلتهم صورة للفشل والاحباط.
امام شكوي وصراخ المواطنين من تجاوزات فواتير الكهرباء والمياه والغاز سواء كانت صحيحة او غير صحيحة فانه ليس امامنا في مواجهة هذه المعاملة غير الانسانية سوي الترحيب بما تم اعلانه عن التعليمات التي اصدرها الرئيس عبدالفتاح السيسي. لقد طلب خلال اجتماعه برئيس الوزراء المهندس شريف اسماعيل والدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء بتعميم العدادات الالكترونية سابقة الدفع وان يشمل هذا النظام مرفقي المياه والغاز.
من المؤكد ان نجاح هذه المنظومة مهما كانت تكلفتها سوف يضمن عدم التجاوز في التقدير الي جانب انتهاء مأساة فواتير متوسط الاستهلاك والاهم من كل هذا انها ترحم المواطن من دفع المعلوم باعتبار انه ليس من بين تجهيزات هذا العداد الحصول عليه.
كم أرجو ان تستجيب الحكومة لهذه التعليمات الرئاسية بان يكون واسطة التعامل بين المواطن ومرافق الكهرباء والمياه والغاز هو العداد الالكتروني الذي يتم تشغيله بالكروت السابقة الدفع.. وفي اعتقادي ان المواطنين وبلا استثناء وللخلاص من عذاب التعامل والاستغلال والسرقة التي يتعرض لها علي استعداد لان يدفع تكاليف الحصول علي هذا العداد وتركيبه.