ليس من توصيف لظاهرة تسريب امتحانات الثانوية العامة سوى أنها تجسيد لحالة الانحطاط الأخلاقى والفساد التى اصبح هدفها الحصول على ما هو ليس من حق مرتكبيها. نعم .. قد يكون النظام التعليمى السائد لايتوافق وطبيعة العصر والحياة التى نعيشها.. ولكن هذا الذى يحدث لايمكن تبريره بأى حال من الاحوال. من المؤكد ان هناك «حاجة» غلط أصبحت تسيطر على مجريات حياتنا تدفعنا الى ممارسة الغش الذى يشارك فيه وللاسف اولياء الامور الذين من المفروض ان يكون سلوكهم قدوة فى الامانة ومراعاة الله.. لابنائهم الذين يمثلون الجيل الجديد لهذا الوطن.
هذه الجريمة التى تجرى وقائعها على مدى السنوات الاخيرة تفسر لنا ان جانبا كبيرا من المجاميع الخيالية التى يحصل عليها بعض أبنائنا من طلاب الثانوية العامة - دون تعميم - لاتعكس صورة حقيقية للتحصيل الدراسى واستيعاب المناهج المقررة . لايمكن ان تكون محصلة المسيرة نحو المستقبل قائمة على الغش والتدنى الاخلاقى والتى اصبحنا نشاهدها كل عام فى امتحانات الثانوية العامة. ان مايحدث يعنى انتاج مواطن غير سوى يصبح عبئا على هذا الوطن . هذا النموذج ومن على شاكلته تصبح وسيلته فى الحياة مستقبلا مستندة على ممارسة الفساد فى كل مجالات الحياة. انه يتحول بمرور الوقت الى معول هدم لكل القيم ومتطلبات التقدم لهذا الوطن .
علينا ان نعترف بأن جريمة تسريب الامتحانات لايمكن ان تتم سوى من خلال عناصر منحرفة مريضة بعضها ينتمى الى الاسرة التعليمية وبعضها من معدومى الضمير ناقصى التربية والذين يشكلون فيما بينهم عصابة تعمل على تدمير المجتمع. لايمكن لهذه العصابة التى تجر وراءها بعض أولياء الامور والمنتفعين بممارسة ما تقوم به الا فى وجود ثغرة فى النظام العام للامتحانات لم تكن موجودة من قبل. معالجة هذا السقوط يحتم دراسة المنظومة من اساسها بداية من وضع الامتحانات وطبعها وحفظها. يجب العودة الى ما كان يتم فى الماضى مع الوضع فى الاعتبار ما تحقق من تقدم فى تكنولوجيا التواصل الالكترونى التى لم تكن موجودة من قبل .
من ناحية اخرى فإن انعدام التربية فى البيت والمدرسة الى جانب ضغوط الحياة وسيطرة ثقافة حتمية الحصول على الشهادة الجامعية حتى ولو كان ذلك بالغش والتدليس.. اصبحت محورا للصراع الذى تعيشه الاسرة فى المجتمع المصري. ان ما يدعو للانزعاج ان يسود الشعور - نتيجة لذلك - بإن لا مكان للامانة والمصداقية والشفافية والشرف لممارسة الحياة الطبيعية فى هذا المجتمع . ادى هذا التوجه والفساد الى ان يصبح الهدف هو المرور نحو الحصول على الشهادة الجامعية وليس التعلم او التثقف وهو ما كانت محصلته هذا الجهل الذى يتمتع به معظم خريجى جامعاتنا .
ان التداعيات الكارثية لظاهرة تسريب امتحانات الثانوية العامة والتى تتكرر منذ سنوات اصبحت تحتم ضرورة ان يتغير نظام التعليم وهو ما تسعى اليه جهود القيادة السياسية المؤمنة بهذه الحقيقة. هذا التحرك الذى يجب تسريعه يتطلب تضافر جهود علماء التربية والعلوم النفسية والاجتماعية والتعليمية من اجل ايجاد حل للمشكلة من كل جوانبها. هذا الامر يعيدنا مرة اخرى للتأكيد على ان لا امل فى التقدم والحفاظ عليه فى اى مجال من المجالات اذ لم نحسن تنشئة اولادنا على اسس راسخة من القيم التى تحميهم من كل انواع الفساد الذى يتطور معهم ويمثل خطرا جسيما على مسيرة هذا الوطن.