في زمن آخر غير الذي نعيشه حاليا، كان المتحاورون مهما اختلفوا في وجهات نظرهم يستمعون لبعضهم البعض ثم يتحدثون بهدوء وكل يفند رأي الآخر ويتعرض له بأدب جم.
وفي عصرنا هذا صار الهواء مستباحا، وأصبح لـكل شئ ثمن، خصوصا مع بعض مقدمي البرامج الذين يعرفون كيف يلهبون الأجواء، لتتحول بعض برامج التوك شو(غير المسلحة حتي الآن) الي حفلة يومية تبدأ بالشتائم من باب تسخين الجوقبل اللإلتحام اليدوي للضيوف.
وكدنا مع الوقت نفقد القدرة علي الدهشة مما تثيره برامج الفضائيات من سباب وفضائح وتفاهة وبلاهة علي مرأي ومسمع من الجميع، لتنتهي بمحاضر متبادلة في أقسام الشرطة بين الضيفين.
وأتصور لوأن أحد ضيفي حلقة السبت 28 مايومن برنامج «العاشرة مساء» استطاع بحكم مكانته أن يدخل دون تفتيش الي استديوهات مدينة الانتاج الاعلامي وهويحمل مسدسه لأطلق الأعيرة في الاستديو ولسالت الدماء وربما الأرواح أيضا.
فقد صار الخلاف في الرأي جريمة والتربص حتميا والاحتقان علي الشاشات لايقل اثارة عن الشارع، ولقد حاول الجميع أن يغسل يده من هذه المهزلة ليؤكد أن الآخرين هم المخطئون بدءا من قناة دريم التي سارعت بالاعتذار لمشاهديها مؤكدة أن مقدم البرنامج التزم التهدئة كما دافع هوعن نفسه محاولا أن ينفي تهمة الاثارة التي التصقت ببرنامجه.
والحقيقة انه لم يكن في حاجة الي ذلك، باعتباره شريكا أساسيا ومسئولا بشكل أوبآخر عما وصل اليه هذا المستوي من الحوار، ولوكانت نوايا البرنامج طيبة وهدفها تهدئة الطرفين بالفعل، لسعي وائل الابراشي والتقي بهما بعيدا عن الكاميرات قبل الظهور علي الهواء لتقليل حدة الخلاف، أولقام بتسجيل اللقاء قبل موعد البث حتي يضمن حذف أي تجاوز يصدر منهما، لكن لأن السعي وراء الاثارة يتجاوز كل ذلك ولابد من حلقات ساخنة تضمن أكبر قدر من تورتة الاعلانات وهوهدف لايضاهيه أي شئ آخر، لهذا لا نعفي الابراشي من مسئولية ماحدث، ليس في هذه الحلقة فقط بل في منهج الاثارة والوقيعة بين ضيوفه لتسخين حلقاته، وقد نجح بهذا الأسلوب في تحقيق أعلي عائد اعلاني بين برامج التوك شوفي برنامجه الذي تمتد بعض حلقاته الساخنة الي آذان الفجر.
ان البعد عن الإثارة لايعني خفوت الرسالة الاعلامية ولا يعني تقديم برامج مملة، وأتصور لوأن هذه الحلقة بضيفيها بين يدي اعلامي مثل أسامة كمال لعمد الي تهدئة الطرفين أولا قبل الخروج علي الهواء.
لقد صار الاعلام المرئي فتنة العصر، وباتت هناك ضرورة لترشيد برامج الهواء ولم يعد ممكنا السكوت علي كل هذه التجاوزات التي لم تعد ضوابط تحكمها، فأين اخلاقيات مهنة الاعلام وأين ميثاق الشرف الاعلامي، بل وأين القانون وكيف ندعوالناس للتحلي بالأخلاق والتسامح، والكبار يفعلون عكسه علي الشاشات المفتوحة في مجتمع يئن من الأزمات ولا يحتاج للمزيد.