حينما بدأت تصفح كتاب " التفكير خارج الصندوق " أدركت إنني وقعت في براثن إدمان العمل دون أن أشعر، وعشت سنوات طويلة مقيدة داخل طاحونة لا تتوقف، كما لوإنني ذهبت في رحلة بلا عودة، فليس من طبائعي التنصل من مسئولية تلقي علي عاتقي، أورفض عمل أكلف به من رؤسائي مهما كلفني ذلك من جهد ووقت وعناء!
لكني اكتشفت مؤخرا أن الرفض أمر ضروري، للحفاظ علي صحتنا وسعادتنا، والتمكن من إنجاز مشروعاتنا الخاصة وتحقيق أحلام وطموحات نعجز عن تحقيقها في ظل فخ إدمان العمل، وقد أيقنت ذلك بعد أن تسبب لي إدمان العمل في ضغوط نفسية وصحية واجتماعية، ونجحت بالفعل في الإفلات من هذا الصندوق المدمر، وهوما فتح أمامي فرص رائعة في الحياة، ومنحني الوقت لتحقيق أحلام وطموحات مؤجلة.
والواقع أن الرغبة في كوننا نصبح أشخاصا متميزين تجعلنا نكدح ونؤدي عملنا بإتقان وإخلاص شديد، قد يكون أحيانا مبالغ فيه، وهوما يوقعنا داخل صندوق آخر أشد خطورة، وهو"صندوق الكمال" الذي تمتد جذوره إلي صندوق الخوف من الفشل وارتكاب الأخطاء، فقد لا يدرك البعض أن من يقعون ضحية هذا الصندوق لا يتقنون العمل رغبة في النجاح، وإنما خوفا من الفشل والوقوع في الأخطاء !!
وأسوء ما في هذا الصندوق أنه يجعل من حولنا يدفعون الثمن، فالتوقعات المبالغ فيها التي يضعها الشخص الباحث عن "الكمال" لنفسه، تجعله يغالي في توقعاته من الآخرين بشكل غير واقعي، ويبدي انتقادات لهم إذا لم تتحقق المعايير التي تتفق مع توقعاته، أوحينما لا يتبع الآخرون طريقته في إنجاز المهام، ويشعر بالقلق والتوتر إذا لم يكن كل شيء يتسم بالنظام والترتيب، وبالفشل إذا لم يؤدي عمله علي أكمل وجه، لذا يحرم نفسه من النوم والراحة والاستمتاع بالحياة كي يقوم بمهامه وبمهام الآخرين، وهذا يولد لديه إحساس بأن الآخرين يحققون النجاح بسهولة في حين يبذل هو جهدا مضنيا كي يصل إلي النجاح نفسه!
لقد صار صندوق إدمان العمل يسيطر علي عالم الرجال، بل أصبحت السيدات أيضا يقعن في براثن هذا الصندوق، فهم يعتقدون أنهم يؤدون واجبهم تجاه أسرتهم عن طريق تلبية احتياجاتهم المادية، فالعصر الذي نعيشه أصبح يعطي الكثير لمن يعيش علي هذا النمط العملي، بل يكافئ من يكرس معظم وقته للحياة المهنية، فالمؤسسات الكبري لديها قدرة القضاء علي القيم الثقافية والأخلاقية لدعم مذهب الحياة المادية والتنافسية.
والحق أن صندوقي الكمال وإتقان العمل مثل الصناديق الأخري، لهما أهمية وتأثير إيجابي كبير علي حياتنا، لكن حينما يتضخم يتحول إلي وحش يبتلعنا، فهناك اختلاف كبير بين أن تؤدي عملك بكفاءة واتقان، وأن تكون شخصا ساعيا إلي الوصول إلي حد الكمال، لأن ذلك يمكن أن يؤثر علي عملك وعلاقاتك الاجتماعية وقبلهما علي صحتك النفسية والبدنية، لذا دعوني أسأل: ماذا يحدث إذا سمحت لنفسك بالفشل ولومرة واحدة؟! وما هومقابل العيش داخل صندوق إدمان العمل ؟! الإجابة ببساطة إننا نحرم أنفسنا من الأوقات الرائعة التي كان يمكن أن نقضيها في الحياة.
والواقع أنك لست وحدك عزيزي القارئ من يدور في دائرة العمل المفرغة، فقد أصبحنا في أمس الحاجة لكل قرش يمكن أن نحصل عليه في عصرنا الحالي، وهذا ما يدفعنا لبذل جهد مضني، ولكن أعلم أن صندوق إدمان العمل شرك قاتل يمكن تجنبه إذا تعرفنا عليه، وأن الفشل ليس نهاية العالم، وأننا نتعلم الكثير من الدروس القيمة عند الوقوع في الأخطاء، وأن علينا أن نتقبل سلوك الآخر كجزء طبيعي في الذات البشرية، وندرك الوقت الذي تصبح فيه جدران "صندوق الكمال" مانعة من الوصول إلي أقصي درجات الاستمتاع بالحياة، فهذا هوالحل الذي يعطيك القدرة علي أن تصبح أعظم شخص يمكن أن تتخيله!
وبغض النظر عما يحاول أصحاب العمل إقناعنا به، علينا تذكر أننا جميعا معرضون للاستبدال ولا يستثني منا أحد، فلا تخدع نفسك وراجع أولوياتك، وضع صحتك وحياتك الشخصية في مقدمة هذه الأولويات، لأن رؤساءك يعرفون جيدا كيف يستفيدون منك لمصلحتهم !!ّ