يوم الإثنين الماضي كانت المناسبة الأولي، عندما أقام المجلس الأعلي للثقافة ندوة تكريمية للدكتور صلاح فضل وكاتب هذه السطور بمناسبة حصولهما علي جائزة سلطان العويس لهذا العام. الأول حصل عليها في النقد الأدبي. والثاني في القصة والرواية.
يوم الخميس الماضي كانت المناسبة الثانية عندما جري تنظيم وقفة حزينة بالشموع وأعلام مصر وأعلام شركة مصر للطيران حزناً علي شهداء الطائرة المصرية التي هوت من عنان السماء إلي باطن البحر قبل يوم الوقفة بأسبوع واحد.
وجائزة العويس التي تعد من أهم الجوائز العربية التي تمنحها هيئة خاصة الآن، يمكن القول عنها أنها نوبل العرب. بسبب التقاليد التي تراعي فيها وسرية العمل. ويكفي أنني سافرت وحصلت علي الجائزة وتسلمتها وكان معي اثنان من لجان التحكيم. ولم أعرف ذلك إلا بعد عودتي إلي مصر. كانت معي الدكتورة وجدان الصايغ، المثقفة والناقدة العراقية التي تعيش في أمريكا. والناقد المصري الشاب شريف الجيار. ومع هذا لم أعرف أنهما من لجنة التحكيم.
المجلس الأعلي للثقافة الذي استعدناه مؤخراً بعد أن تولت أموره الدكتورة أمل الصبان. وأصبح منارة ثقافية حقيقية. وتحاول مصر أن تستعيد دورها الثقافي مرة أخري من خلال طموحها الشخصي. وقدرتها علي إدارة العمل الثقافي في الصرح الثقافي الأول في مصر. والذي أوشك أن يكون الصرح الأول في الوطن العربي كله. المجلس أقام أمسية تكريمية لنا. ومن قبل أقام احتفالية بالغة الجمال والعذوبة للدكتور محمد عبد المطلب بعد حصوله علي جائزة الملك فيصل الثقافية.
الاحتفاليات تقال فيها كلمات ذات طابع إطرائي. ومع هذا فهي ترضي الإنسان كثيراً. وتشعره أن ما قام به لم يذهب سدي. وأن وطنه مصر العظيمة ممثلة في المجلس الأعلي للثقافة قررت أن تتوقف لحظة لكي تقول له شكراً علي ما قدمته لنا خلال رحلة عمرك الثقافية.
أخشي أن أكتب عمن تحدثوا فيتوه اسم هنا أو يتواري اسم هناك. فالإنسان أتي اسمه من النسيان. وأنا لم أكن أدون أمامي - كعادتي دائماً وأبداً - كل ما يقع في هذه الليلة. لكنها ليلة ذات نكت خاصة يحتاجها الإنسان بين لحظة وأخري. وإن كنت لا بد أن أشيد بدراسة الدكتورة رشا صالح عني. وقد سبقني بلدياتي الدكتور مصطفي الفقي. وأشاد بدراسة الدكتور أحمد درويش ولم يفته أنهما - رشا صالح وأحمد درويش - زوجان. وقال بطريقته الفكهة أن منزلهما يصبح قلعة من قلاع الثقافة المصرية والعربية. وقد وصلنا لختامها تلبية لدعوة عشاء كريمة في أحد مراكب النيل الراسية في حي الزمالك من الطيار الصديق عادل الصعيدي، كبير طياري مصر للطيران وزوج زميلتنا الدكتورة أماني فؤاد. وقد شرفت في هذا العشاء بحضور الدكتورة أمل الصبان والدكتور صلاح فضل.
المناسبة الثانية ذهبت لدار الأوبرا مدعواً من الإعلامي أسامة كمال، والصديقة الدكتورة إيناس عبد الدايم. كان الهدف المشاركة في وقفة حزينة لكي نقول لشهداء الطائرة وداعاً. وأننا لن ننساهم. وسنتذكرهم وسنفعل الممكن والمستحيل من أجل الوصول لحقيقة ما جري لهذه الطائرة.
لكني لحظة وصولي لدار الأوبرا عرفت من الصديق جورج إسحاق، زميلي السابق في المجلس القومي لحقوق الإنسان، قبل أن يفصلني الإخوان منه. أن عرضاً للفنون السيناوية موجود في المسرح الصغير. ما إن عرفت أن محمد فايق موجود بالداخل، حتي دخلت ناسياً الهدف الذي جئت من أجله.
والأستاذ فايق كما تعودنا أن نناديه منذ زمان عبد الناصر العظيم وحتي الآن. مجرد رؤياه والجلوس معه تريح الإنسان. وتقول له إن إحدي القيم الأساسية التي تربينا عليها ما زالت موجودة ويجب ألا نتعب أنفسنا في البحث عنها لأنها أمامنا. المهم أن نسعي لها. ومعرض فنون سيناء تذكير لنا أن تبقي سيناء حية في وجداننا وفي الذاكرة الوطنية المصرية. وألا تغيب لحظة واحدة عن بؤرة الاهتمام المصرية.
بدأت الوقفة الحزينة من الباب الخلفي للنادي الأهلي. ثم تحركنا حتي باب الأوبرا الرئيسي. وكانت هناك إجراءات أمنية مشددة. لمحت الصديق ياسر القاضي وزير الاتصالات كان حريصاً علي التواجد والفنانة المتألقة يسرا كانت هناك. لكن المهم كانت الأجيال الشابة الجديدة التي وزعت علينا الشموع والورود والأعلام. ثم اتجهنا إلي مسرح مقام أمام مسرح الهناجر لكي تلقي الكلمات في رثاء من رحلوا ووعدهم أن البحث عن حقيقة ما جري لهم سيكون شغل مصر الشاغل من الآن وحتي نعرف ماذا جري بالضبط.
في المناسبة الأولي كان هناك زملاء من نواب البرلمان من أبناء سيناء. وفي المناسبة الثانية وجدت عدداً كبيراً من الزملاء نواب البرلمان يحرصون علي الحضور ربما بصفتهم الفردية. لكنهم جميعاً يمثلون مجلس النواب المصري الآن في المناسبتين.