أسامة عجاج يكتب عن الأزمة المكتومة بين السعودية والعراق

إيران كلمة السر .. ومعركة تحرير الفلوجة وراء الخلاف

ظهور قاسم سليماني ومشاركة الحشد" الشيعي "أثار المخاوف من عمليات انتقامية من" سنة " الفلوجة

الانتصار في المعركة الأخيرة يمثل الخطوة الأهم في تحرير الموصل وإعلان العراق خالياً من داعش


العلاقات بين المملكة العربية السعودية والعراق دائماً في حالة توتر وتتسم بعدم الاستقرار رغم الجهود التي تبذل من الجانبين علي المستوي الحكومي علي الأقل لخلق أجواء طبيعية بين الرياض وبغداد آخر عوامل التوتر والأزمات يدور حول تحرير مدينة الفلوجة من تنظيم داعش المنطق والعقل يقول أن السعودية باعتبارها من أوائل الدول التي سعت مع أمريكا لتشكيل التحالف الدولي ضد داعش واستضافت بالفعل في مدينة جدة في سبتمبر من العام ٢٠١٤.

حيث تم الإعلان عن ذلك التحالف وبدء عمله ستكون في مقدمة المرحبين ببدء عملية تحرير مدينة الفلوجة وهو ما حدث بالفعل ولكن تطورات الأحداث أثارت مخاوف الرياض ومعها الأمم المتحدة وكثير من عواصم العالم حول مصير سكان المدينة الذين يعانون من الوقوع بين براثن تنظيم داعش الإرهابي وبين محاولات إيران عبر ميلشيات الحشد الشعبي التي تدعمها طهران الدخول علي عمليات التحرير ومحاولة الانتقام من سكانها وكلهم من السنة العرب.

مظاهر الأزمة متعددة لا تخطئها العين ومن ذلك استقبال وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي للسفير السعودي في بغداد ثامر السبهان وتأكيد الوزير علي مواجهة العراق والعراقيين لتنظيم داعش وفكره المتطرف إنما يدافعون عن أمن المنطقة العربية والشرق الأوسط واستقراره وحماية المصالح الحيوية لدولها.

بينما أشار السفير إلي وقوف مسافة واحدة من القوي السياسة العراقية واستعدادها لإقامة أفضل العلاقات مع العراق في المجالات كافة لقد كان اللقاء هو قمة جبل الجليد والتي ظهرت توابعها في تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مؤخراً عندما سئل عن وجود قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في العراق وظهور صوره في موقع قريب من الفلوجة والإشارة إلي دوره في الإشراف علي عملية تحرير الفلوجة بالتعاون مع قادة الحشد الشعبي قال الجبير "أن الوجود الإيراني في العراق غير مقبول بأي شكل من الأشكال منها إرسال ميلشيات شيعية أو تدريبها لتلعب دورا طائفيا في العراق بدعوة او بدون دعوة".

وأضاف: "علي إيران ان تكف أيديها عن العراق وتنسحب منه لان طهران وراء التوتر والانقسام والسياسات الطائفية هناك " وقد رد مجلس الوزراء العراقي بشكل غير مباشر علي تلك التصريحات والمواقف القلقة مما يجري في الفلوجة والخوف علي مصير أهلها من السنة ومنها ما صدر عن واشنطن ذاتها التي أعربت عن قلقها من وجود قوات الحشد الشعبي الشيعية ومحاولات القيام بعمليات تصفية وتطهير للمدنيين في الفلوجة وطالب مجلس الوزراء في بيان له منذ يومين جميع الدول باحترام سياسات العراق وعدم التدخل في شئونه الداخلية.

واعتبر أن الفلوجة مدينة عراقية ونحن احرص عليها وعلي أهلها كما طالب بعض وسائل الإعلام العربية بالكف عن سياسة التحريض علي الفتنة ونقل صور وأخبار غير صحيحة فالقران الأمنية وتوجهات القائد العام للقوات المسلحة كلها تصل باتجاه حماية المدنيين وتحرير أهالي الفلوجة من عصابات داعش.

ودعونا نشير إلي حقيقة مهمة ، أن عملية التحرير التي بدأت منذ أيام ، متأخرة بعض الوقت ، ستكون علامة بارزة علي مستقبل العراق ووحدته وتماسكه، صحيح أنها ليست المرة الأولي التي تنجح القوات العراقية مدعومة بالحشد الشعبي، مستفيدة من خبرات وإمكانيات التحالف الدولي، الذي شكلته الولايات المتحدة الأمريكية منذ سبتمبر ٢٠١٤، فقد تمكنت من تحرير مدن تكريت والرمادي ، ويبجي وصلاح الدين وسنجار وسد الموصل وكركوك، إلا أن معركة الفلوجة تبدو مختلفة إلي حد كبير، لطبيعة سكان المدينة، فهي ذات أغلبية سنية مطلقة، كما عليه الحال بالنسبة إلي مدن شيعية تماماً، كالنجف وكربلاء، وبها اكبر عدد من المساجد بالقياس الي مساحتها وعدد سكانها.

ويصل العدد إلي ٥٠٠ مسجدا مع تعداد السكان لا يتجاوز ١٢٠ ألف نسمة، ولهذا فقد عرفت بتدينها وزهد شيوخها وكرامتهم، كما كانت الفلوجة هي العنوان الأبرز في أول مقاومة عراقية ضد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام ٢٠٠٣ ،والخوف كل الخوف ان يتعرض سكانها إلي عمليات انتقامية للأسباب السابقة، من كلا من قوات التحالف الدولي ومن قوات الحشد الشعبي، كما حدث في مناطق آخري بالعراق، عندما ساهمت قوات الحشد في عملية التحرير، وآخرها ما جري في تكريت والمقدادية، حيث شهدت عمليات قتل للمدنيين علي أساس طائفي، وحرق لمنازل السنة، وتهجير من مناطقهم، مما أثار استياء دولي وعربي كبير في حينه.

وقد شهدت الأيام الماضية محاولات عديدة لإضفاء بعد طائفي علي معارك الفلوجة رغم الاتفاق علي قصر المشاركة في عملية تحريرها علي قوات الجيش العراقي، وجهاز مكافحة الإرهاب والقوات الجوية والشرطة الاتحادية بمساندة المقاتلين السنة من العشائر، ويقال أن عددهم يصل إلي ٤ الألف من بين ٢٠ إلي ٣٣ ألف من القوات المشاركة في عملية التحرير، ويؤيد ذلك تصريح الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري أحد أبرز قيادات الحشد الشعبي، عندما تعهد بعدم دخول المدينة والمساهمة فقط في عمليات الحصار من الخارج، وهو نفس التوجه الذي أعلنه التحالف الدولي، علي لسان المتحدث باسمه، عندما أشار إلي ميلشيات الحشد الشعبي لن يكون لهم دور قتالي في العمليات، وسيبقوا خارج أسوار المدينة، ولن يدخلوها أبدا، والأمر قاصر علي القوات الحكومية والمقاتلين السنة . وعلي عكس ذلك تأتي هناك مؤشرات غير مريحة تتناقض مع ذلك التوجه وقد ذكرت مصادر أمريكية أن هناك ما يصل إلي ٢٠ ألف مقاتل من المليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني حول مدينة الفلوجة والكرمة وأماكن آخري ومنهم عناصر عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي ونتوقف عند بعض المؤشرات التي تثير القلق وهي :

أولا: تصريحات نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون، الذي دعي عناصر ميلشيات الحشد الشعبي، إلي المشاركة في عملية استعادة المدينة، وزيادة زخم العملية العسكرية، بل وطالب بتكثيف القصف العشوائي العنيف ، دون أي اعتبار لوجود أكثر من ٩٠ ألف من المدنيين، تتعامل معهم داعش باعتبارهم دروع بشرية.

ثانيا : ظهور صور لسليماني مع هادي العامري وأبو مهدي المهندس وهما من ابرز قادة قيادات الحشد الشعبي وهو يتداسون خريطة العمليات أمامهم ودائما ما تقول الحكومة أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري يقدم استشارات عسكرية ولكنه يظهر مع كل عملية عسكرية يخوضها قوات الحشد الشعبي.

ثالثا : قيام قيادات شيعية ومنها نوري المالكي وعمار الحكيم، بالإضافة الي قادة الحشد الشعبي مركز عمليات عملية تحرير الفلوجة وان كان رئيس الوزراء حيدر العبادي حاول التخفيف من آثار تلك الزيارة بآخري قام بها لمركز العمليات وأصطحب معه رئيس البرلمان سليم الجبوري وهو من رموز السنة ورئيس ديوان الوقف السني عبد اللطيف الهميم.

رابعا: قدرة البرلمان العراقي علي عقد جلسة تم تأمين النصاب القانوني لها رغم الخلافات بين المجموعات السياسية تم تخصيصها لمناقشة الانتهاكات التي تم ارتكابها في بلدة الكرمة القريبة من الفلوجة ومنها عمليات انتقام وتفجير مساجد ونشر شعارات طائفية خلال المعارك التي يشارك فيها الحشد الشعبي ومنها رفع صور نمر النمر السعودي الشيعي الذي تم إعدامه بحكم من القضاء السعودي منذ أسهر مما دعي احمد المساري رئيس تحالف القوي العراقية الممثل الأكبر للسنة في العراق إلي انتقاد رفع تلك الصور متسائلا ما علاقتنا في العراق بكل هذا وبنمر النمر واعتبر أن ما حدث هو استفزاز طائفي.

خامسا: المعاناة المزدوجة لأهل الفلوجة ، في ظل مخاوف من عمليات إبادة وتصفية من الجانبين، من داعش بعد تضيق الخناق علي التنظيم هناك، ومن جهة آخري من إصرار المليشيات الشيعية المتطرفة علي المشاركة بجانب القوات العراقية الرسمية، أو البحث عن دور في تلك المعركة، ومن ذلك المساهمة في عمليات محاصرة المدينة، واستلام الرجال الفارين من المواجهات مع أسرهم، والتحقيق معهم وهناك حالات بالعشرات خلال الأيام الماضية .

الواقع علي الأرض يقول أن سياسية التحالف الدولي ضد داعش تحقق إنجازات وانتصارات، رغم الأزمة السياسية والاقتصادية التي يعشها العراق، حيث تعاني أجهزة الدولة من رئاسة وزارة وبرلمان من حصار محتجين، يطالبون بحملة حقيقية علي الفساد المستشري في العراق، ودعوة إلي إقالة الحكومة، وتعيين بديلا عنها من التكنوقراط، والدور الأكبر في هذا الخصوص يقوم به عناصر تنتمي إلي تيار الزعيم الشيعي مقتدي الصدر، وبعض التيارات الليبرالية، ونخب سياسية مترددة وتفتقد القدرة علي حسم أمرها، في ضرورة التخلي عن نظام التقاسم الطائفي، الذي كرسه العدوان الأمريكي علي العراق في عام ٢٠٠٣، كما انه لا أحد ينكر أن العمليات العسكرية تتسم بالبطء، إلا أنها نجحت في استعادة اقل من نصف المساحة التي سبق لتنظيم داعش ان سيطر عليها في العراق، ومنها مدن مهمة مثل تكريت والرمادي، وفي المنطقة الكردية، وحوالي ١٦ بالمائة من المساحات التي سيطر عليها التنظيم في سوريا، من خلال أكثر من ٨ الآلاف طلعة جوية.

نجاح عملية استعادة الفلوجة اعتمادا علي رجال العشائر السنية، ستجعل من الهدف الأكبر هو تحرير الموصل عاصمة تنظيم داعش في العراق، أمرا ميسورا وسهلا، ليتم إعلان العراق خالياً من تنظيم داعش ، خاصة الحشد العشائري من أبناء الفلوجة، قادر علي إدارة الأمور في اليوم التالي لنهاية وجود داعش في المدينة، كما انه يمثل رسالة واضحة، علي عدم صحة ما تم تريده طوال الفترة الماضية، أن التنظيم وجد في الفلوجة حاضنة شعبية له، نتيجة المعاناة الشديدة والتهميش الطويل الذي عاشه أهالي الفلوجة، مما خلق تربة خصبة للنمو من جهة ، وانضمام الكثير من أهلها للتنظيم.

كما أنها قد تكون فرصة لاكتساب السنة مزيد من الثقة، في قدرتهم علي الدفاع عن مناطقهم، وإنهاء مشاعر المظلومية لدي الطائفة السنية في العراق، التي تستشري لأسباب عديدة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، كما أنها ستمنع عمليات تجنيد عناصر من أهلها في الانضمام إلي داعش، نتيجة الشعور بالتهميش، أو التعرض لعمليات انتقامية من قبل الحشد الشعبي، كل ذلك قد يصب باتجاه عراق موحد، لا تفرقة فيه علي أساس المذهب أو العرق.