كان لي صديق مصرفي كبير بأحوال الجنيه والدولار خبير، ولأنه يسكن بعيدا عني اتصلت به عبر الأثير فالمسافة بيننا مشوار وما يشغلني خطير لا يحتمل الانتظار، فركنني علي السماعة وطال الانتظار طوال النهار ثم رفع السماعة وبدا متعجلا وكأنه مسافر يريد اللحاق بالمطار، وقال لي من فضلك تكلم باختصار، فسألته عن أحوال عملتنا البهية التي ضعفت واستكانت أمام عملة العم سام الشقية، فتخيلته وقد تغيرت ملامحه في التو والحال، وتقمص دور ملك الطرب والموال الراحل شفيق جلال، ثم وضع كفيه وراء أذنيه ودندن وقال: يا خسارة الجنيه لما تبهدله الأيام، يصفر لونه ويبقي عبرة للأيام، دولار قال للجنيه تعالي عندنا خدام، تاكل وتشرب وتبقي من زمرة الخدام، ضحك الجنيه وقال عجبي عليك يا زمان، حوجتني لليورو وإللي مالوش أمان، أنا أقعد فوق خزاين بنك عالي ياكلوني وزراء وبتوع البيزنيسمان، ولا يقولوش الجنيه عند الدولار خدام!
قلت لصديقي المصرفي الكبير دعك من الحكاوي والتنظير فأنا في شئون الطرب والأغاني فقير، لقد تناولت في الإفطار عسل وفطير ولا أريد للبرج إللي فاضل في نافوخي أن يطير، فقل لي قولا صادقا بدون فلسفة وتقعير، هل الأمر جد خطير ولماذا تعتبرون الشعب مجرد جاهل وفقير ليس له في العير ولا في النفير وهل صحيح أنكم تجتمعون في المغارة كل ليلة مع المحافظ الكبير علشان تطبعولنا فلوس وورق نقدية كتير؟ وإلي متي سيظل الجنيه علي هذا الحال، لقد اصابتنا الحيرة في الحل والترحال فأرجوك دبرني يا صاحب الموال، فإلي متي الصبر ياخال؟ فقال:بمناسبة الصبر فكرتني خذ هذه الكلمات مني:أنا بعلم الجنيه يصبر علي غدر دولار جارنا، وباقول يا جنيه صبرك عليه حتي ييجي يوم جارنا، إن كان غيرنا حلي واحنا إللي مررنا، الله يهون عليهم واحنا يصبرنا، قال يا دينار خانونا الحبايب واحنا لم خنا، قال يا لمونة بجنيه لامونا الحبايب واحنا ما لمنا، قال يا رزمة مشمش مشينا في بنوكهم وإللي مشيوا هم، قال يا أستك نبق نبقي علي عيش وملح كان يوم بينا، قال يا باكو نخل اخلي ما كان واسمع ما كان بينا، يا عود ريحان ريح قلوب سابق ريحوك هم، يا تمر حنة رحنا وراحت مراحلنا، أنا ندر عليا يا دولار لو عدنا كما كنا، أنا لازوقك يا دولار بالورد والحنة، واجيب اوباما قصاد عيني يشاهد البنا، يا قلبي اصبر دول آخر عشرتك هم!
قلت لصديقي: يا فيلسوف البنوك سيبك من إللي فات، ومتكلمنيش عن حال الجنيه في سلة العملات، بعد ما تدهور حاله ومبقاش يجيب ربطة جرجير من سوق التلات، أنا عايزك دلوقتي تديني وصفة من سكات، وبلاش تلاعبني حاوريني يا كيكة والثعلب فات فات، أنا ورايا زوجة وخمس بنات مفيش علي لسانهم غير هات هات، فقال بلاها لحمة يا صاحبي وعيشوا علي النبات، وإن هفك الشوق تحلي كفاية غزل بنات ولو نفسك هفت علي البروتينات هاتلك شوية بانيه ولا تلات أربع فرخات، فقلت: هو انت عايش معانا ولا بقيت من الأموات؟ يعني منتاش عارف ان البانيه بقي من رابع المستحيلات ودخوله البيت ممنوع وكأنه محرمات ، ده انا مرتبي بحاله ما يجبش خمس كيلوهات، فألقي الرجل بالسماعة وأغلق كل التليفونات وترك علي الانسر رسالة من خمس كلمات «صاحب هذا التليفون طق مات»!
عدت لزوجتي إيد ورا وإيد قدام فقالت ساخرة: ياما جاب الغراب لامه ياسي هشام، فين البانيه ولا الفراخ يا سي السيد فقلت:عند بدرية السيد ورحت أنشدها: طلعت فوق السطوح أنده علي طيري لقيت طيري بيشرب من قنا غيري، زعقت بعزم ما بي وقلت يا طيري، قالي زمانك مضي دور علي غيري! ورغم صوتي الشجي الحنون إلا أن زوجتي قالت لبناتها : تعالوا اتفرجوا علي ابوكم المجنون!