لم يكن الاقتصادي الراحل طلعت حرب، يتخيل أن إنشاءه شركة مصر للمستحضرات عام 1939، كأول مصنع للدواء في الوطن العربي وأفريقيا، ضمن استراتيجية مصرية طموحة لترسيخ وتنمية هذه الصناعة، سوف تنتهي إلي الوضع المزري الذي نشهده حاليا. شركات خاسرة لا توفر سوي 19% فقط من احتياجات المريض المصري. حدث هذا بسبب السياسات الخاطئة طوال العقود الماضية، سواء في عدم التعامل مع صناعة الدواء بأساليب اقتصادية سليمة، أو عدم مواكبة الشركة القابضة للأدوية وشركاتها التابعة، وعددها 11 شركة، التطورات التقنية في صناعة الدواء. ناهيك عن إفساح المجال للقطاع الخاص لاقتحام مجال إنتاج الدواء دون ضوابط، مع الإهمال الممنهج للشركات الحكومية، حتي باتت عاجزة عن إنتاج الأدوية البسيطة. تصورت الحكومة مؤخرا أن رفع أسعار الأدوية، خاصة تلك التي تنتجها الشركات العامة، هو المخرج الوحيد لأزمة تلك الشركات العريقة. لكنني أري أن رفع الأسعار مجرد علاج سهل موجع ولن يمتد مفعوله طويلا، إلا إذا كانت الحكومة عازمة علي تكرار رفع الأسعار، بين فترة وأخري، علي طريقة الكهرباء والغاز والبنزين وهو ما يعد مغامرة غير محسوبة العواقب. الأمر يقتضي وضع استراتيجية واضحة لصناعة الدواء في مصر، تتضمن هيكلة حقيقية للشركات الحكومية. وإنشاء مجلس أعلي للدواء يحدد أولويات الصناعة وتشجيع إنتاج المواد التي يتم استيراد 85% منها حاليا من الخارج، وإعادة العمل بنظام التسعير القديم بما يكفل تحقيق الشركات نسب أرباح معقولة، دون الارتباط بالأسعار العالمية وتقلبات سعر الدولار، مع التزامها بتوفير الأدوية، بدلا من سياسات التعطيش ولي الذراع التي يتبعها البعض لرفع الأسعار، وتوقيع عقوبات مادية رادعة ضد المخالفين. حينئذ سيكون العلاج وتطور الصناعة ممتد المفعول إلي الأبد.