نظرية المؤامرة واحدة من التفسيرات التي يستسهل العقل العربي عموما والمصري علي وجه الخصوص استخدامها من أجل تبرير مريح لما يتعرض له من أزمات دون تحليل منطقي أو وضعها في سياقها الطبيعي.. وبداية لابد من التأكيد علي أن التآمر كان ولا يزال جزءا من حركة التاريخ، فإنكاره ليس بالأمر الصائب، وكذلك فإن المبالغة في استخدامه، ورد كل أزمة إلي وجود مؤامرة دون البحث عن مكمن الخطأ أو التقصير هو نوع من الكسل والجمود وتغييب العقل، بل لا أبالغ إذا قلت إن الإيمان الأعمي بنظرية المؤامرة أخطر من المؤامرة ذاتها.
المؤامرات كانت ولا تزال واحدة من آليات الصراع في العلاقات الدولية، فكل دولة لها مصالح، ومن أجل حماية مصالحها عليها أن تتفق مع حلفاء من أجل الإضرار بالخصوم، وهذا هو أبسط تعريف للمؤامرة، لكن في المقابل علينا أن ندرك أنه في مقابل كل مؤامرة هناك تقصير، ومع كل متآمر هناك غافل أو مقصّر أو حتي خائن يمكنّه من تنفيذ أغراضه، لذلك فإن المبالغة في تفسير كل مشكلات حياتنا وردها إلي المؤامرة هي في حد ذاتها حكم بالإدانة علي أنفسنا، لأننا استسلمنا لما أراده اعداؤنا لنا، ولم يقم من يفترض أن يتصدوا لتلك المؤامرة بواجبهم في كشف المتآمرين واتخاذ ما يلزم من الإجراءات المضادة.
والحقيقة أنني أتابع بانزعاج تلك المبالغات التي ألحظها في التحليلات السياسية والإعلامية وحتي لدي القطاعات العريضة من الرأي العام بشأن المؤامرات التي تحاك لمصر في السنوات الأخيرة، صحيح أن مصر بما لها من ثقل جغرافي واستراتيجي وتاريخي محط أنظار الكثير من القوي الإقليمية والدولية ذات المصالح المتشعبة والمتعارضة أحيانا، ووجود مصر قوية ذات دور إقليمي نشط يربك حسابات كثيرين ممن يريدون أن تبقي مصر أسيرة مشكلاتها، فلا هي تغرق، ولا هي تستفيق وتنهض لتقود المنطقة، وصحيح أيضا أن حجم الأحداث التي تعرضت لها البلاد في السنوات الأخيرة أكبر من أن نحيط بجميع تفاصيله وأبعاده، لكن في المقابل علينا أن نسأل أنفسنا سؤالا واضحا: منذ متي لم تكن هناك مؤامرات ضد مصر وشعبها؟
والحقيقة أن مصر والمنطقة العربية كلها كانت منذ أقدم العصور مطمعا لكل القوي الكبري في التاريخ علي مر عصوره، من فرس ورومان وبطالمة وحتي عثمانيين وإنجليز وفرنسيين وإيطاليين وأسبان وغيرهم، لكن في المقابل لا بد أن نسأل أنفسنا سؤالا آخر: وماذا فعلنا نحن في مواجهة كل هؤلاء؟
الإجابة هي أننا لم نستسلم لتآمرهم، بل واصلنا سيرنا علي طريق البقاء، ننجح أحيانا، وننكفئ أحيانا أخري، وقد علمتنا الأحداث الكبري أن قدرة الأمم علي البقاء والصمود لا تقاس بكم الدموع عند الانكسارات، أو ارتفاع الشكوي في وجه الأزمات، وإنما بمدي قدرة تلك الأمم علي القيام من عثرتها، وإصلاح ما وقعت فيه من أخطاء جعلتها تسقط في الشرك الذي وضعه أعداؤها لتواصل السير في الطريق الصحيح.. فالوعي والإصلاح كانا دوما سلاحنا وعلاجنا الأزلي لمواجهة مؤامراتهم داخليا وخارجيا.. وأظن أنا علينا اليوم أن نتجرع نفس الدواء للقضاء علي ذات الميكروب وإن اختلفت صفاته.. وللحديث بقية