كفار مكة من أمثال أبوجهل وأبولهب الذين حاربوا الله ورسوله كانوا أشرف ممن اقترفوا هذه الجريمة هؤلاء الأوغاد الذين حملوا امرأة مسنة عارية ولفوا بها الأزقة والشوارع بدافع الانتقام من ابنها بلا بينة.. كانوا يستحيون أن يدخلوا بيت سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم- دون استئذان أو في أوقات متأخرة من الليل.
فعند هجرة سيدنا محمد ـ إلي المدينة انتظر الكفار خارج بيته حتي يخرج لصلاة الفجر ورفضوا رأي البعض منهم باقتحام البيت حتي لا يعيروا بين العرب.. كان لهم سمة من الأخلاق رغم عدائهم له.
هذه المرأة هي أمي وأم لكل مواطن في مصر هذه شيمنا وقيمنا التي درجنا عليها.. كل مسنّة هي أمٌ نحيطها بالاحترام والإجلال. ولنسأل أنفسنا ألم يقم كل واحد منا يوما بمساعدة امرأة مسنة علي عبور الطريق مرددا كلمة حاضر يا أمي عند طلب يد المساعدة منه؟ فماذا جري؟
الحقيقة أن لدينا مخزونا من الفتنة داخل أنفسنا أعمي بصيرة البعض منا مثل مخزون الثأر الذي عاش ومازال بين جنبات أهلنا في الصعيد ومازالت أحداثه نعيشها حتي الآن مثل الدابودية والهلالية.
ورغم قسوة الثأر إلا أنه لا يعتدي علي حرمة المرأة ويرفض أصحاب الثأر أخذه من المرأة بل يصبح ذلك معيرة لهم بين أهاليهم.
إذن ماذا حدث في نفس هذه الفئة الضالة حتي يأخذوا ثأرهم بهذه الطريقة البشعة؟ لماذا خلعوا رداء الحياء عن أنفسهم في لحظة إجرام دنيء؟
من صور لهم ارتكاب هذه الفعلة الآثمة في الدنيا والآخرة؟
لا يكفي ما قامت به الدولة وأجهزتها من تطييب خاطر السيدة واتخاذ جميع الإجراءات القانونية بسرعة ضبط وإحضار المتهمين السفلة وتقديمهم للمحاكمة العاجلة حتي ينالوا جزاءهم وليكن الجزاء رادعا مثل ما تم العمل به مع من حاولوا اغتصاب سيدة التحرير.
أقول لا تكفي تلك الإجراءات وإظهار المشاعر الطيبة لأن الحقيقة واضحة أننا لم نقض علي مخزون النعرة الطائفية ونكتفي بإخماد الفتن بمجالس الصلح دون رغبة حقيقية بين أصحاب الحدث الطائفي أو القبلي أو العائلي وهذا ما يؤجج النيران مرة أخري فهي نار تحت الرماد يأتي عليها كل حين من يسكب حقده وكراهيته للآخر فتشتعل بوهج أكبر.
نعلم أن هناك أناسا لا يرضون لهذا البلد أمنا واستقراراً في الداخل والخارج وهم يسعون ليشتموا رائحة دخان يبث العنف والكراهية بين الناس في المجتمع فيتحركون بسرعة البرق يوسوسون في آذانهم بالشر في الانتقام وارتكاب حماقات لم يفعلها آباؤهم من قبل أو ذووهم.. بل وتنكرها تقاليدهم.
الأمر أكبر من حادث بين مسلم ومسيحي وما أكثر هذه الأحداث فالخلافات بين الناس أمر محتمل الحدوث بين الحين والآخر ولكن غياب القانون الصارم العاجل الذي يقضي علي هذه الأحداث قبل أن يزداد لهيبها بالقضاء العادل الذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي أو أي معتقدات أرضية يعتنقها بعض الناس.
ولنا في القاضي شرحبيل الذي حكم بدرع سيدنا علي بن أبي طالب لليهودي لأن سيدنا علي لم يستطع أن يقدم دليلا أو شاهدا علي أنه درعه سوي ابنه الحسن ولا تجوز شهادة الأقارب، القاضي لم يقل في نفسه هذا مسلم فانصره علي اليهودي.. بل حكم بين الناس بالعدل والقانون.. هذه هي الحقيقة الغائبة أن يكون الحكم بين الناس وليس بين الأديان ولكن في زماننا هذا تعرت الحقيقة وتلطخت بالخزي ولم تعد مجردة عارية تماما من الهوي النفسي أو الطائفي