«.. وإذ فجأة يهب واقفا ناظرا إلي الكرسي الذي يجلس عليه، هذا جمرة نار، لا أحد يحتمل الجلوس علي جمر النار!!»
غادر المستشار عدلي منصور موقعه في المحكمة الدستورية، ولكن لم يغادر موقعه في القلوب التي التفت من حوله رئيساً مؤقتا للبلاد في فترة هي الأصعب في تاريخ مصر والمصريين.
ارتقي موقعه بجسارة رجل شجاع، وبجدارة رجل دولة، وباحترام وتقدير لإرادة أمة خلعت الحكم الإخواني البغيض في ليلة لاتزال تشكل حياة المصريين.
الرجال مواقف، ووقفة الرئيس منصور ليلة 30 يونيو وسط رجالات مصر الأوفياء كانت لها أعظم الأثر في إنجاح خارطة الطريق التي رسمها شباب هذا الشعب لمستقبله.
أمسك بدفة السفينة في بحر متلاطم الأمواج، وأحسن قيادتها بخبرة السنين، ومرق بها من غائلة العواصف والأنواء، وسلم الأمانة كاملة غير منقوصة، وعاد إلي « قلايته « في المحكمة الدستورية، راهبا زاهدا مستغنيا غير طامع في مكسب، وغير حانث بقسم، أدي الْأَمَانَةَ.
حتي وهو في سدة الحكم، لم يطمع في المزيد، وفي ليلة طيبة في قصر «بيان» الاميري بدولة الكويت، وكنا جلوسا في حضرته، قال قانعا «لقد أديت الأمانة إلي أهلها».. نافيا رغبته في الترشح للرئاسة، أو مطمع في حكم البلاد.
ونحن جلوس، إذ فجأة يهب واقفا ناظرا إلي الكرسي الذي يجلس عليه، هذا جمرة نار، لا أحد يحتمل الجلوس علي جمر النار، من ذا الذي يطمع في هذا الشقاء ويرغب في المزيد، ولولا نداء الوطن، وإجماع الأمة ما كنت قبلت، قبلتها قربي إلي الله، ومن بعده وفاء بالقسم، أن أرعي مصالح هذا الشعب الصابر.
الرئيس منصور ليس جملة اعتراضية في حكم مصر، بل جملة لها رنين الذهب الخالص، له من اسمه الكثير، فهوعادل في حكمه، ومنصور من الله سبحانه وتعالي، ومرت سنة حكمه رغم قسوتها، برداً وسلاما علي البلاد والعباد، وكتب اسمه في تاريخ المحروسة حارسا أمينا علي أغلي اسم في الوجود.
عمدة بين الرجال، صموت نادر الكلام، قليل الظهور، لا يحب الأضواء، سمت القاضي ووقاره، وحكمة السنين، ترسم شخصية رجل من زمن ماض، بكل مناقب هؤلاء الرجال من الإيثار، واحترام، وكمال إنساني نادر، ولا أنسي يوم خاطبته كاتبا : « ابتسم سيادة الرئيس»، لماذا كل هذه الصرامة وتقطيب الجبين، قابلني بابتسامة أب، معتذرا عن العبوس، هموم الدولة المصرية أثقلت كاهله، ووعد بالابتسام في زمن العبوس.
لحظة خروجه إلي المعاش من رئاسة المحكمة الدستورية يوم تمناه وانتظره الرئيس منصور الذي كان يتوق للجلوس بين أولاده وأحفاده، ترتسم علي وجهه ابتسامة خجول، سأعود إلي أسرتي الصغيرة في قلب الأسرة المصرية الكبيرة، كان يحن إلي الراحة بعد طول عناء.
لا أعرف وجهته تحديدا، ولكن مثل هذه الجواهر النادرة لا تخرج هكذا من الحياة، المعاش خروج العاديين، الرئيس منصور استثناء، ويقينا سيتم استثمار الرجل والقيمة والقامة والتاريخ في موقع يليق.
أتخيل أن المجلس الرئاسي الاستشاري يحتاج إلي خبرة وعلم وقيمة المستشار الجليل، أعرف أنه عازف، ولكن مثل هذه القامات النادرة لها مكان في عقل وقلب رجل يقدر الرجال، الرئيس السيسي يُنزِل الرجال منازلهم، وللرجل في قلب وعقل السيسي مكان، ويجله ويقدره حق قدره.