< « حق توفير المسكن الصحى الآدمى لكل مواطن أهم كثيرا من أى حق آخر» <
كل سنة وأنتم طيبون.. الحمد لله الذى بلغنا رمضان هذا العام.. والله ندعو بأن يلهمنا فيه الطاعة ويمنحنا فيه المغفرة والعتق من النار.. شهر رمضان فرصة لكل عباد الله كى يتخلصوا من ذنوبهم وخطاياهم.. فرصة مجانية للتوبة والنجاة.. منحة من الله يمنحها لنا فى كل عام.. لنراجع أنفسنا.. ونقوم أعمالنا.. ونتطهر من قلوبنا كما نطهر أجسادنا وثيابنا لنخرج منه كما ولدتنا أمهاتنا.. الفرصة واضحة وصريحة وبسيطة يصورها لنا الحديث الشريف الذى يقول : قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم : « أُعْطِيَتْ أُمَّتى فى شَهْرِ رمضان خَمْساً لم يُعْطَهُنَّ من قبلى أحد.. أما الأولى : فإنه إذا كان أولُ ليلةِ نظر الله إليهم، ومن نظر الله إليه لم يُعَذِّبْهُ أبداً، وأما الثانية : فإِن خَلُوفَ أفواههم حين يُمْسُّونَ أطيب عند الله من ريح المسك، وأما الثالثة : فإن الملائكة تستغفر لهم فى كل يوم وليلة، وأما الرابعة : فإن الله عز وجل يأمر جنَّته، يقول : استعدِّى وتزيَّنى لعبادى أوشك أن يستريحوا من نصب الدنيا وآذاها إلى دارى وكرامتى، وأما الخامسة : فإذا كان آخر ليلة غفر لهم جميعاً «.
هل هناك فرصة أفضل من ذلك.. دعوة مجانية لنيل رضا وعفو ومغفرة الله.. فلابد أن نكون مستعدين لها.. وحريصين عليها.
رمضان الرمضاء
هجم الحر علينا فجأة قبل أسبوع من شهر رمضان.. وبلغت فى بعض الأيام درجات لا تحتمل.. كان الله فى عون من لا يمتلك جهاز تكييف فى بيته أو عمله.. وكان فى عون كل من أجبره عمله على أن يقضى نهار رمضان فى الشارع.
وحتى لا نتوه بعيدا.. فان الأصل فى تسمية شهر رمضان بهذا الاسم هو أنه كان - وقت تسمية الشهور- أكثرها ارتفاعا للحرارة وجاءت التسمية من الرمضاء أو الرمال شديدة السخونة.. وهناك المثل العربى القديم الذى يعبر وجود خيارين كلاهما أصعب من الآخر : كالمستجير من النار بالرمضاء.
لم يكن «رمضان» يعرف بهذا الاسم فى الجاهلية الأولى، مثله كسائر الشهور القمرية الأخرى، ففى اللغة القديمة، لغة العرب العاربة، عاد وثمود وغيرهما، كان يسمى «تاتل»، ومعناها شخص يغترف الماء من بئر أو عين، وهذا يدل - كما يقول محمود الفلكى - على أن هذا الشهر كان من شهور الشتاء كما يدل عليه اسم آخر له، هو «زاهر»، وقيل فى هذه التسمية: إن هلاله كان يوافق مجيئه وقت ازدهار النبات عند العرب فى البادية فى الجاهلية الأولى، ولا يكون الزرع مزدهرًا إلا إذا وجد المطر.
ثم تغيرت أسماء الشهور القمرية عند العرب المستعربة، قبل الإسلام بنحو مائتى عام، وكانت القاعدة التى وضعوا على أساسها أسماء الشهور مستمدة من واقع الظروف الاجتماعية والمناخية، تبعًا للأزمنة التى وقعت فيها هذه الشهور، حسبما اقترح «كلاب بن مرة» من سادة قريش، الذى قيل إنه صاحب تسميات الشهور القمرية بأسمائها الحالية، ومنها «رمضان»، الذى كان مجيئه وقت أن كان بدء الحر وشدته وهو ما يسمى «الرمضاء»، فسمى «رمضان».
أسمر يا أسمرات
قبل أن يكتمل عامان على تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مسئولية قيادة مصر، أضاف إلى رصيده الكبير من الإنجازات التى تحققت فى وقت قياسى مشروعا عملاقا غير مسبوق، مشروع نقل سكان أكبر وآخر وأشهر منطقة عشوائية فى مصر وهى منطقة الدويقة إلى مساكن جديدة فى منطقة الأسمرات.
المشروع الجديد هو حلم لعشرات الآلاف الذين كانوا يعيشون فى مساكن غير آدمية.. معرضون فى كل لحظة لخطر يسقط عليهم من الصخور أو يخرج إليهم من الجحور.
الرئيس السيسى نفسه يبدأ صفحة جديدة فى رصيد إنجازاته التى تحققت خلال عامين وهى صفحة تعنى الكثير عند البسطاء والمطحونين والمهمشين.. مشروع يقتحم به العشوائيات الخطرة بفكر مختلف، ليس فيه مزايدة على الغلابة ولا تهرب منهم، حرب جادة للقضاء على العشوائيات والمناطق الأكثر خطورة لإنقاذ أهلها من المصريين، وليثبت للجميع أنه يفى بالوعد الذى ألزم نفسه به بتوفير حياة كريمة تليق بالمواطن المصرى الذى يراه السيسى يستحق الكثير، ويعلن بنيّة صادقة يثق فيها الجميع أنه يسعى ليحقق له المزيد.
الأسمرات كمشروع سكنى ينتقل إليه جزء من سكان العشوائيات الخطرة بالدويقة ومنشية ناصر، ليس فقط وحدات سكنية بناها رجال القوات المسلحة، وإنما الأهم فى هذا المشروع هو المعنى الحقيقى له والذى لخصه الرئيس نفسه عندما عبر عن مشاعره، كلما شاهد صورا لسكان هذه المناطق، قال الرئيس، « هذه الصور كانت بتوجعنى، واحنا كلنا كمصريين لا يمكن أن نسمح به ولو، وصل الحال إلى أن نقتسم اللقمة فى مقابل ألا يبقى من أهلنا من يسكن هذه المناطق غير الآدمية».
كرامة أبناء مصر.. وتوفير أبسط حقوقهم هو الهدف من وراء هذا المشروع النموذج فى الخطة العاجلة التى بدأتها الحكومة بتكليف من الرئيس لإعلان مصر خالية من العشوائيات الخطرة خلال عامين فقط، أن يشعر كل مواطن ينتمى لهذا البلد أن الدولة تحفظ كرامته.. وحتى يشعر كل مواطن من قاطنى هذه المناطق أنه ليس أقل من باقى المواطنين، فالجميع مصريون لهم نفس الحقوق ونفس الاحترام، فساكن العشوائيات ليس أقل من أحد.
نحن جميعا نعلم أن المشكلة كبيرة وتحتاج جهدا غير عادى وإمكانيات ضخمة، فعدد من يقيمون فى هذه المناطق التى يقع أغلبها تحت صخور الجبال أو فى عشش أو تحت خطوط الضغط العالى يتجاوز المليون نسمة، يستحقون من الدولة ومن المجتمع المدنى أن يساعدوهم فى الانتقال من هذه المناطق والإفلات من الخطر الذى يهدد حياتهم إلى أماكن أخرى أكثر احتراما وآدمية وأمانا. الأسمرات كمنطقة متكاملة لاستيعاب أبناء العشوائيات لها ثلاث مراحل إجمالى الوحدات بها ١٨ ألفا و٤٢٠ وحدة سكنية حتى الآن، انتهت منها المرحلة الأولى والثانية لم يتبق منها إلا مرحلة التشطيب، وفى أقل من عام ستكتمل المرحلة الثالثة فى أول وأهم مشروع يتعامل مع قضية العشوائيات بشكل عملى.
دور الجمعيات الأهلية والمجتمع المدنى فى القضاء على تلك المشكلة مهم للغاية. ولهذا ناشد الرئيس الجميع أن يتكاتفوا من أجل إنجاز هذا الوعد لأهالينا ممن فرضت عليهم الظروف أن يسكنوا العشوائيات، ليس فقط الخطرة وإنما كل العشوائيات والمناطق غير المخططة، فالحل كى نصل إلى هذا الهدف بسيط وهو أن تسبق الدولة احتياجات المواطنين، فإذا كان حجم المطلوب من الوحدات السكنية مليون وحدة فى العام، فلابد أن تعمل الدولة وتساعد كل من يعمل فى هذا المجال حتى يتوافر هذا العدد ولا يجد المواطن نفسه محتاجا للجوء إلى العشوائيات.
وهنا لابد أن نؤكد على أن حق توفير المسكن الصحى الآدمى لكل مواطن أهم كثيرا من أى حق آخر.. والذى يتحدث عن حقوق الإنسان لابد أن يدرك أولويات تلك الحقوق.. ومن يتاجر بقضية حقوق الإنسان ويرتبط بمؤسسات وجمعيات عالمية أن يكون أمينا مع نفسه ومخلصا لوطنه.. وأن يراعى الله فيما يقول ويفعل.
محافظ العاصمة
واحدة من أهم وأقدم العواصم فى العالم.. وهى العاصمة البريطانية لندن.. التى كانت إلى وقت قريب تحكم أكثر من نصف العالم.. اختارت بالانتخاب محافظا لها.. يلقب هناك برئيس البلدية.. المفاجأة هى أن مسلما من أصول باكستانية هو الذى فاز فى الانتخابات.. وقتها هلل المسلمون واعتبروا فوزه انتصارا للإسلام.. لكن فوزه فى الواقع هو انتصار للغرب الذى أكد أن الكفاءة وحدها هى الطريق إلى النجاح.. وكان من الممكن أن يتحد اللندنيون ضده لمجرد أنه مسلم.. ولكنهم رأوا فيه الشخص المناسب.
بعد نجاحه.. أطلق المرشح الجمهورى المحتمل لرئاسة الولايات المتحدة دونالد ترامب واحدا من تصريحاته النارية المثيرة للجدل.. كان ترامب قد أعلن أنه سيطرد المسلمين من أمريكا ولن يسمح لمسلم بدخولها.. ولكنه استثنى المحافظ المسلم للندن صادق خان من هذا القرار.
وجاء رد خان ( ٤٥ سنة ) لاذعاً ومتناسباً تماماً مع تصريحات ترامب الطائفية والتى لاقت انتقادات واسعة على صعيد الجاليات والمنظمات المسلمة فى أمريكا والعالم. وقال خان إن خطة المرشح الرئاسى الأمريكى تعكس «رؤيته التى تتسم بالجهل بالإسلام»، وتهدّد أمن البلدين بسبب «استعداء المسلمين المعتدلين الذين يشكلون التيار الرئيسى فى الإسلام، كما يمكن أن يستغلها الإرهابيون لصالحهم».
وقال إنه لا يريد أن يكون استثناء: «هذا الأمر لا يتعلق بى وحدى، بل يخص أصدقائى وأسرتى وكل فرد يأتى من خلفية مشابهة لخلفيتى، فى أى مكان بالعالم». وشدد على أن «دونالد ترامب وهؤلاء المحيطين به يعتقدون أن القيم الغربية الليبرالية لا تتماشى مع الإسلام المعتدل، وقد أثبتت انتخابات عمدة لندن أنه على خطأ».
وبمناسبة محافظ العاصمة.. فان القاهرة ليس بها محافظ منذ نحو شهرين بعدما كلف محافظها السابق الدكتور جلال السعيد بمنصب وزير النقل الذى أخرجه الإخوان منه. منصب المحافظ مهم جدا فى أى محافظة فما بالك بالعاصمة.. وهى ما شاء الله عامرة بالمشاكل والأزمات. كان لابد من اختيار محافظ جديد فى نفس اللحظة التى انتقل فيها المحافظ إلى منصب آخر طالما أننا لم نجد وزيرا آخر للنقل.
ولكننا كالعادة نختار المسئولين بطريقة عشوائية.. ونطبق المثل الفلاحى « نعمر ساقية ونخرب طاحونة «. ومازلنا حتى الآن نقرأ لوزير التنمية المحلية تصريحا بأنه سيتم اختيار المحافظ قريبا.. رمضان كريم.
الزهر بيلعب
انتشرت فى الأيام الأخيرة أغنية جديدة أصبحنا نسمعها الآن فى كل مكان.. تعودنا خلال السنوات الماضية أن « تفرقع « أغنية لمطرب جديد تصبح هى أغنية الموسم.
«آه.. لو لعبت يا زهر».. ليست مجرد أغنية.. هى حلم كل المصريين.. الذين يجلسون على المقاهى ويحلمون بأن يلعب الزهر معهم.. فى بلاد برة.. قد يلعب الزهر مع واحد.. ولكنه واحد بيفكر ويشتغل ويعمل ليل نهار.. الذين لعب الزهر معهم فى أى دولة هم أصحاب الأفكار الجديدة المبتكرة التى ينفردون بها عن أى شخص آخر.. هناك المئات من أصحاب المليارات وهم فى العشرين أو الثلاثين من عمرهم.. لكن قبل أن يكونوا كذلك.. « طقت « فى عقولهم فكرة جديدة مختلفة عن كل الأفكار.. نجحت وأصبحت فكرة بمليارات الدولارات.. أضرب فى حداشر جنيه.
أغنيتنا المطرقعة « آه لو لعبت يا زهر « تتحدث عن فقير يشتم الفقر ويلعنه بأبيه.. ويمد يده بالسؤال إلى من يخذله ولا يحقق له رجاءه.. ويتمنى أن يصبح غنيا كى « يعمل معه الصح «.. آه لو لعبت يا زهر واتبدلت الأحوال.. وركبت أول موجة فى سكة الأموال. لأروح لأول واحد لجأت له فى سؤال.. كسر بخاطرى ساعتها ودوقنى ضيقة الحال.. واعمل معاه الصح أنا وأسنده لو مال.
الأغنية لا تدخل فى دائرة الكفر بالله كما وصفها بعض دعاة السلفيين.. ولكنها تعبر بأسلوب عفوى عن فضيلة الرد على الإساءة بالإحسان.. ولكن هذا لا يمنع من أنها تنقلنا إلى حالة من التواكل والاعتماد على ضربة حظ يحولنا من حال إلى حال.
المشكلة ليست فى الأغنية.. فهى كغيرها ستنتهى بعد أيام.. ولكن المشكلة هى أنها تجسد شخصية الشباب المصرى الجديد.. الذى ينتظر لعبة الزهر معه.. ولا يبادر هو إلى العمل ليغير من حياته ويبدل أحواله. فقر الجيوب مش عيب.. ولكن فقر العقول هو المشكلة.. وكل من سبقنا إلى سكة الأموال بالتأكيد أدرك أن العمل والابتكار هو الطريق إلى توديع الفقر.. وإذا كانت هناك استثناءات ممن سلكوا طرقا غير شرعية أو ضحكت لهم الدنيا ولعب معاهم الزهر فعلا.. فإنها ليست قاعدة أن نجلس على القهوة مع الطاولة وواحد شاى ونلعب مع الزهر.. ونتصور أن هذه هى الدنيا.
خير الدعاء
اللهم بلغنا رمضان غير فاقدين ولا مفقودين
اللهم إنا لك نعبد ولك نركع ونسجد وإياك ندعو ونحمد آمنا بك نرجو رحمتك ونخشى عذابك.. اللهم يا فارق الفرقان ومنزل القرآن.. بارك اللهم لنا وللمسلمين فى صوم شهر رمضان وأعنا فيه وفى غيره على الصيام والصلاة والقيام وعلى تلاوة القرآن، واقطع عنا حزب الشيطان وزحزحنا عن النيران، وامنن علينا بالتوبة والغفران والقبول والرضوان وحبب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.. وارزقنا صيامه وقيامه وإتمامه وقبوله وتوفنا مع الأبرار والشهداء، وصلِ على سيدنا محمد سيد الأنبياء.