دولكان عيسى المتحدث باسم مسلمى «الإيغور»
دولكان عيسى المتحدث باسم مسلمى «الإيغور»


دولكان عيسى المتحدث باسم مسلمي «الإيغور» في حوار «خاص»: الصيام «تهمة» فى تركستان الشرقية

رضوى عبداللطيف

الأربعاء، 29 يونيو 2016 - 04:14 م

عقوبة الصائم هي الضرب والسجن والطرد

 الاحتلال الصيني يراهن على الوقت ويحارب اللغة والدين

إجبار الأئمة على الرقص أمام المساجد

 إذا نظرت عزيزي القارئ في منزلك ستجد لديك حتما سبحة وفانوس رمضان وسجادة صلاة جميعها مكتوب عليها عبارة «صنع فى الصين»، ولكنك ستصاب بدهشة مصحوبة بالغضب إذا عرفت أن الصين التى تصدر لنا كل ما نحتاجه لممارسة شعائرنا الدينية  تمنع المسلمين هناك من الصلاة والصوم.

وستندهش أكثر وأكثر إذا عرفت أن هناك دولة ثانية محتلة فى العالم أقدم من  فلسطين المحتلة ،وأن الواقع الذى يعيشه سكان تركستان الشرقية الدولة الإسلامية منذ القرن الأول الهجرى  يزداد قتامة منذ أن وقعت فى أيدى الاحتلال الصينى  عام 1881 ليتعرض سكانها  المسلمون الإيغور إلى حرب إبادة شاملة ، فالأرقام تتحدث عن مقتل 60 مليون مسلم منذ بدء الاحتلال الصيني والواقع اليوم يشير إلى  أجيال هاربة تعيش فى الشتات وأقلية مضطهدة تعيش تحت سلطة الاحتلال الصيني الذى يصنفهم باعتبارهم إرهابيين ويعاقبهم بالإعدامات الجماعية.

كان يستوقفنى خبر مسلمون ممنوعون من الصوم مع بداية شهر رمضان ،وقررت أن أبحث عن الحقيقة فتحدثت مع دولكان عيسى المتحدث الرسمي للمؤتمر الإيغورى العالمي المقيم في ألمانيا والذي تعتبره الصين إرهابيا مطلوبا لأنه مواطن مسلم من تركستان الشرقية طالب بالحصول على أبسط حقوق شعبه الضائعة.

> ومن شهر رمضان المختلف لدى الإيغور بدأت الحديث مع السيد دولكان..ما حقيقة أن حكومة الصين تمنع مسلمى الإيغور من صوم  رمضان؟

ــ ليست هذه هى المرة الأولى التى تمنع فيها الصين المسلمين من صيام رمضان ومنذ سنوات طويلة والصين تفرض عددا من القيود على المسلمين . ولم تكن القضية تحظى بالاهتمام لدى الإعلام العالمى قبل ذلك ولكن منذ  3 اعوام تقريبا بدأ الاهتمام بالقضية من قبل بعض وسائل الإعلام العالمية فبدأ العالم يتحدث عن قضيتنا شيئا فشيئا.

ومن وقت لآخر تخرج الصين وتصدر بيانات تدعى فيها أنه لا يوجد تضييق على المسلمين. ولكن الواقع شيء آخر  فخلال شهر  رمضان تجبر السلطات الصينية أصحاب  المطاعم في مناطق المسلمين أن تفتح أبوابها وتقدم الطعام في نهار رمضان وكل المطاعم مجبرة أن تبيع الكحول والسجائر ومن لا  يفعل ذلك يحطمون له مطعمه أو يجبرونه على إغلاقه نهائيا.

كما تمنع المدرسين والطلبة والموظفين من الصيام فيضطر كثير من المسلمين إلى الصيام فى الخفاء ولكن كى يتأكدوا من أنه لا يوجد هناك صائم فى العلن، كل من يرفض الأكل والشرب في وقت الغذاء  يتهم «بالصوم» ويتم معاقبته بالطرد من الوظيفة أو المدرسة إذا كان طالبا.

ونشرت الصين بيانا قبل رمضان بيوم واحد قالت فيه  بأنها تحترم حرية الأديان ولكن الواقع أنه بيان للاستهلاك الإعلامي والحقيقة أنها منعت المسلمين من الصيام وتمنع النساء وكبار السن من الصلاة فى المساجد فتركستان ممنوعة من الصيام والصلاة، وليس هذا فقط فهي تتعمد أيضا إهانة المقدسات الإسلامية وطمس الهوية الدينية والثقافية  للإيغور حتى أنها  تجمع كل الأئمة أمام المساجد وتجبرهم على الرقص. هى تريد إهانة المسلمين وتنتهك بذلك القانون الدولي ودستورها الذي يكفل حرية الأديان والعقيدة.

ذات الوجهين
>  الصين تتمتع بعلاقات طيبة وقوية مع معظم الدول العربية والإسلامية وما أسمعه منك الآن يشير إلى أن هناك صيناً أخرى لا نعرفها؟
ــ هذا صحيح فالصين دولة  لها وجهان وجه محب ومسالم تتعامل به مع الدول الإسلامية وهناك وجه آخر على النقيض تماما تتعامل به مع  المسلمين في الصين، فهي تنظر لهم باعتبارهم إرهابيين  وأنهم يمثلون خطرا على أمنها القومي وهو حكم ظالم وجائر  ولكنها استغلت بذكاء الحملة العالمية التي تضع الإسلام والإرهاب في نفس الكفة كي تحقق أهدافها الخاصة.

فدائما تقول لدينا أقلية إسلامية ونحترمها، وهو مجرد شعار لبناء جسر للعلاقات مع الدول الإسلامية والعربية ولكن كل وجه يظهر كلما اقتضت المصلحة.

> أشرت فى حديثك إلى النظرة العالمية التي وضعت الإسلام والإرهاب في كفة واحدة وأن الصين أجادت استخدام هذا المفهوم لتحقيق أهدافها مع المسلمين الإيغور فماذا تقصد؟

ــ قبل 11 سبتمبر كان فى تركستان عدد من الحوادث الفردية ويتم التعامل معها بنفس المسمى ولكن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وفى لمح البصر، غيرت الصين من لغتها تماما واستخدمت ايضا لغة الإرهاب وقلبت الحقائق فى كل ما كان يحدث فى تركستان واعتبرته إرهابا وأصدرت أحكاما كثيرة بالإعدام على مسلمي الإيغور باعتبارهم إرهابيين.

واعتبرت المعارضة فى تركستان المعنية بالحفاظ على حقوق المسلمين وهويتهم الثقافية والتاريخية إرهابا .وأصدرت أحكاما على الكثير من الناشطين الإيغور بالسجن، فلو كتبتى مقالا للاعتراض على الانتهاكات التي تحدث للإيغور أنت إرهابية. حتى طلبة المدارس والجامعات صدرت ضدهم أحكام بنفس التهمة.أية معارضة أو مطالبة بالحقوق هي في نظرهم إرهاب يستحق صاحبه الإعدام ولذلك أصدرت الصين قانونا خاصا للإرهاب كما فعلت دول كثيرة.

لغة المصالح
> أنا أتحدث الآن مع إرهابي ومطلوب من الإنتربول وفقا للمفاهيم الصينية التي تحدثت عنها، فكيف رغم هذه الأحكام تواصل طريقك وتدافع عن قضيتك وقضية شعبك أمام المنظمات الدولية والدول الأوربية التي تمتلك هي الأخرى علاقات قوية مع الصين؟

ــ الصين تريد أن تجد سببا وعذرا كى تحكم على الناشطين بالإعدام وما أسهل ذلك لو كنت مسلما فهي تستغل الموقف جيدا كى لا نحصل على تأييد او دعم من أحد دوليا، ولكن أحيانا نحظى بتعاطف البعض، لأن الصين تمتلك علاقات قوية مع دول العالم وهى تنجح في تحجيم أى تحرك عالمي للإيغور للحصول على حقوقهم ومن أقوى الأمثلة على أن  لغة المصالح  هي التي تنتصر دائما حتى لو كان الموضوع له علاقة بالدين ، العلاقة القوية التى تربط الصين بباكستان إحدى أكبر الدول الإسلامية فى آسيا ولكن بسبب المال باكستان من أكبر الداعمين للصين، لكى ان تتخيلي سيدتي أنه فى العام الماضى  عندما أصدرت الأمم المتحدة بيانا تدين فيه الاضطهاد الديني في الصين لم تؤيد البيان أية دولة إسلامية أو عربية بل تجاهلوه والبعض الآخر أعلن عن تأييده للصين!!

> ماذا عن دول العالم الأخرى التى تتشدق بحماية حقوق الإنسان وحرية الأديان؟

ــ ألمانيا على سبيل المثال وأمريكا يحذران الصين دائما ويطالبانها باحترام حرية الأديان ووقف اضطهادها للأقليات سواء فى قضية التبت أو المسلمين الإيغور، ولكن كل هذا غير مؤثر فكل الدول تبحث عن الفائدة والمكاسب المادية ولا تهتم كثيرا بهذه القضايا التى غالبا ما تثار للاستهلاك الإعلامي.

فكما قلت المال والمصلحة هي الصوت الأعلى دائما في مثل هذه الحالات، نعم نحن نتحرك ونتظاهر ونقدم شكاوى فيتضامن معنا بعض النشطاء والمؤسسات الحقوقية ولكن مازال التأثير محدودا طالما امتلكت الصين المال والنفوذ .وهذه هي الأيديولوجية التي تفكر بها الصين.

مسلم ولاجئ

>  أنت مواطن ألمانى منذ عام 2006 وألمانيا والدول الأوربية لديها أحزاب يمين متطرف تؤيد هى الأخرى فكرة العداء للمسلمين والمهاجرين بصفة عامة كنوع من الحفاظ على هوية أوربا ..فلماذا اخترت ألمانيا إذا كانت النظرة للمسلمين سلبية  نوعا ما؟

ــ أزمة اللاجئين تحظى باهتمام أوربى كبير و لها أهمية خاصة فى ألمانيا التى تحتضن أكثر من مليون لاجئ، والشعب الألماني لديه وعى جيد ومعرفة جيدة بقضايا الشرق الأوسط والديكتاتوريات الحاكمة، ويتعاطفون مع اللاجئين، ولكن مع الوقت أصبحت هناك جماعات متطرفة تعتدي على اللاجئين خاصة بعد حوادث الاعتداءات التي وقعت فى الكريسماس العام الماضي وتغير موقف الألمان من اللاجئين وقل التعاطف معهم تدريجيا.

ولكن عليهم أن يدركوا أنه خلال الحرب العالمية الثانية ذهب كثير من اللاجئين الأوربيين لدول الشرق الاوسط  وعاشوا حياة كريمة والآن  ونحن نشهد حركة هجرة عكسية الواقع مختلفة وعلى النقيض تماما بسبب بعض وسائل الإعلام التى تتحكم فيها جماعات يمين متطرفة تساهم فى زيادة العداء للمسلمين واللاجئين.  

وهنا لديهم حجة قوية جدا فيما يخص اللاجئين  فهم يستشهدون بإغلاق كثير من الدول العربية لأبوابها فى وجه اللاجئين السوريين ومعظمها دول ثرية ، وهو شيء مشين فيجب أن تظهر هذه الدول شيئا من الإسلام  فى التعامل مع اللاجئين.

أوراق ضغط
>  ما تقييمك لأداء المنظمات الإسلامية والدولية فى قضية مسلمي الإيغور؟ وما الجهود المبذولة لاسترجاع حقوقهم من الصين؟
ــ بالنسبة للمنظمات  الدولية لديها معرفة جيدة بالقضية في الوقت الحالي فمنذ 20 عاما كنا نواجه صعوبة توصيل ما كان يحدث فى تركستان الشرقية للعالم،  ولكن مع التطور الذي حدث في الإعلام وظهور مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا أصبحنا قضية معروفة للمنظمات الدولية وبعض وسائل الإعلام العالمية.

ونشارك فى فعاليات تنظمها الأمم المتحدة و مؤتمرات تخص حرية الاعتقاد الديني وقضية اللاجئين .فنحن أنفسنا عشنا  لاجئين فى جزء من تاريخنا  ذهبنا لتايلاند وماليزيا و تركيا وفى الخمسينيات كنا نعيش فى مخيمات للاجئين وحتى يومنا هذا يترك كثير من الإيغور تركستان الشرقية ويسافرون لتايلاند وتركيا وغيرهما من الدول طلبا للجوء، والعام الماضي رحلت تايلاند 109 لاجئين ايغوريين إلى الصين وحتى اليوم لا نعرف عن مصيرهم شيئا.

ولكن للأسف المنظمات الإسلامية تأثيرها محدود وجهودنا مقيدة بالسياسة ولديها قوة محدودة للتأثير على قرارات الدول العظمى ومنها الصين. لذا فأنا أدعو الدول الإسلامية أن تكون لها أوراق ضغط على الصين كى تضمن للمسلمين الإيغور أبسط حقوقهم الدينية  وهى الصيام والصلاة والذهاب للمسجد . فما الضرر فى ذلك على الأمن القومى الصيني؟ فالعبادة قضية خاصة.
مشكلة سياسية
 > كثير من التحليلات الأجنبية  تتناول مشكلة الصين مع مسلمي الإيغور على أنها مشكلة سياسية أكثر منها دينية ..لماذا في رأيك؟
ـ الصين تتعامل مع القضية على أنها مسألة هوية وأمن قومي فهي تريد القضاء على ثقافة وتاريخ الإيغور وأي أقلية أخرى، وفى رأيي هي حرب على الهوية وليس الدين فقط فاللغة والدين أهم مقومات الثقافة ومنذ أن كنت طالبا في الجامعة منعت الصين  اللغة الإيغورية في المدارس، وعام 2004 منعت اللغة الايغورية في الجامعات، لذا تختفي اللغة تدريجيا حتى فى التعاملات اليومية، والصين تلعب على عنصر الوقت و تدرك أنها إذا حاربت اللغة والدين فلن تبقى هناك عقبة لفرض ما تريد على الأقليات.

ففي عام 1949  كان الشيوعيون يمثلون 25 % من سكان تركستان ولكن منذ 6 سنوات أصبح الإيغور يمثلون 45% من السكان. وكان عدد السكان قبل الاحتلال الصيني ١٥ مليون نسمة، أما اليوم فعددهم قد تناقص إلى ٨ ملايين نسمة أي أننا أصبحنا أقلية فى بلدنا.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة