صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


سقوط الأقنعة

«الإسلام السياسي».. من قمة السلطة إلى الهاوية

أسامة السعيد

الأربعاء، 29 يونيو 2016 - 06:46 م

 

الغباء والغرور والعنف قضوا على «مستعمرة الإخوان» وكشفوا وجه الجماعة القبيح

من قمة السلطة إلى قاع السقوط.، هذا هو ملخص رحلة جماعة «الإخوان» الإرهابية، التى كانت أحداث «الربيع العربي» بمثابة منحة تاريخية لها، فتصدرت المشهد بصورة لم تتخيله، وجذبت معها كل قوى الإسلام السياسي، لتروى تلك القوى نهمها للسلطة، لكن غرور قيادات الجماعة وفشلهم وعجزهم عن الخروج من عباءة «الجماعة» إلى أفق الدولة، أدى إلى سقوط تاريخي، وتحولت المنحة إلى محنة، وصار الصعود الصاروخي، سقوطا مدويا.

وكانت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، نقطة التحول فى تاريخ المنطقة كلها، وليس فى مصر وحدها، فهذه الثورة هى التى كشفت الوجه الحقيقى لجماعة «الإخوان» الإرهابية، وأسقطت الأقنعة التى حاولت معظم قوى الإسلام السياسى ان ترتديها بعد ثورات الربيع العربي، وبدا واضحا أن حديث تلك القوى عن الإصلاح والديمقراطية لم يكن سوى وسيلة للوصول إلى الحكم وبدء مشروع التمكين، وأن عقول تلك القوى لا تستوعب سوى هتافات التأييد، بينما تعتبر كل من يعارضهم كافرا لا يستحق سوى القتل.

فكيف غيرت ثورة «٣٠ يونيو» تاريخ المنطقة، وكشفت حقيقة جماعة «الإخوان» وغيرها من القوى المتحالفة معها، وساهمت فى تغيير المشهد، وما مستقبل قوى الإسلام السياسى فى المرحلة المقبلة، هذا ما نحاول الإجابة عليه فى السطور التالية.

على الرغم من أن جماعة «الإخوان» وقوى الإسلام السياسى بشكل عام لم تشارك فى صناعة ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، إلا أنها سرعان ما بادرت إلى ركوب قطار الثورة، بل وتوجيهه إلى المسار الذى طالما سعت إليه وهو طريق وصولها إلى السلطة، وبدلا من أن تسعى تلك القوى إلى الإصلاح كما كانت تردد دائما، إذا بها تسقط فى فخ الغرور والاعتقاد ان مصر كلها أصبحت «مستعمرة إخوانية» يحاولون التغلغل فى كل مؤسساتها والسيطرة على جميع مفاصلها، وانتابت قياداتها حالة عميقة من الغرور أعمتهم عن رؤية المشكلات الحقيقية للمجتمع وتصاعد الغضب الشعبى ضد حكمهم الذي غلبت عليه سمات الفشل والتردد والقرارات الخاطئة، فطوال عام حكم الرئيس المعزول محمد مرسى كانت مشاعر الغضب تتراكم فى قلوب المصريين وهم يرون بلدهم الذى بذلوا دماءهم على مدى أجيال طويلة للحفاظ عليه يضيع أمام اعينهم لصالح جماعة لا تعترف بالوطن ولا تريد سوى تصفية حساباتها مع كل طوائف المجتمع من قضاة وإعلاميين ومثقفين، إلى جانب اعتمادهم على اشعال الطائفية وخلافهم المتعدّد مع الكاتدرائية وهجومهم المتواصِل على الأزهر وقياداته.

وعندما ملأت الحشود المليونية الثائرة من عموم الشعب المصرى الشوارع، دخل قيادات وأنصار جماعة «الإخوان» فى حالة فريدة من الإنكار والانفصال عن الواقع فأقنعوا أنصارهم بأن هذه الحشود المنتفضة غير موجودة، وأنها مجرد «فوتو شوب»، وعندما تدخل الجيش لحماية إرادة المصريين، لم يجد هؤلاء أمامهم من سبيل سوى الكشف عن وجههم الحقيقى وهو وجه العنف والإرهاب فى محاولة يائسة لمعاقبة المصريين على تغييرهم للتاريخ، وإطاحتهم بحكم جماعة «الإخوان» واعوانها.
 
اعتراف بالأخطاء

ورغم حالة الصلف والغرور التى لازالت تهيمن على قيادات الجماعة "الإرهابية وأعوانها من قيادات الجماعة الإسلامية وبعض القيادات السلفية، وإصرارهم على الانعزال عن الواقع والتاريخ الذى كتبه ويكتبه المصريون على أرضهم بعيدا عن أوهام "الجماعة"، إلا أن هناك عدد من قيادات هذا التيار اعترفت بأن أخطاء الاسلاميين و"الإخوان" بصفة خاصة، ساعدت على سقوط مشروع الإسلام السياسى وأشعلت ثورة 30 يونيو 2013، ومن بين هذه القيادات محمد أبو سمرة القيادى بالحزب الإسلامى، الذى أشار مؤخرا إلى أنه "ليس كل من شارك فى 30/6 عدوا للحق والإسلام، فنحن بسكوتنا على أخطاء إخواننا ساعدنا على سقوط المشروع الإسلامى قبل أن يبدأ وإخواننا أخطأوا وجعلوا الجميع يجتمع عليهم بسبب صلفهم وغرورهم وعدم سماعهم لنصائح إخوانهم".

هذا الصوت ليس وحده الذى رأى أن جماعة "الإخوان" والقوى المتحالفة معها جنت ما اقترفته أيديهم، فهناك أيضا د.ناجح ابراهيم المفكر الاسلامى وأحد مؤسسى الجماعة الإسلامية، والذى رفضوا نهج "الإخوان" وتمسك بالمراجعات التى أعلنتها الجماعة الإسلامية قبل سنوات طويلة بالتخلى عن العنف، ويعتقد د. ناجح ان حركات الإسلام السياسى أخطأت عدة أخطاء جعلتها تفشل باستمرار خاصة فى مصر، ومنها أنها تريد دوماً القفز إلى السلطة بأية طريقة، وكلما أرادت أن تجمع السلطة مع الدعوة ضاع الاثنان، وحشر الآلاف فى السجون، فضلا عن تربية بعض الجماعات لأبنائها بطريقة ترسخ فى عقولهم أن الجماعة أهم من الإسلام، وأن الجماعة أهم من الوطن، بل يذهب د. ناجح فى رأيه الذى عبر عنه فى أكثر من مناسبة إلى أن الحركة الإسلامية أساءت للمشروع الاسلامى من خلال تبنى خطاب استعدائى واستعلائى ويدعو للانتقام، وفيه أيضا خطاب تكفيرى للآخرين، وهذا الخطاب أساء اساءة بالغة للمشروع الاسلامي، إضافة إلى تبنى شعار الشرعية أو الدماء، الذى استلهم التجربة الجزائرية الفاشلة و"العشرية السوداء"، التى قُتل خلالها أكثر من 100 ألف شخص، رغم أن المشروع الاسلامى دعوة واصلاح فى المقام الأول، مشروع هداية الخلق إلى الحق سبحانه وتعالي، وليس مشروع سلطة.

تخويف وابتزاز

واحدة من الحقائق التى لا يريد أنصار جماعة "الإخوان" الإرهابية الإعتراف بها، ان "30 يونيو" كانت ثورة شعبية خرج فيها ملايين المصريين، ليس ضد فشل المعزول محمد مرسى وحكمه فقط، وإنما فى الأساس ضد مشروع التبعية والخضوع الذى حاولت الجماعة فرضه، وكانت الجماهير الحاشدة التى تجاوزت أعدادها اضعاف من خرجوا فى 25 يناير 2011، تنشد استعادة الروح المصرية الحقيقية التى أراد "أتباع المرشد" أن يسلبوها منهم، فخروج المصريين الكبير فى 30 يونيو كان تصحيحا لمسار ثورة 25 يناير التى اختطفها "الإخوان"، وهو ما يذهب إليه الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية أحمد بان.

وأكد أن الجماعة أدركت أن الشعب لفظها عبر ثورة شعبية، وأنها فشلت فى الحكم، لذا لم يعد لها سوى لى ذراع الدولة عبر الفوضى التى تعد من بعض أدواتها صلاتها بالمجموعات الإرهابية مثل أنصار "بيت المقدس" التى إستطاعت إطلاقها فى إطار رسالة تخويف وابتزاز، كما استخدمت سلاح مجموعات العنف الصغيرة، التى تعتقد أنها قد تنجح فى إجبار النظام على التفاوض معها باعتبارها الوكيل الحصرى للعنف تاريخيا.. ورغم أن جماعة الإخوان تُسيطر على الجماعات الإسلامية المتطرّفة، وهى التى تديرها بأوامر مُباشرة إلا أنها للأسف تجيد ارتداء ثوب الضحية.

وإذا كان الغباء والغرور أحد الأسباب التى أدت إلى سقوط حكم الجماعة بعد 30 يونيو، فإن تلك الأسباب يبدو أنها لا تزال تحكم عقول قيادات "الإخوان" والمتحالفين معهم ممن سارعوا للهرب إلى الخارج، وعملوا فى خدمة أهداف قوى إقليمية ودولية طالما أن ذلك، فى اعتقادهم- يحقق مصلحتهم، وأخذوا يبثون دعاياتهم التحريضية ضد مصر وشعبها، الذى لن ينسوا أنه كان سببا فى الإطاحة بهم، وكما يذهب المحامى والقيادى الإخوانى السابق ثروت الخرباوى فإن جماعة "الإخوان" لا تزال تعيش صدمة السقوط المدوى فى 30 يونيو، خاصة أن السقوط لم يقتصر على السياسة فقط، بل امتدّ ليشمَل سقوطا أيديولوجيا واجتماعيا وشعبيا وهيكليا، وسيظل هدف الجماعة ضرب استقرار البلاد، وتحويلها إلى ساحة معركة غير مُباشرة بين الدولة وحلفائها من الجماعات الإسلامية المتطرّفة، وان ثورة ٣٠ يونيو كشفت قصور الرؤية لدى الجماعة وكوادرها التى تعالت وتغطرست وظنت أن الطاقة الثورية للمصريين قد نفدت ولن تقوم لهم ثورة إلا بعد مائة عام، فإذا بهم يهبون ويتخلصون من حكم الجماعة بصورة أدهشت الجميع.

 لم تكن إذن الإطاحة بحكم "المرشد" على يد ملايين المصريين فى ثورة "30 يونيو" مجرد حدث فى التاريخ، لكنها كان بداية لتاريخ جديد، فلم تقتصر تداعيات تلك الثورة على الداخل المصري، وإنما انعكست على المنطقة كلها، وأربكت حسابات وخطط كانت توضع للمنطقة، ولم يكن ذلك السقوط المدوى لحكم جماعة "الإخوان" مجرد عقاب على فشل سياسي، ولكنه كما يرى المفكر الكبير السيد يسين سقوط تاريخى لمختلف فصائل تيار الإسلام السياسى بكل ما تحمله هذه العبارة من معان لها دلالات هامة، فهناك فرق بين الفشل السياسى للنظم أو الأحزاب، والسقوط التاريخى للإيديولوجيات السياسية.. وأخطر من الفشل السياسى لجماعة "الإخوان" هو سقوط الأيديولوجية التى تبنتها، والتى تقوم على إنكار مفهوم الوطن لحساب مفهوم الأمة، والسعى لتقويض الدول العربية والإسلامية المدنية لتأسيس دول دينية.. ومن خلال الممارسة العملية لحكم الجماعة فى مصر تبين بوضوح وجلاء إفلاسهم الفكرى، لأن الجماعة لم تكن تملك مشروعا فكريا متكاملا، ونظرا لكون أيديولوجية استعادة نظام الخلافة الإسلامية -بعد تقويض الدول العربية والإسلامية المدنية- ثبت أنه مشروع خيالى مفارق لواقع النظام الدولى المعاصر وللنظم الإقليمية السائدة.

عمى استراتيجي

ولكن.. هل يمكن بعد هذا السقوط التاريخى أن يكون لقوى الإسلام السياسى مستقبل؟ وبخاصة فى ظل ما يتردد بين فترة وأخرى عن مبادرات للمصالحة، ومراجعات من جانب قوى إسلامية مثل دعوة جماعة النهضة التونسية لفصل النشاط الدعوى عن السياسي، السؤال يبدو صعب الإجابة، فى ظل تمسك قيادات الجماعة والمتحالفين معها من الهاربين فى الخارج بشعارات الصدام والعنف.

ويرى الباحث أحمد بان أن مستقبل قوى الإسلام السياسى وتحديدا جماعة "الإخوان" يكتنفه الكثير من الغموض، ففى تاريخ الجماعة الذي وسمه الصدام الدائم مع كل الأنظمة ملكية كانت أم جمهورية، تكرر الجماعة فى الغالب نفس الأخطاء ببساطة لأن عقلها وعيونها مصوبة دوما على الحكم، لذا فهى تبدو غير مكترثة أو حتى مستبصره لما يعترض طريقها، فقد درجت على لون من العمى الاستراتيجى لازم حركتها.

ويؤكد ثروت الخرباوى أن جماعة "الإخوان" ومن عاونها من القوى الإسلامية أصبحوا خارج المشروع الوطنى المصري، وأنهم تحولوا إلى "مدينة من المجانين" وليس بينهم رجل رشيد يقدر حقيقة الموقف،فضلا عن الانقسامات العنيفة التى ضربت الهيكل التنظيمى للجماعة ولم يعد هناك من يستطيع التفاوض، وأي حديث عن المصالحة معهم هو ضرب من العبث لأنهم تآمروا على مصر وسعوا إلى تقسيمها وتكوين جيش إسلامى مرتزق فى سيناء لضرب الجيش الوطنى المصري، وبالتالى لا مجال للحديث عن مصالحة، فمن تلوثت ايديهم بالدماء ومن تورطوا فى التحريض على الوطن ومؤسساته مكانهم المحاكمة، ومن لم تتلوث أيديهم بالدماء لا مجال للحديث عن مصالحة من الأساس معهم لأنهم لم يرتكبوا ما يستوجب التصالح بحسب المادة ٢٤١ من الدستور الخاصة بالعدالة الانتقالية.. وحتى التيار الذي يرتدي مسوح الرهبان ويتحدث عن المصالحة مثل عمرو دراج وغيره فورقة المصالحة بالنسبة لهم ليست سوى مناورة.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة