فاطميات

ماتبقي من «يونس ولد فضة»

د.فاطمة قنديل

السبت، 23 يوليه 2016 - 02:29 م

الزمن بطيء جدا لمن ينتظر/ طويل جدا لمن يتألم/قصير جدا لمن يفرح/ لكن الأبدية لمن يحب»، (إبراهيم بن مسالم الشهير ب»يونس ولد فضة»)، هذه العبارة هي إجابة سؤال مسلسل «يونس ولد فضة»: إيه الدنيا؟! فعبر حلقاته كانت حياة إبراهيم/يونس، مزيجا من إيقاعات الزمن؛ مابين الانتظار والألم والفرح، ليبقي» الحب» الطريق الوحيد «للأبدية»، خلاصة المعرفة، ونهاية الصراع، واستعادة الهوية «الحقيقية»، لذا ستكون هذه العبارة، العبارة الوحيدة التي لا يقتبسها يونس من أحد، هي من «صنعه» وخلاصة رحلته، في لحظة التعرف «الحقيقية»، لا ادعاء المعرفة، حين يعود إلي أهله، بعد أن ترك كل شيء إلا من أحباه، دون شروط، زوجته وابنه «إبراهيم». وطريق العودة كطريق البداية، لايخلو من قرابين، مستلهما رؤيا النبي إبراهيم بذبح ولده إسماعيل، حتي نجاه الله بالأضحية.في البداية يقتل إبراهيم، خطأ، أبا «فضالي»، وهو يقصد «فضالي» وفي النهاية يقتله، لكن بعد أن قتل «فضالي» «شبل»، خطأ أيضا وهو يقصد إبراهيم، دائرة القتل الخطأ، التي تعود علي نفسها، سمة أساسية للحكي، وللمخيلة الشعبية، وهي ما يجذّر الدراما في ماضي الحكي الشعبي وتقاليده، التي تبدأ «بالصلاة علي النبي» (و أشيد، هنا، بالأغنية الافتتاحية والختامية كالدائرة، حين تبدأ بمزمار كالنفير يستدعي الأطفال للفرجة علي الأراجوز في القري؛ أشعار:عمر طاهر، ولحن: أحمد سعد). يأتي مقتل «شبل» كقربان ضروري لميلاد البطل من جديد، فلا ولادة جديدة دون قطع الحبل السري الذي يصل «يونس» المزيف بعائلة «شهاب»، شبل هو علاقة «الحب» التي تقيّد إبراهيم الحقيقي بيونس المزيف، انتماؤه لهوية لاجذور لها، ولابد أن تنقطع الأواصر ليحيا «شبل» الأعمي، من رأي بعين الحب، في الأبدية. لقد ظل رفيق يونس في رحلته، ليعرف، كلاهما، ذاته ومعني حياته، قاده بحبه إلي أختيه، وقاد هو «شبل» لملامسة الحياة بعينيه، كان دليل الأعمي، وكان الأعمي دليله، بصيرته تقوده إلي ذاته، وحين عثر عليها، واستعاد شبل بصره، صارا معا بصرا وبصيرة، مستلهما قوله تعالي «لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد». بصيرة «شبل»، جسدت معني الأخوة بماهي علاقة «حب» لا»نسب»، علاقة «اختيار» لا»ضرورة» علي العكس من حب «فضة» الزائف له، حين نسبته إليها زورا، وظلت تباعد بينه وبين حقيقته، امتلكته، كما امتلكت عزيزة يونس في السيرة الهلالية بزعم الحب»من غير أي حرية»!وهي أيضا «صفا» الوجه الآخر للامتلاك نفسه، وللحب المشروط بضرورة أن يظل «يونس»، المزيف، لا إبراهيم الحقيقي. من كل هذا الوجود الزائف بقي إلي جواره: ابنه-حلمه، وزوجته، لأنها رأت، ببصيرتها،»حكايته في عينيه»وأحبته كماهو، بسره وصراعه واستعادته هويته المفقودة. هذه الرحلة في دراما «يونس ولد فضة»، للكاتب عبد الرحيم كمال، ستبقي في ذاكرة مشاهديها طويلا، لأنها رحلة أي منا بين الحقيقة والزيف، صوب المصالحة مع النفس، دليل تعرف للطريق إلي «الأبدية»، إلي صياغة معني حياتنا، تستند إلي ماضينا وتلتقط زيف اللحظة العابرة، قدمتها لنا سيرنا الشعبية من قبل، لكننا نسيناها، وها نحن نستعيدها في «دراما تليفزيونية»، يعرف كاتبها أن «البطل الشعبي» كامن في وجداننا، وليس ساقطا علي رءوسنا من عوالم العنف والجريمة وأفلام الأكشن الأمريكية، يعرف أن يستعيد «مخيلتنا» من ينابيعها الرائقة القديمة، ويضعها في لحظتنا الحاضرة، لتدفعنا لتأمل وجودنا ذاته، بل معني «البطولة» كجهد إنساني دءوب للبحث عن الحقيقة، ودفع أثمانها لنكون «نحن» لا أحد آخر. تبقي كلمة أخيرة عن طاقم العمل، الذين عمل كل منهم بتناغم «كمنشد» مبدع، دون استئثار بنجومية مزعومة، الجميع، دون استثناء يُذكر، أفسح الطريق لإبداع الآخر: بدءا من المخرج: أحمد شفيق، والقديرة سوسن بدر، ونجم «ولد من جديد» كعمرو سعد، وعصام توفيق «فضالي»، ولشباب ولدوا نجوما: «شمش»: هبة مجدي، و»شبل» عمرو إمام.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة