يحدث في مصر الآن

من أراد بمصر سوءاً قصمه الله

يوسف القعيد

السبت، 30 يوليه 2016 - 03:08 م

قبل الكلام عما يجري في المنيا وبني سويف وما حدث من قبل في العامرية لا بد أن نحاول النظر إلي أصل الداء. فالأمر ليس مجرد حادث عابر يقع هنا أو يقع هناك. لكن لا بد من الاعتراف أن ثمة محاولة لبذر بذور الفرقة في المجتمع المصري. ودفع بعض أفراد من ذوي النفوس الضعيفة - لا يخلو منهم مجتمع - للإقدام علي تصرفات تؤدي إلي أحداث طائفية. لذلك فإن المعالجة الأمنية رغم أهميتها وضرورتها وحتميتها، تبقي مجرد إطفاء حرائق لأن حدوثها لا يمنع تكرارها مستقبلاً.

لا يجب أن ننسي أبداً أن 77 حادثاً طائفياً وقعت في المنيا وحدها منذ 2011 وحتي الآن، أي علي مدي خمس سنوات. وهذا يعني أن التعامل مع الأمر علي طريقة إطفاء الحرائق أخطر من الخطورة. ويشكل خطراً علي الأمن القومي المصري وعلي وحدة مصر وعلي كيان مصر لا بد من مواجهته والتنبؤ له والتعامل معه بعيداً عن التهوين وبعيداً عن التهويل.

لم نحاول أن نسأل أنفسنا أبداً: لماذا المنيا؟ ولماذا بني سويف؟ ومن قبلهما لم نحاول أن نتوقف أمام سؤال: لماذا العامرية؟ ولو تحركنا ودرسنا لوجدنا أسباباً متداخلة تبدأ من الاقتصاد والغني والفقر والهجرات والاحتكاك اليومي. سنجد أن الشائعات تلعب دوراً أساسياً في الكثير من الأحداث. مرة شائعة عن شقيق مسيحي يحول بيته إلي كنيسة. وشائعة أخري عن مبني تحت التأسيس يقال أنه كنيسة. ورغم أنها شائعات لا تستند إلي الواقع. إلا أن الشائعة في ظل غياب المعلومات الحقيقية واليقظة المستمرة من المسئولين تؤثر في الناس. وتدفعهم إلي سلوكيات ما كان يجب الاقتراب منها.

ما دامت الشائعات الدائرة حول بناء كنائس أو تحويل مساجد لكنائس أدت لعدد من الحوادث المؤسفة والمؤلمة. فلا أعتقد أنه من صالح هذا الوطن تأخر قانون بناء الكنائس. ورغم كل ما يقال علي ألسنة المسئولين. فما زال الأمر يحتاج مواجهة فعلية علي أرض الواقع. لا أحب أن أقول أن بناء مسجد أسهل من السهولة وبناء كنيسة أصعب من الصعوبة. إن لم يصل لحدود الاستحالة.

ما أكتبه ليس ترفاً. ومن يريدون شراً وسوءاً ببر مصر يتحدثون في إعلامهم الخارجي عن أعداد المساجد وأعداد الكنائس في مصر. أعرف أنها أرقام مضللة. لأن العدد النهائي للسكان مختلف. لكن علينا أن نسد الثغرات الموجودة حتي نغلق هذا الباب الذي يتجدد بين فترة وأخري. ويجد في كل مرة مبرراً قد يختلف بين حادث وحادث آخر.

لا أحب استخدام كلمة الطائفية. لأنها تكرس لمعني لا وجود له في حياتنا. وإن وجد أحياناً علينا أن نلغيه من وجودنا وهو النظر لمصر باعتبار أن المصريين طائفتان. فالمصريون نسيج واحد والأحداث التي تقع في أماكن محدودة. في حين أن معظم المصريين معاً منذ فجر التاريخ وحتي الآن.

التعميم قد يكون ضاراً. علينا أن نتعامل مع كل حادثة علي حدة. ولا نفصلها عن إطارها الاجتماعي وبعدها الاقتصادي ونسيج العلاقات الإنسانية. فأكثر من حادثة كان السبب فيها علاقات بين رجال ونساء تختلف أديانهم. وما قد يتبع هذا - خصوصاً في المجتمعات الصغيرة - من ردود أفعال تصل لحدود العنف أكثر من مرة. وهذا الأمر رغم أنه يبدأ من علاقات المصريين ببعضهم. يحتاج أيضاً وضعه في الاعتبار. باعتباره مصدراً للقلق بين المصريين.

أيها السادة، ما يجري في المنيا وبني سويف وما سبق أن جري في العامرية أعراض لداء أصيل. ومواجهة العرض لا تعني انتهاءه. فربما كان قابلاً للعودة. المهم أن نواجه المرض نفسه. المحنة في علاقة المسلمين بالمسيحيين في بعض الأماكن في مصر - وليس في كلها - أما من صدعونا بالكلام عن أننا أمة واحدة، فربما كان هذا الكلام مطلوباً لمواجهة الأزمة. لكنها ما تلبس أن تعود مرة أخري.

نسيج المجتمع مسئولية المصريين. ليست مسئولية الرئيس. ولا مسئولية الحكومة وحدها. ولا المؤسسات الدينية. لكنها مسئولية كل مصري يهمه مصير الوطن ومستقبله. ويدرك أن وحدة مصر صمام الأمان في مواجهة الأخطار التي تتهددها.

أكثر ما يزعجني في هذا الملف ما نقول عنه: أقباط المهجر. ومن المفترض أنهم امتداد إنساني لمن يعيشون بيننا. ويجب أن ندرك نحن هذا ونتعامل علي أساسه. وأن يتمثلوه في سلوكياتهم. مشاكل مصر يجب أن تناقش داخلها. وكل كلمة خارج البلاد لا أحب أن أصفها بأي وصف.

قديماً قال كعب الأحبار أن كل من أراد مصر بسوء قصمه الله. ونحن في أمس الحاجة لهذا التعبير الآن.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة