مصر الجديدة

راكب الريح

إبراهيم عبدالمجيد

الثلاثاء، 02 أغسطس 2016 - 02:16 م

ابتعد اليوم عما حولي وأذهب في رحلة معطرة بالزهور وجنة الله علي أرضه في يافا وغيرها من مدن فلسطين والشام في القرن الثامن عشر مع رواية الكاتب الكبير يحيي يخلُف الجديدة « راكب الريح « التي أصدرتها دار الشروق الأردنية.التقيت الكاتب الكبير أول مرة في الثمانينيات في جروبي في جلسة وحدنا نتحدث عن الأدب العربي أملنا العظيم دائما في عالم أفضل وعن روايته التي فتنتني كما فتنت من قرأها «نجران تحت الصفر». استقر يحيي يخلُف في روحي مع أدباء فلسطين والعرب الكبار. تابعت أعماله حتي قرأت منذ عامين روايته الفذة « جنة ونار « التي أصدرتها دار الشروق المصرية ! التي هي رحلة بحث عن فلسطين من خلال البحث عن الزي الفلسطيني المطرز بالجنة والنار!. لذلك لم يكن غريبا أن يقفز يحيي يخلُف قرنين في الزمان مع راكب الريح. هنا يوسف ابن أحمد أغا كان يقفز في طفولته مغامرا في البحر ليجد نفسه جوار الحوت ولايجد أهله وجيرانه تفسيرا إلا أنه حوت سيدنا يونس الذي تقول الأسطورة أنه ألقي به علي شاطئ يافا. ومن زامل الحوت لابد أن يكون مثله يشق البحار بلا كلل. وتبدأ رحلة يوسف مع أسطورة المكان والناس. نساء يفوق جمالهن كل النساء في الأصل كن سبايا مخطوفات حتي صرن في قصور العثمانيين أو في قصورهن وجعلتهن الرحلة يعرفن اللغة التركية والعربية والفرنسية وباريس وغيرها من بلاد فرنسا الجميلة كما يعرفن بلاد الترك والشام. يتجاوز يوسف مايريده له أبوه وأمه من العمل بتجارة الصابون إلي الرسم والنقش والخط لامتلاك الفضاء وتصبح لوحاته سحرا جديدا يضاف إلي سحره في الشكل الذي صار فيه دون ان يقول الكاتب في حسن النبي يوسف فأغرمت به النساء وبما ينجزه من رسوم لهن. كانت الأولي هي ماري الفرنسية التي استلهم في رسمها أسطورة «اندروميدا» ابنة كيفاوس ملك يافا التي كانت أجمل من حوريات البحر ، وعن طريقها تعرف يوسف علي السيدة ذات العزة « العيطموس « الأميرة القادمة من الأناضول. بعد لقاءات تتباعد وتتقارب صار ضيف جلساتها مع وصيفاتها هي التي صارت أميرة بعد رحلة خطف وبيع لها ولغيرها بين جزرالمتوسط حتي استقرت كهدية في حرملك قصر السلطان العثماني وهي في الثامنة فتعلمت الكتابة والقراءة وحفظ القرآن وتعاليم الإسلام والعزف والغناء والرقص واللغتين التركية والعربية واللغات الأوروبية. مع وصيفاتها نسمع حكايات الزمن الأسطوري عن ملاحم حب النساء للملوك والعكس والحروب التي قامت بسبب الحب وفي نفس الوقت ونحن نغرد مع هذه الأساطير يغرد بنا الكاتب عن الألوان والزخارف وأدوات الرسم بأنواعها مختلطة بالطبيعة التي هي مصدر الجمال في لغة محملة بعبق أزلي للمكان ومع يوسف الفنان الذي يهاجمه جنود الجندرمة لأنه يرسم الأرواح ! ولأن يوسف راكب الريح كما أسموه ، فهو يقطع رحلة أخري مع الهنود من السيخ والمسلمين وحكيمهم من أجل نقل محبة الإسلام والشرق إلي الغرب. رحلة رائعة لكن يعود منها وقد وصل الغرب علي يد نابليون ليحتل الشرق وتقوم المذابح وينتشر الطاعون وينهزم نابليون ومن ثم لايبدو أن هناك أملا فيما أراده الحكيم الهندي من محبة بين الشرق والغرب. يساهم يوسف في مقاومة جيش نابليون بعد عودته ولأن الرحلة طالت يفقد أهله وسيدة الزمن « العيطموس « وحين يجدها تكون شيئا آخر صامتا إلا أنها من جديد تدب فيها الحياة لمرآه. راكب الريح يحمل الأرض والبحر معه في لغة تهش بالفرح وتحتد بالألم وترسل إليك صورا أكثر من الحكي. قل هو حكي الصور ! سحر كتابة الكاتب الكبير يحيي يخلُف هو سحر الشرق الذي يريد أن يتجلي في دنيا تضيق عليه وعلينا فيعود في الزمن.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة