أضواء وظلال

الخائفـون لا يبدعـون

خالد جبر

الخميس، 04 أغسطس 2016 - 02:32 م

لم  يكن الدكتور أحمد زويل رجلا عاديا.. لكنه كان رجلا بسيطا متواضعا.. هكذا كنت أراه في أكثر من لقاء جمعني معه.. تواضع العلماء.. الذي هو أعظم صفات الناس.. وأعلي صفة يمكن أن تكون في إنسان.. هكذا كان العالم العظيم ابن مصر الذي فقدناه أول أمس.

قدم العالم العظيم لنا ولشبابنا مثلا عظيما.. لرجل أحب بلده.. ولم ينفصل عنها.. أخذها معه في الغربة وهو يبحث عن التفوق العلمي الذي ربما لا تتوافر مقوماته في مصر.. أخذها معه لغة وثقافة ودينا وأدبا وفنا.. وفي النهاية يعود إليها جسدا ليدفن في ترابها.

استطاع العالم الكبير بالرغم من كافة المشاكل التي يعاني منها البحث العلمي في مصر أن يشق طريقه العلمي، وإثبات القدرة العلمية.. ليكون أول مصري وعربي يقلّد بهذا الوسام في مجال الكيمياء والوحيد حتي الآن. لقد رأي المصريون والعرب الأمل والعلم متمثلين في شخصية زويل، فأصبح قدوةً لجميع الباحثين، ونظرة أمل لجميع الآباء الذين تمنوا رؤية زويل آخر في أبنائهم.. وليست جائزة نوبل فقط التي استطاع د. زويل الحصول عليها، بل استطاع أيضًا الحصول علي العديد من الجوائز والأوسمة العالمية والمحلية مثل جائزة ماكس بلانك، جائزة الملك فيصل، جائزة السلطان قابوس، وسام بنجامين فرانكلين، قلادة النيل العظمي، وأيضًا العديد من الجوائز الأخري بالإضافة إلي عددٍ كبير من أوسمة الدكتوراة الفخرية التي حصل عليها من جامعات عريقة مثل أكسفورد وغيرها من الجامعات.

و في كتابه - عصر العلم - يقول الدكتور زويل عن أبحاثه التي ترتب عليها ميلاد علوم جديدة مثل الفيمتو كيمياء، والفيمتو بيولوجيا: التقاط صورة للحالات الانتقالية للجزيئات لن يتأتي إلا في جزء من الزمن بالغ الضآلة وباستخدام تقنية التصوير التوقيفي (إيقاف حركة الصورة). تمكننا من الوصول إلي أسرع كاميرا لهذا العمل في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كانت أسرع بعشرة بلايين مرة من سرعة الكاميرا العادية وأمكننا بهذه الكاميرا أن نرصد الذرات وهي في حالة حركة. وكان بمقدورنا أيضًا أن نرصد الحالات الانتقالية صورة بصورة، وتكون الروابط الكيميائية بين الذرات.. والآن فإنه بإمكاننا أن نري حركة الذرات المنفردة كما نتصورها، ومن ثم لم تعد تلك الجسيمات أشياء غير مرئية.. وترتب علي ذلك ميلاد علوم جديدة مثل الفيمتو كيمياء والفيمتو بيولوجي.

 التقيت العالم الكبير أكثر من مرة.. فقد كانت علاقته بدار أخبار اليوم علاقة استثنائية، لا تماثل علاقته بأية مؤسسة إعلامية أخري، رغم تشعب علاقاته بالاعلاميين داخل وخارج مصر، فإن «الأخبار» بالنسبة له استثناء، وإذا أراد أن يوجه رسالة إلي مصر كان يري في الأخبار منبرا صادقا، لذلك كان يحرص علي زيارة دار أخبار اليوم كلما جاء إلي مصر، ويسعي إلي الاستجابة إلي أية مبادرة تطلقها، ويقدم لها الدعم المعنوي ايمانا منه بصدق الدور التنويري الذي تلعبه الدار، وكان يحرص علي أن يخص رئيس تحرير الأخبار الكاتب الصحفي ياسر رزق بالجديد في مشاريعه العلمية، وكانت «أخبار اليوم» آخر صرح إعلامي يزوره قبل رحلة عودته إلي الولايات المتحدة الأمريكية.

لم يكن عالما منغلقا علي نفسه حبيسا لمعمله.. كان متوازنا في حياته.. قريبا من مجتمعه.. قريبا جدا من بلده وقضاياه ومشاكله.. أسس صرحا علميا عظيما.. ورغم ما أثير حوله.. وحول مقره.. إلا أن المهم كان هو الهدف من ذلك الصرح والمهمة التي يقوم بها في دعم البحث العلمي وتأهيل النوابغ من شباب مصر ليخرج منهم ألف زويل آخر.

 أهم مقولاته التي نشرها وقالها في مناسبات عديدة كانت : عندي أمل كبير أن هذه الجائزة الأولي سوف تلهم الأجيال الشابة في الدول النامية وتحثهم علي الأخذ بأسباب العلم والاعتقاد بإمكانية الإسهام في دنيا العلوم والتكنولوجيا علي المستوي العالمي.. إن المجتمع العلمي له ثلاث دعامات رئيسية وهي العلم، التكنولوجيا والمجتمع فمن العلم تنشأ التكنولوجيا والتي بالتالي تساعد علي تطويره والإثنان لا يتواجدان إلا إذا كان المجتمع يقدر ويدرك أهمية العلم.. الأوروبيون ليسوا أذكي منا ولكنهم يقفون ويدعمون الفاشل حتي ينجح... أما نحن فنحارب في الناجح حتي يفشل.. حب العقل أقوي وأعمق وأبقي من حب القلب.. إن الخيال لا يقتل وليست له حدود وكل المؤسسات تشجعه، والعالم الحقيقي المحب لعلمه لا بد أن يحلم، وإذا لم يتخيل العالم ويحلم، سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئًا.. أريد أن أخدم مصر في مجال العلم وأموت وأنا عالم.. لا يمكن أن يبدع الخائفون.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة