الإيكونوميست وأخواتها: تاريخ من الترصد والمغالطة

محمد السعدني

الثلاثاء، 09 أغسطس 2016 - 03:36 م

مخطئ من ينظر فى تقرير الإيكونوميست «خراب مصر» بكثير من الدهشة، أو يأخذه بشئ من الانفعال، فالتقرير الصادر هذا الأسبوع عن المجلة البريطانية واسعة الانتشار، شأنه شأن معظم مثيلاته فى الجارديان، والفاينانشيال تايمز والنيويورك تايمز والواشنطون بوست ودى لاسييرا وديرشبيجل ولوسوار وغيرها من الجرائد والمجلات الأمريكية والأوروبية التى خلطت تقاريرها عن مصر بأغراض محركى الدمى الكبار المترصدين خطواتنا فى حرب باردة غير معلنة لكنها صارت واضحة ومؤثرة وغير عادلة. وأعجب من بعض الحمقى والمغفلين الذين روجوا للتقرير الملغوم بفرحة عارمة شماتة فى نظامنا الوطنى بدواعى ثأراتهم المريضة، باعتبار أن الصحافة الغربية تمثل قمة الحياد والمهنية والموضوعية، وهو كلام جانبه الصواب وجافته حقائق الأمور فالإعلام فى العالم كله تحركه المصالح والانحيازات وهو خادم للسياسة وتحالفاتها ولوبياتها ومؤامراتها أحياناً، كما هو خاضع لرؤوس الأموال ومصالح المساهمين وجماعات الضغط وأجهزة الاستخبارات وشبكات العلاقات العامة الدولية وشركات الترويج والإعلانات التى تلهث وراء من يدفع، ولعل المستعدين لتمويل حملات الإساءة لمصر والنيل منها باتوا معروفين للقاصى والدانى، وكلما باءت محاولة لهم بالفشل وكلما واجه الشعب المصرى حملاتهم بالعزم والإرادة والرغبة فى البناء والالتفاف حول قيادته وجيشه الوطنى فقدوا أعصابهم وراحوا يتخبطون كمن أصابه مس لايبرأ منه إلا بتكرار المحاولة بما يسقط عن وجوههم كل الأقنعة.
شئ من هذا حدث فى تقرير الإيكونوميست المغرض، فمن حيث أراد التخفى كشف وأفصح وأسفر عن رغبة فى الإيذاء والترصد والمكايدة، بداية من المانشيت الرئيسى «خراب مصر The REUINING of EGYPT» وصورة الغلاف لأهرامات مصر الثلاثة فى لون باهت خلفهما شمس تغيب وأمامهما جمل يمتطيه رجل بائس، يحدد الأهرامات وعمق الصورة مؤشر أحمر وسهم هابط إلى حافة الأرض، فى إشارة إلى ماتعارفنا عليه من مؤشرات الاقتصاد. الصورة موحية بقدر ماهى مغرضة، ونحن فى عالم الصورة فيه أهم شواهده وعناصره ومؤثراته. لم يكفه هذا بل بدأ فى عناوينه الفرعية استهداف الرئيس السيسى مباشرة، ثم راح يقدم مسوغاته فى أن مصر على حافة الهاوية والفشل والانتفاضة وصور لايضاهى سوادها حتى الحبر الذى طبعت به عن تدنى مستويات المعيشة والفقر والفساد والبطالة واستحالة الاستثمار والبيروقراطية المعوقة وضعف الإدارة وخنق وإخماد المعارضة وسقوط الطائرات، وعدم جدوى قناة السويس وأن مصر فى حالة شديدة الهشاشة وأن أهل الحكم تنقصهم الكفاءة وينكرون ذلك،وكل نواقص الدنيا ألصقها بمصر وكأنه لايتكلم عن دولة محورية فى الإقليم بل دويلة من العصور الوسطى تفتقد مقومات الحياة الحديثة فى عصر ماقبل الكهرباء والآلة البخارية.
ولأن التقرير مغرض ومصطنع يفتقد أبسط قواعد المهنية والعلمية والتوازن، فإذا به يقفز قفزة مفاجئة أسقطت عن عوراته مايمكن أن يسترها، وإذا به كما المريب يقول خذونى، إذ راح يقرر، وبنص كلماته:
«يتعين على الغرب التوقف عن بيع أسلحة باهظة لمصر غير ضرورية لها أو لا تستطيع تحمل ثمنها، سواء كانت طائرات إف 16، أو حاملات طائرات فرنسية طراز ميسترال.وأى مساعدات اقتصادية لمصر ينبغى أن تقترن بشروط صارمة، أبرزها تعويم العملة. أما النقطة الجيدة التى يمكن أن تبدأ منها مصر فهى إعلان السيسى أنه لن يترشح فى انتخابات الرئاسة 2018». وهنا مربط الفرس، لقد كشف التقرير عن خبيئة ماأراد. المشكلة جيش مصر الوطنى وتسليحه الحديث، وعبدالفتاح السيسى الذى يمثل بالنسبة لهم الرجل الذى جرؤ أن يقول لا ويقف بجيشه مع شعبه ضد المخططات الصهيوأمريكية المستهدفة تقسيم وتطويق المنطقة العربية، وعليه أن يدفع الثمن، حتى لايقدم نموذجاً ضد التبعية ينحو للتحديث والتنمية الشاملة والنهضة، فشبح ناصر ومشروعه الوطنى لايزال يطارد مخططاتهم وأحلامهم فى المنطقة، وهم لن يسمحوا بذلك مرة أخرى.إنها نظرية التناقض الرئيسى فى الفكرة السياسية الحاكمة للصراع العالمى.
وهو الغرب ياسادة فى صورته الانتهازية، وممارساته الكولونيالية القديمة فى ثوب عصرى للحرب والسيطرة والاستعمار عن بعد. لايريدك أن تبنى وتعمر وتصنع وتنهض، هو يريدك مستهلكاً وسوقاً لبضائعه، وبالتالى هو ضد جيشك الوطنى وتسليحه وضد مشروعاتك الطامحة للبناء والتنمية واحتمال النهضة.وتابع التصريحات العدوانية فى يوليو الماضى للسيدة تيريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا التى قررت أنها لن تترد فى ضربة نووية انتقامية من شأنها قتل أكثر من 100 ألف مدني،ردا على أى هجوم نووى من قبل دولة أجنبية، فى الوقت الذى مجدت فيه وشجعت تجديد نظام صواريخ ترايدنت فى البرلمان. وتابع تصريحات المرشح الجمهورى دونالد ترامب لترى ملامح نظام عالمى جديد تعيد فيه أمريكا وبريطانيا رسم خرائط القوى العالمية بحد السلاح، وهو مشروع لايحتمل وجود دولة محورية فى الشرق الأوسط بالمواصفات المصرية التى أرادتها 30 يونيو ووقف يدعمها ويحاول وضع دعائمها عبدالفتاح السيسى بتحديث الجيش ليحمى المشروع الوطنى وبالمشروعات القومية الهادفة للتنمية. لذلك أرى أن تقرير الإيكونوميست ماهو إلا رأس جسر أو تمهيد نيرانى بالمدفعية الثقيلة أو ضربة استباقية ضد مصر وجيشها فى المخطط القادم للقوى الاستعمارية الكبرى لرسم ملامح النظام العالمى الجديد الذى قرروا فيه استبعاد مصر وتحجيمها.
تريد أمريكا وبريطانيا وتركيا وإسرائيل وقطر والتنظيم الدولى للإخوان وهم من وراء هذا التقرير الفضيحة أن يبقوك عاجزاً تابعاً مفككاً. ولن أستطرد فى الشرح والتحليل والرد فقد قام عنا جميعاً بهذا العبء بإقتدار الكاتب الكبير ياسر رزق رئيس تحرير الأخبار فى مقاله البليغ «خراب الإيكونوميست على شاطئ القناة» حيث فند دعاواهم وأوضح زيف منحاهم، علهم وأسيادهم يتعلمون.
فى مقاله المهم «مصر والإيكونوميست» فى جريدة الشرق الأوسط كتب د. مأمون فندى: رغم أن الإيكونوميست مجلة رصينة وهى ليست مندفعة أو متعجلة فى أحكامها، إلا أننى لست من المغرمين بكل تحليلاتها، لكن عدم محبتنا لشئ لايدفعنا لتجاهله خصوصاً إذا كان تحليلاً مهما لمجلة بحجم وتأثير الإيكونوميست» وإن أشار الكاتب الكبير إلى عدم استبعاد المؤامرة فى التقرير، إلا أننى أضيف لسيادته أن مافعلته الإيكونوميست وقبلها بأسبوعين النيويورك تايمز التى جاء تقريرها مستهدفاً مصر بنفس الدعاوى والمبررات التى استخدمتها الإيكونوميست، إن هى إلا سياسات قديمة جديدة، فالمجلة الرصينة يادكتور مأمون ليست هذه هى سقطتها الأولى، فقد سبق ذلك تقارير تفيد وتشير لنفس المعانى وإن جاءت بلغة متخفية حذرة وخفيفة، وراجع سيادتك تقاريرها الملونة»من التلون وليس الألوان» فى 31 أغسطس 2013، وكذا 5، 7 مارس، 23 أبريل، 31 مايو 2016، على الأقل هذه ماتحت يدى من أعدادها وربما فاتنى غيرها، وكلها تشى وتنطق بتاريخ طويل من الترصد والمغالطة. ولايفوتنى أن أتفق مع سيادتك، فى أنه ورغم كل ماعرضناه لاينبغى أن نترك لقناعتنا بإغراض التقرير وضلوعه مع أطراف المؤامرة التى لايراها بعض من مثقفينا وكتابنا ممن نحترمهم، أن نتغاضى عن فشل حكومى بات من الصعب تجاوزه أو التجاوز عن مخاطره على مسيرتنا الوطنية، الأمر الذى يدفع السيسى تكلفته وتداعياته بالصرف على المكشوف من حسابه، ولقد سبق أن صارحناه «لماذا تدفع الثمن وحدك ياجنرال» وكان لنا ملاحظات وانتقادات كثيرة على الحكومة، لكن لعله من حسن طالع الرئيس وقبله الشعب أن تهاجمه الصحافة الغربية المغرضة، مايدفعنا أكثر للتمسك به، ولعلك يادكتور تذكر عندما أدار الزعيم جمال عبدالناصر مؤشر الراديو على مونت كارلو وBBC وغيرها واندهش، إذ خلت نشراتها وتقاريرها من «شتيمة» عبدالناصر فاستدعى زكريا محيى الدين وآخرين من مساعديه متسائلاً إيه الغلط اللى عملتوه فى البلد والشعب خلاهم يتوقفوا عن شتيمتى؟ واكتشف أنهم رفعوا سعر الأرز خمسة مليمات.
ولعل المساحة لاتسعفنى، ولعل تقرير الإيكونوميست لايستأهل هذه المليمات الخمس.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة