فاطميات

بالأبيض والأسود

د.فاطمة قنديل

السبت، 20 أغسطس 2016 - 01:14 م

لما البيوت تتغير، والنفوس تتغير، تضيع صور، وساعات فى لحظة نقطّع صور، بتفكرنا بجراح قديمة. لكن بتفضل صور، بتخربش كده بنعومة جوه القلب، كأنها نبع ميه بيندفع فجأة من بير غويط فى الروح، الصور دى عمرها مابتضيع، زى صورة «منى» بنت عمتي، حتلاقيها فى كل بيت من بيوت «آل قنديل»، صورة بالأبيض والأسود، لطفلة بفستان منفوش وبكم كرانيش، وبرغم أنها أختى الكبيرة، لكن الصورة بتخليها دايما الطفلة، اللى قلبها بيطل من جوه عينيها، منى بنت «عمتى هند»، عمتى الجميلة (اللى شبه نادية لطفي)الواضحة، والصريحة «زى السيف». كان ليا عمتين؛»هند وتهاني»، كل العيلة كانت بتقول إنى شبه عمتى تهاني، خصوصا جبينها العريض، ورقبتها القصيرة، بس الحقيقة كل شوية أكتشف أنى صورة -طبق الأصل- من عمتى هند، يمكن مش فى الشكل، لكن فى الطبع، عمتى هند كانت «مزاجية جدا» يمكن عشان ربنا ابتلاها الابتلاء الأعظم، اللى فضل زى الجرح المكتوم فى قلب العيلة كلها، ابنها، الولد الوحيد؛ «حسام» كان نور عينيها، سافروا مرة المصيف، حسام جرى على البحر من وراهم، كانت الراية سودا، وغرق، الله يرحمه، منى بعتت لى امبارح صورة حسام، أنا كنت نسيت شكله، بس عمرى مانسيت اللى حصل. رغم كل شيء فضلت عمتى تهانى تعمل برطمانات الليمون المعصفر، وتقطع الجزر مكعبات قد بعض بالظبط، وتشيل البذرة من الزيتونة، وتحط الكرفس جواها، وتحشر الجزراية فى الزيتونة، ولأن عمتى تهانى كانت عيانة، ومابتقدرش تتحرك، كانت عمتى هند، وبرغم كل شيء برضو، تشيل البرطمانات على قلبها الموجوع، من جاردن سيتى لمصر الجديدة، وأول ماتدخل البيت تهل علينا ريحة الكرفس، تحط الشنطة «الشبيكة»، وهى عرقها مرقها، وتقول: «أنا جبت الحاجات دى للعيال، كل موسم وأنت طيبة ياسعاد»، أمى (سعاد؛ مرات أخوها) تقول لها: «طب خدى نفسك م المشوار الأول ياختي». لما كنت باروح لعمتى هند فى بيت جاردن سيتي، كنت بأنط السلالم من السعادة: «صباح الخير ياعمتي، أنا جيت ياعمتي»، فماتردش(رغم أنى عارفة أنها بتحبنى جدا ومش حتسيبنى أروح، وحتمسك فيا، وأمى حتوافق: «سيبيها تبات معايا ياسعاد، والنبي») أمى كانت تسحبنى من إيدى وتقول لي: «هسسسسسس عمتك لاحترد ولاحتسلم إلا لما تشرب القهوة والسيجارة»، بعد شوية ألاقيها طالعة من المطبخ وفاتحه لى دراعاتها.عمتى هند كانت تفاصل مع البياع، وتطلع عينه، وفى الآخر تبعت له صينية أكل معتبرة، يضرب كف بكف، وياكل ويدعيلها. منى، أخت البنات، شالت همنا، وبعد ما الأمهات ماتوا، عشت لوحدي، والدنيا كانت ساعات بتبعد بيننا، بس منى تدور عليا وتجيبنى من تحت طقاطيق الأرض، منى «قلب كبير» تعرف أنه مستنيك مهما بعدت،»بنت عمتي»، وأبويا «خالها» والكلمتين دول بيخللونى أحس أن ليا جدور. أسعد لحظات حياتى لمانتلم كلنا فى بيت جدى (سعدالله قنديل)، فى السيدة عيشه، ريحة المشمع اللى مغطى الأرض كأنى باشمها دلوقت، ولسه فاكره البيت لما بيتهز عشان الترماى معدي، وجدى يضحك: «خايفة ليه ياعبيطة؟! بدل ماتخافى روحى شوفى الترماى وشاورى له». كل الناس اللى باحكى عنهم دول يمكن محدش يعرفهم، ومش مشهورين، بس هما دول «صُناع الحياة»، فيهم حد تعرفوه، أبو منى، «حافظ محمود» شيخ الصحفيين، جوز عمتى، أول ريحة ورق شميتها فى مكتبته الكبيرة، كان بيسمح لى أدخلها ويحايلنى بشيكولاتايه «كورورنا» عشان أخرج وأسيبه يشتغل، «أونكل حافظ» بغموضه، بانعزاله فى مكتبه، سرّب لروحى شيء غامض كده اسمه: «احترام الكتابة»، أنا ليه باحكى لكو الحكايات دي؟! أصل عيد ميلاد منى كان امبارح، وأصل كمان أنا بقالى أكتر من سنتين باكتب هنا، صحيح أنا واخدة عمود «إسبوعى» فى الأخبار، بس أهو بيتى برضو، ويمكن لما أمشى تفتكروا صورتى وتحكوا عني..يمكن!

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة