دنيا ودين

مريم أم المسيح فى عيون المسلمين

د.عبدالمنعم فؤاد

السبت، 20 أغسطس 2016 - 01:20 م

بعد أن تحدثنا فى مقال سابق عن المسيحيين فى عيون المسلمين، وبينا أن هؤلاء لهم مكانة خاصة ذات قدر، واحترام، وأنهم أقرب الناس إلينا كما علمنا كتاب ربنا -جل فى علاه-، وبهم : أوصى نبينا -عليه الصلاة والسلام- من قبل أن تُفتح مصرقائلا :-
(الله الله فى قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة، وأعوانا فى سبيل الله... فاستوصوا بهم خيرا )..إلى غير ذلك من المواقف الداعمة للترابط الأخوى بين المسلمين والمسيحيين، والتى ألقينا الضوء عليها سابقا: فإننا نؤكد فى هذا المقال- بعون من الله تعالى : أن قوة هذا الترابط، والتعاون تُستمدُ من مدى المحبة التى يكنّها المسلمون لمريم، والمسيح عليهما السلام، فالإسلام كرم هذه البتول العذراء، وشهد لها بالعفة، والطهر، والكرامة، وأعطاها شهادة الصدّيقيّة مختومة بخاتم الحق: ( وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام)- المائدة /75- بل وصم كل من تعرض لسمعتها، وتطاول على عفتها، وأراد أن ينتقص من كرامتها من أبناء جلدتها من اليهود وصمهم بالكفر، وشنّع عليهم، ووصف أقوالهم فى شخصها الكريم بالكذب، والبهتان العظيم.قال تعالى : ( وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ) النساء / 156-
بل جعل هذه الطاهرة، وابنها الكريم آية من آيات الله تعالى يتعبدُ بذكرها المسلمون فى العالم بوجه عام، وفى مصر بوجه خاص، ولا نقول ذلك جزافا، ولا مجاملة لأحد، بل نقوله، ونردده، ونتعبد به بأمر من ربنا - جل فى علاه- قال جل ذكره: (وجعلنا ابن مريم وأمه آية وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) المؤمنون /50- وأوضح المفسرون من أهل الإسلام : أن هذه الربوة مكانها فى مصر، وهى قطعة سياحية بها أنقى أنواع الأكسجين، وتحتها تجرى المياه العذبة، وفوقها جلس المسيح، وأمه، وتمتعا بهواء مصر، وأكسجينها، وعاشا فيها سنوات بأمن، وآمان فرارا من هيرودس الملك الظالم أنذاك، فمصر، وأهلها كرّموا المسيح، وأمه قديما، فكيف لا يوقرون اتباعهما حديثا، وفى كل زمان، ومكان، فمن يقل إن مصر يعيش المسيحيون، والمسلمون فيها فى قلق، وفتن، وطائفية : لا يُدركون مكانة المسيحيين فى عيون المسلمين، ولا مكانة المسلمين فى عيون المسيحيين..
فالعذراء أم المسيح مريم الطاهرة سُجلت سورة فى كتاب الله عز وجل باسمها، ويتمتع المسلمون بتلاوتها، ويطّلعون على عظيم سيرتها، ويشهدون بحسن سلوكها، وعفتها، ويتعبدون، ويتقربون باسمها إلى الله تعالى، ولم تجد مصريا يعترض على ذلك، ويطالب بوجود سورة لعائشة، ولا خديجة، ولا أم سلمة، ولا غيرهن من أزواج النبى -صلى الله عليه وسلم- مع كونهن أمهات المؤمنين، وذلك لعلمهم أن رب الأرض، والسماء هو: منزل القرآن، ولا دخل فيه لرسولنا إلا التصديق، والتبليغ.. فلا غضاضة أن تكون لمريم هذه المكانة العالية فى قلوب المسلمين، والمصريين. بل بلغ حب المصريين المسلمين فى اسم مريم : أنك لا تجد أسرة- تقريبا إلا وفيها اسم مريم : تقديرا، وتوقيرا لها، ولمحبيها فى كل مكان..، بل يعلم المسلمون المصريون، وغيرهم أن العقيدة الإسلامية لم تقف حدودها عند توقير مريم فقط، بل احترمت عائلة مريم، وجعلت هناك سورة لهذه العائلة أيضا تُسمى :
( سورة آل عمران) وفيها سجل مشرف كامل لأم مريم: المرأة الصالحة، والتى قالت: ( رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم ) آل عمران / 35- وكان ما فى بطنها :هذه العفيفة العذراء البتول، والتى اصطفاها ربها : مرتين بنص القرآن: ( يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم... ) آل عمران - 42- 43- والاصطفاء يعنى الاختيار، والاجتباء من بين البشر لمهمة صعبة، وجليلية يُقدّرها : رب البشر.. فمريم اجتباها المولى، واصطفاها اصطفاء أوليا يشاركها فيه عائلتها، وغيرها من الرجال، والنساء، ثم اصطفاها : اصطفاء خاصا بها لا يشاركها فيه أحد من الرجال، ولا النساء حتى نساء نبينا- صلى الله عليه وسلم - ( واصطفاك على نساء العالمين يا مريم )..
كل ذلك يستقر فى قلب المسلم تجاه أم المسيح....
، بل كافل أم المسيح سيدنا زكريا له مكانة أيضا فى قلوب المسلمين جميعا، والمصريين خاصة ، ومن يتجاوز، ولو بشطر كلمة تجاه المسيح، وأم المسيح، وعائلة أم المسيح، وكافل أم المسيح، واتباع المسيح لدى المصريين خاصة، والمسلمين عامة يكون قد ارتكب جُرما كبيرا، وبهتانا عظيما..
وكيف يجرؤعلى ذلك، ورسول الحق يشهد لمريم شهادة لا تعلوها شهادة، وهى شهادة كمال، واحترام، وتقدير تقدمت به على نساء النبى -عليه الصلاة والسلام- ويطلع المسلم على ذلك ليلا ونهارا فى قوله عليه الصلاة والسلام:
(كمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد،وفاطمة بنت محمد ) -صلى الله عليه وسلم - فجعل مريم فى المرتبة الأولى، وآسية فى الثانية، وزوجته خديجة فى الثالثة، وابنته فى الرابعة،،، بل أبلغ المسلمين فى موضع آخر: أن مريم مُقدّمة فى الجنة على أعز نسائه - وهى خديجة فقال : ( خير نساء الجنة مريم بنت عمرآن، وخير نساء الجنة خديجة بنت خويلد ).. يا الله!!.
ما هذا الإنصاف، والعدل، والتوقير من نبى كريم: لأم نبى عظيم، كان، وأمه آية فى العالمين، وهل يوجد فى دنيا الناس من ينصف الناس بهذا الإنصاف الراقى الذى لا يوجد له شبيه، ولا نظير بين البشر ؟!. لذا يُخطئ من يتقوّل على مسلمى مصر بأنهم فى صراع دائم مع إخوانهم، وأقرب الناس إليهم، وهم أتباع، وعشاق مريم البتول، وعيسى الوجيه، فالمصريون يشاركونهم بكل قوة فى هذا العشق، والحب، ولا يقبلون بمن يفرق بينهم، ويحاول إشعال نار الفتنة فى القرى، والنجوع باسم الدين هنا، أو هناك..
فالدين لا يدعو إلا إلى المحبة، والتعاون، ونشر الأمن، والسلام، ونقاط الالتقاء بين أبناء الشعب الواحد، والتى تتمثل فى المحبة للرموز، وحسن التعايش، والمعاشرة : متعددة، ووفيرة، وعليها أكد الكتاب المقدس. وأقرها القرآن الكريم،، وطالما كل منا يفهم حقيقة ما فى الكتابين فهما حسنا، ستظل مصر آمنة مطمئنة بأهليها، وفضل ربها إلى يوم القيامة.
وعن المسيح وتعاليمه فى عيون المسلمين يكون المقال القادم - بإذن الله-

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة