«جوبلز».. لا يموت!

خارج النص

د. أسامة السعيد

الخميس، 25 أغسطس 2016 - 04:58 م

لاتعجبنى دائما آراء وزير الدعاية النازى جوزيف جوبلز، لكن أحيانا تبدو بعض مقولاته قابلة للتطبيق حتى الآن.. وكثير من تلك المقولات تتبادر إلى ذهنى كلما استمعت لمسئولين أتراك، وخاصة عندما يتحدثون عن مصالحة مع مصر، ساعتها «أتحسس مسدسى» كما كان يقول جوبلز، رغم أننى لا امتلك مسدسا، لكننى امتلك عقلا وقراءة تدفعنى إلى الاعتقاد بأن كل كلامهم بالونات اختبار سرعان ما يفقأها «السلطان الجائر» رجب طيب أردوغان بعنجهيته الفجة، فالرجل يبدو أنه قرأ كثيرا عن التجربة النازية وخرج منها بمقولة جوبلز: «اكذب حتى يصدقك الناس»!!
من حق مسئولى «العدالة والتنمية» أن يتباهوا بالتجربة الاقتصادية التى حققوها فى بلدهم، والتى وفرت لهم بدون شك شعبية كبيرة، لكن التاريخ يخبرنا أيضا أن «هتلر» استطاع بناء شعبيته بين الألمان من خلال إحداث نهضة اقتصادية واضحة، عالجت الكثير من الأزمات التى شهدتها جمهورية «فايمر»، لكن تلك الشعبية الجارفة وأوهام السيطرة وزعامة العالم قادت صاحبها وبلاده إلى مصير مهلك، فالانجاز الاقتصادى والشعبية الجارفة يمكن أن تكون نعمة أو نقمة، الأمر يتوقف على الطريق الذى تختاره لنفسك.. لكن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه أحيانا!
وكلما استمعت للمسئولين الأتراك تذكرت موقفا شخصيا عندما شاركت قبل ثلاثة أعوام فى محاضرة ضمن برنامج علمى عن التحليل السياسى خارج مصر، وكان المحاضر أحد أساتذة العلوم السياسية فى جامعة «سابنجى» التركية، وهى واحدة من أرقى الجامعات هناك، والرجل بالإضافة إلى منصبه الأكاديمى شغل منصبا استشاريا لأردوغان عندما كان رئيسا للحكومة. كان المحاضر يدافع باستماتة عن سياسة «صفر مشاكل» التى ابتدعها أحمد داوود أوغلو، الذى أطيح به لاحقا بصورة مهينة، واستطرد المحاضر شارحا كيف يمكن أن تتحول الرؤية إلى سياسة، والسياسة إلى قرارات، وبعد ان انتهى الرجل من محاضرته، وملامح الزهو تغطى وجهه، رفعت يدى طالبا التعقيب والسؤال، وكان مختصر ما قلته أن النموذج الذى قدمه يصلح أن يكون مثالا لفشل السياسة فى تحقيق الرؤية، فرؤية انهاء المشكلات بين تركيا والعالم، تبدو على المستوى النظرى أمرا جميلا، لكن التطبيق يدعو للرثاء والعجب، اندهش الأستاذ وسألنى عن جنسيتى، على الرغم من أن قواعد البرنامج العلمى متعدد الجنسيات لا تقر مثل هذه الأسئلة، ولمحت على وجهه شبح ابتسامة وأنا أجيبه بأننى مصرى، وكانت العلاقات بين القاهرة وأنقرة فى تلك الفترة فى أوج توترها، واصلت كلامى وسألت المحاضر عما حققته سياسة «صفر مشاكل» مع أقرب جيران تركيا وهى سوريا، فلم يرد، فسألته عما تحقق فى الملف الكردى الذى كاد أن يصل إلى نقطة هدوء، فإذا بسياسات أردوغان تشعل فتيل الصدام، ثم سألته عن علاقات بلاده المتدهورة مع دول الاتحاد الأوروبى التى كان يطمح للانضمام إليها (ولم يكن وقتها قد بدأ مسلسل الابتزاز ودفع اللاجئين عبر شواطئ الموت لإرغام الأوروبيين على دفع ثمن إقامة اللاجئين فى معسكراته)، صمت المحاضر، وانحسرت عن وجهه علامات الزهو، مكتفيا بالصمت!
أعرف أن كلامى هذا لن يعجب كثيرين، ممن لا يرون من التجربة الأردوغانية سوى ما يوافق توجههم، لكننى أعود فأهديهم مقولة أخرى لجوبلز يبدو أن «السلطان الجائر» يؤمن بها كثيرا : «كلما كبرت الكذبة، كلما سهل تصديقها».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة