الدواجن «مكســــورة» الجناح! طوفان الأوبئة يضرب المزارع
الدواجن «مكســــورة» الجناح! طوفان الأوبئة يضرب المزارع


الدواجن «مكســــورة» الجناح!

روحية جلال

الجمعة، 26 أغسطس 2016 - 04:22 ص

طوفان الأوبئة يضرب المزارع .. خسائر بالمليارات و٦ مــــــــــــــــــلايين عـامل مهـددين بالتشــرد

أصحاب المزارع : بيوتنا اتخربت والمسئولون فى غيبوبة
رئيس شعبة الدواجن: ٥٠٪ غير مرخصة والبورصة «ملهاش لازمة»


بعد أن كانت « الفرخة « هى الملاذ الوحيد لدى كل فقير لتعويض ما ينقصه من البروتين الحيوانى بدلاً من كيلو اللحم الذى بات حلما صعبا المنال عقب وصول ثمنه قرابة 100 جنيه، دخلت  الدواجن هى الأخرى ضمن المحذورات بعد أن ارتفعت أسعارها لتزدادا  قائمة « الحرمان.. كل هذا يرجع إلى المشكلات الكارثية التى تتعرض لها الثروة  الداجنة التى أصبحت على حافة الهاوية بعد أن أغرقها الإهمال والفساد فى حين أن حجم استثماراتها يبلغ نحو 25 مليار جنيه، ويعمل بها نحو 6 ملايين عامل مهددين بالتشرد..

السطور التالية   قراءة   موجعة   بالحبر الأسود لملف شائك نفتحه عن حال صناعة الدواجن الذى أصبح لا يسر عدواً  ولا حبيباً بعد ان ضرب طوفان الأوبئة والأمراض المُعدية معظم المزارع فى مقتل.. وأسفر عن حالات نفوق جماعية تصل نسبتها فى المزرعة الواحدة إلى70 % وأكثر.. فضلاً عن مافيا استيراد  اللقاحات والأمصال التى تضع العقبات من أجل استمرارها فى إحتكار الأسواق بدلاً من دعم الإنتاج المحلى حتى فى ظل نقص بعضها بعد ارتفاع سعر « الدولار»  وانتشار لقاحات « مغشوشة» مُصنعة فى « بير السلم « دون رقابة  .. أما المأساة البيئية الكبرى تتمثل فى طرق التخلص من تلك الدواجن النافقة والتى يتم إلقاؤها إما فى الترع ومصارف الصرف الزراعى بالاضافة الى وجود بيض فاسد بصيب الانسان بالفيروسات والأمراض المعدية.
سرعان ما تحول الحُلم إلى « كابوس» وباتت فرحتهم « مأتم» ينعون فيه بعضهم البعض ويصرخون ويستغيثون بل ويؤذنون فى «مالطا» دون أن يسمع مسؤولاً واحد صدى لصوتهم.. هكذا أصبح حال أصحاب المزارع وشباب مربى الدواجن بعد أن غرقت أحلامهم فى سفينة الإهمال، عقب أن تعرضت تجارة الدواجن لخسائر فادحة، بعدما شهدت المزارع والعنابر حالة نفوق جماعى قبيل طرحها فى الأسواق مما أصاب هؤلاء المربين بالضرر وألحق بهم خسائر تجاوزت ملايين الجنيهات.
٢٠ ألف دجاجة
وقف عم اسامة محمد، صاحب مزرعة دواجن بالقليوبية،  وحيداً فى منتصف مزرعته الخاوية واضعاً يده فى جلبابه وأخذ ينظر إلى جدرانها والدموع تفيض من عينيه وبدأ يتحدث إليها وكأنها بمثابة شخص ينصت إليه.. بينما كانت تشققات وجهه تنتفض هماً ويسكن ملامحه الحزن بعدما خسر كل الدواجن فى غفلة عين عقب إصابتهم بأنفلونزا الطيور.. ثم إلتفت إلينا وسرد لنا معاناته قائلاً: « ياخسارة شقى العمر.. فين تعويضك يا حكومة ولا العوض عند ربنا خلاص ».
بدأنا الحديث معه برفق نظراً لحالته التى تقشعر لها الأبدان وبدأ يروى مأساته ويقول: « اشتريت 20 ألف دجاجة ووضعتهم فى العنبر ووفرت لهم العلف والتحصينات اللازمة وكله «بالمديونية»، ثم منحتهم اللقاحات وحين استيقظت فى اليوم التالى شاهدت مذبحة داخل العنبر، حين وجدت الـ 20 ألف دجاجة على الأرض ميتة «. وبعدها استكمل قصته الحزينة قائلا: قمت باجراء اتصال سريع بالمسئولين فى مديرية الطب البيطرى لاخبرهم بتلك الكارثة فاكدوا لى ان سبب الوفاة هى الاصابة بانفونزا الطيور فارتفع صوتى وصرخة فى وجههم كيف الاصابة بالمرض على الرغم من تحصينهم بالمصل الحكومى ضد المرض.
ويقول عم اسامة: الخسارة كبيرة خاصة اننى انفقت كل ما املك من مال لشراء تلك الدواجن وتغذيتهم بالطريقة الصحية السليمة كى استطيع جمع المكاسب بعد علفها وتحصينها بالمصل الذى خصصته الحكومة لمكافحة المرض وبالتالى فالحكومة هى المسئولة عن الكارثة التى تعرضت لها وسالجأ الى القضاء حتى استرد حقى الضائع من وزير الزراعة نفسه.
 تحويشة الغربة
قضى سنوات عمره فى «الغربة»  .. وتحمل الكثير من أجل  كسب « لقمة» حلال، وشاءت الأقدار أن يعمل داخل إحدى شركات الدواجن العالمية، ومع الأيام ازداد طموحه وإزداد معه اشتياقه لوطنه فقرر العودة من أجل تحقيق حلمه وهو إنشاء مزرعة صغيرة لتربية الدواجن ولكن فرحته لم تكتمل بعد ان شهدت مزرعته حالات نفوق جماعية... إنه محمود الروينى، 34 عاماً، صاحب إحدى مزارع الدواجن بالبحيرة، يسرد معاناته مع ظاهرة النفوق التى أصابت أكثر من 75 % من دواجن مزرعته داخل العنابر بسبب الأمراض المُعدية والفيروسات، ويقول: « عملت فى الكويت منذ صغرى فى مجال الدواجن تعبت وكافحت كثيراً ومنذ خمس سنوات قررت أن أعود إلى وطنى لكى أحقق حلمى على أرضه ،فى البداية بدأت بعمل عدة عنابر بسيطة واستخدمت اللقاحات والأمصال ولكن الأمر لم يدم طويلاً، بعد أن تعرضت مزرعتى لخسائر صعبة لا أستطيع أن أتصدى لها، لدرجة أنه أصبح يموت 1500 من بين كل 2000 دجاجة.
ويؤكد « الروينى» على ضرورة توفير الدولة للأطباء البيطريين من أجل إنقاذ ما تبقى من الثروة الداجنة فى مصر وإنقاذهم أيضاً من الخسارة،  لافتاً الي أن هناك  أمصالا ولقاحات مُصنعة فى «بير السلم»  وهى ما يُطلق عليها «تحصينات مغشوشة»، وان معظم المربين البسطاء يقبلون على شرائها ولكنها لا تؤثر وليس لها أى مفعول وتابع: « دورة تثمين « الفرخة» تشترط منح الأمصال واللقاحات أربع مرات شهرياً وأحياناً أخرى خمسا وتكون  فى أيام 7، و14، و19، و28 من كل شهر، وعلى الرغم من اتباعنا كل هذه التعليمات إلا أننا فى كارثة ومازالت حالات النفوق مستمرة ».
وأكد « محمود» على إصراره الذهاب إلى طبيب بيطرى حتى وإن كان فى محافظة أخرى وذلك لأنه يرى أن الطبيب هو الشخص الوحيد القادر على تشخيص سبب النفوق نظراً لأنه يقوم بتشريح الدجاجة النافقة ويتوصل إلى السبب ونوع المرض وبعدها يستطيع حل المشكلة مما يخفض نسبياً من عدد النافق ».
 حلم وضاع
أما أحمد جمال، الذى يبلغ من العمر 25 عاماً لم يقف مكتوف الأيدى كى  ينتظر الوظيفة الحكومية مثل الكثير ممن فى عمره عقب تخرجه في كلية التجارة، ولكنه عزم أن يصنع حلمه بنفسه وأن يبدأ الألف ميل بخطوة.. ولكن تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن، بعدما قام بعمل عنبر لتربية الدواجن وبدأت أزمة الدولار تشتعل مما زاد عليه الحمل بعد أن ارتفع سعر العلف وسعر اللقاحات وفى النهاية أُصيبت دواجنه بفيروسات أدت إلها نفوقها، ويروى « أحمد» معاناته ويقول: « بدأت بعنبر واحد وكان به حوالى 3000 دجاجة، ولكنى واجهت الصعاب حيث سعر طن العلف إرتفع من 3000 جنيه إلى 5200 جنيه وأنا كنت أحتاج 3.5 طن علف فضلاً عن ارتفاع المصل ونفقات إيجار العنبر وفواتير الكهرباء والمياه وفى النهاية « نص العنبر مات» أو أكثر حيث خسرت 1600 دجاجة نافقة من عدد 3000 على الرغم من نسبة النفوق الطبيعية تبلغ 5% فقط طبقاً للمعايير المتعارف عليها، ومعظمنا الآن مديونون وعلينا آلاف الجنيهات متراكمة ومهددين بالتشرد وان حدث هذا ستحدث كارثة ولن يدفع ثمنها الا المواطن الغلبان الذى سينسى شكل «الفرخة».
ومن جانبه أكد الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن، أن الثروة الداجنة فى مصر تواجه مشكلات ضخمة فى مقدمتها العشوائية وعدم وجود أبعاد وقائية، مشيراً إلى أن القرار رقم 1220 لعام 2010 يلزم صاحب المزرعة  ألا يتم بناء مزرعة دواجن إلا ان تبعد عن الاخرى مسافة 500 متر  و هذا النظام غير مطبق على أرض الواقع لافتاً أنه عقب الثروة تفاقمت هذه العشوائية حيث وصل عدد المزارع العشوائية لاكثر من ٥٠٪ أى أن ٥٠٪ من المزارع مرخصة.
وأكد « رئيس شعبة الدواجن « أن هناك أكثر من 800 ألف طائر نافق خلال الشهر الماضى، وأن نسبة النفوق وصلت إلى 70%، موضحاً أن نسبة المزارع الغير مرخصة بلغت ٥٠٪ ، وطالب «السيد» بضرورة عمل بورصة محترمة حقيقية ، وقال: «البورصة الحالية مالهاش لازمة يجب أن يكون هناك بورصة تستطيع أن تحدد سعر تكلفة الإنتاج طبقاً لمعايير وتمنح هامشا للمربى كى لايخرج بعيداً عن المنظومة» ، وتابع: « نطالب بهذا من 2006 وحتى اليوم لن تستجيب لنا الحكومة ولابد ان تهتم الدولة كلها بهذا الموضوع لان صناعة الدواجن تُعد خامس دخل قومى به أكثر من 6 ملايين عامل ويعولون حوالى 10 ملايين فرد والخسائر تتجاوز المليارات» .


وعقب عرض جزء من مأساة يعيشها الآلاف، كان لابد أن نتعرف على أهم أمراض الدواجن التى تصيب دورة التسمين وطرق إنتشارها وكيفية الحد منها، حيث يوضح د. محمد عبد السلام، اخصائى أمراض الدواجن، أنه تتعدد طرق انتشار أمراض الدواجن فنلاحظ انه يوجد منها ما هو له علاقة بالطائر نفسه أو البيئة المحيطة به من غذاء وهواء وماء، لافتاً أن أهم الطرق التى من خلالها ينتقل المرض للطيور السليمة (عن طريق البيض )، حيث أن الأمراض كالـ « سالمونيلا والإسهال الأبيض والميكوبلازما» تنتقل من الأمهات المريضة او الحاملة للعدوى للجنين وهو ما زال بداخل البيضة ليفقس مريضاً او حاملاً للمرض..  وأضاف «عبد السلام» أما طريقة العدوى الأخرى تأتى عن طريق معامل التفريخ ومثال لتلك الأمراض ( مرض التهاب السرة – e-coli – السالمونيلا ) وغيرها، بينما هناك عدوى تنتقل عن طريق العنابر بسبب عدم الاهتمام بنظافة وتطهير العنابر قبل استلام دفعات الكتاكيت الجديدة فانه يؤدى الى الاصابة بعدوى كثير من الامراض التى قد تكون مستوطنة من دورات سابقة فى العنبر وتكون مصدرا لعدوى الطيور السليمة وتحدث تلك الظاهرة مع مرض الجامبورو وأمراض كثيرة وتابع « الطبيب البيطرى» أنه يمكن أن تنتقل العدوى أيضاً عن طريق الهواء، حيث أن الأمراض التنفسية تنتقل من الطيور المصابه الى الطيور السليمة عن طريق انتشار ميكروباتها مع الرزاز الخارج منها مع العطس ومن بين هذه الأمراض (الكوريزا وكوليرا الدواجن والتهاب الشعب الهوائية)، مشيراً إلى أن هناك طريقة خامسة عن  طريق الزرق، وكثيرا ما نجد ان زرق الطيور يكون مصدرا لتلوث الفرشة حيث كثيرا ما تفرز البويضات او الحويصلات المسببة لبعض الامراض مع الزرق .
سألنا عبد النبى صابر، 35 سنة، حاقن تحصينات دواجن عن أبرز الخطوات الوقائية التى يتبعها أثناء عمله، فقال: «أن الوباء الشائع داخل مزارع الدواجن هذه الاونة  قد ينتقل عن طريق حذاء القدم فى حالة دخول شخص لأكثر من مزرعة فى ذات اليوم وقد ينتقل أيضاً من خلال الثياب أو النفس، لذلك يجب تغير الملابس بالكامل والحذاء وغسل اليدين بالماء والصابون ووضع كميات من الجير الأبيض أمام أبواب كل مزرعة كنوع من المطهر لهذه الأمراض وإن ثبت ان المرض المُصابة به الدواجن « إنفاونزا» يجب إعدام كل الدجاج »..    ومن جانبه يوضح د. أحمد سعيد، اخصائى دواجن، أن هناك 8 علامات لابد ان يتابعها المربى فى الدواجن لانها غالباً ما تحدد الحالة الصحية، فى مقدمتها « الوقفة» ، وهى نوعان الأولى الطبيعية  ويقف الطائر بشكل منتصب « Erect» مع رفع الرأس والذيل، أما الوقفة المرضية يكون الرأس قريب من الجسم، تدلى الذيل وأحيانا الأجنحة للأسفل، التواء العنق مع توضع الرأس للخلف أو على الظهر أو بين الأرجل، وثانى علامة هى « الرأس  « ،  الطبيعى ان يكون كل من العرف «Comb»  والداليتين « Wattles» بلون أحمر فاتح، ويكون الوجه ممتلئاً والعيون متنبهة. وفتحتى الأنف «Nostrils»  «نظيفتين وخاليتين من السيلانات الالتهابية ، أما فى حالة المرض فنلاحظ انكماش العرف والداليتين وتكون شاحبة اللون أو مائلة للزرقة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة