قضية ورأى

الطيب فى الشيشان والمؤتمر فى الإسكندرية

د.عبدالمنعم فؤاد

السبت، 27 أغسطس 2016 - 01:56 م

فى الوقت الذى تنقل فيه الفضائيات العالمية مدى تقدير العالم لمصر المحروسة، وأزهرها الشريف، ويفخر كل مصرى بشيخ الأزهر، وإمامه الأكبر، وهو يُستقبل فى الشيشان استقبال الرؤساء حيث يقف رئيس دولة الشيشان أمام سلم الطائرة ليحتضن شيخ الأزهر، بل ويقود السيارة بنفسه بعد ذلك إكراما، وإجلالا لعالم مصر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، ويتحرك بسيارته فى وسط شعبه الذى اصطف على الطرقات مهللا، ومكبرا، ومعبرا عن حبه للأزهر وعلمائه، وشيخه، ومناهجه : نفاجأ فى مصرنا العظيمة بتصريحات غريبة لوزير ثقافتنا المصرى نشرتها إحدى المواقع الاليكترونية أول أمس الجمعة وفيها يحرض المجتمع المصرى والحكومة على الأزهر، ومعاهده الدينية، ويطلب النظر فى ذلك بحجة أن هذه المعاهد تُنتج العنف، والتطرف ويقول: ( إن المجتمع المصرى يجب أن يواجه بشجاعة ظاهرة العنف والتى ترجع إلى عدة أسباب منها : توغل التعليم الأزهرى فى مصر حيث يشكل التعليم الأزهرى نسبة كبيرة بين المصريين، وهو أمر لابد من إعادة النظر فيه.. وكذلك إعادة النظر فى المناهج الدينية التى تدرس فى هذه المعاهد... ثم تحدث عن الخطاب الدينى مدعيا أن مؤسسة الأزهر لم تنفذ حتى الآن تعليمات الرئيس ولم يحدث أى شئ حقيقى فى ذلك ) وهذه التصريحات - إن كان قالها سيادة الوزير كما نُشر حقا فهى مصيبة - ولنا معها وقفات
أولا : إن تصريحات الوزير هذه فى هذا الوقت الذى كان فيه الإمام الأكبر خارج مصر يُعالج الفكر العالمى من فيروسات العنف التى تجوب الدنيا، ويثبت أن الإسلام الذى يعلمه الأزهر لأبنائه بعيد كل البعد عن ذلك : لتُشعر بالقلق، وتطرح فى النفوس حشدا من الأسئلة منها: لماذا لم يفخر الوزير بأزهره، وشيخه كما يفعل الآن أبناء مصر، والآخرون خارج مصر، وهل يضير الوزير أن تفخر الدنيا بالأزهر، وتقدر دوره، ومناهجه، وتطلب الدول الإسلامية جمعاء إرسال أبنائها إلى هذه المعاهد التى يحرض الوزير عليها ويطلب النظر فى توغلها ؟
وهل من اللائق أن يصدر تصريح مثل هذا، ويرسل للعالم كله الآن من وزير مسؤول ليحرض على عدم إرسال ابنائه للأزهر( إذ هو يعلم من وجهة نظره العنف والتطرف ) !.، فى وقت تعانى فيه الدولة من السياحة والعملة الصعبة، وعدم إقدام الأجانب على مصر ؟ هل حسب حسابا لذلك، وعلم نتائج ما يقول على البلاد ؟
ثانيا : أين هو العنف الذى انتجه الآزهر، وقدمه لمصر، والعالم هل وجد هذا فى شخص وعلم الشيخ الشعراوى، أو عبد الحليم محمود، أو جاد الحق، أو محمد الغزالى، أو د.الطيب ومن قبلهم، رفاعة الطهطاوى، ومحمد عبده، وسعد زغلول، وأحمد عرابى وكلهم تعلموا فى معاهد الأزهرأو اهتدوا بها وكانوا قادة فى العلم، وحسن الخلق وبهم تفخر مصر والدنيا كلها ؟؟؟؟؟!
فأى عنف هذا االذى انتجه الأزهرومناهجه ويحدثنا عنه الآن وزير ثقافتنا ؟ وهل يستطيع سيادته أن يدلل لنا عن مصدر العنف الذى وقع فى العراق، وفى سجن أبو غريب، وفى سجن جونتاناموا، وفى اليمن، وفى سوريا، وفى لبنان، وفى بورما والتى يحرق فيها الرجال والنساء أحياء، هل الأزهر هو الذى أنتج هذا، وتخرج أبطاله من جامعته العريقة ؟!.
ثالثا : يقلق وزير ثقافتنا من توغل المعاهد الدينية وإقبال المصريين عليها، ويطالب بإعادة النظر فى ذلك، ونسى سيادته أن حب الدين فطرى فى قلوب المصريين، وأن الأزهر معشوقهم لثقتهم فيه، وفى علمائه، بل معاهد الأزهر محل حب، وتقدير لغير المصريين أيضا،
وليت الوزير سمع الرجل الأندونيسى وقت زيارة الإمام الأكبر لأندونسيا وهو يقول للصحفى المصرى :
( إننى أبكى حينما يذكر اسم مصر لحبى فيها، وفى أزهرها الذى تعلمت فيه، فمصر ليست مصركم فقط، والأزهر ليس أزهركم فقط، بل مصر هى مصرنا، وأزهرها الكريم هو أزهر كل الأندونسيين ) يا الله !!.. أى فخر،وأى عظمة وهبها الله لهذا البلد العظيم، وأزهرها الكريم والذى يتهمه وزير ثقافتنا الآن بأنه مصدر للعنف والإرهاب !!!.
إننى وأنا اتجول فى أندونيسيا لم أر شارعا، إلا وفيه اسم الأزهر.. فتجد بقالة الأزهر، ومدرسة الأزهر، وشارع الأزهر، ولما سألت لماذا تفعلون ذلك؟ قالوا تبركا باسم الأزهر، ونحن هنا فى مصر نريد إعادة النظر فى كثرة معاهد الأزهر، والتى هى صمام أمان للعقول. فلو أغلقت المعاهد فعقول الشباب ستكون عرضة للاختطاف من أياد غير أمينة، ولذا كان واجبا على السيد الوزير أن يطالب بإعادة النظر فى مناهج وزارة التعليم قبل الأزهر وتدريس التربية الدينية لا رفضها، حتى يتخرج الطالب، ولديه مضادات حيوية ضد أى فكر متطرف، أو عنف دخيل، لكن سيادته رأى عكس ذلك تماما كما صرح، الأمر الذى يجعل عقول الشباب بعد التخرج عرضة لأى اختطاف من أى شخص دون النظر إلى مصدر تعلمه.
رابعا : يتهم السيد الوزير الأزهر بأنه لم يستجب لدعوة السيد الرئيس فى تجديد الخطاب الدينى، وهو اتهام فى غير محله يصدر بدون سند، ولا برهان. بل الرئيس نفسه لم يقل هذا الادعاء إنما اطلع سيادته على خطوات التجديد من فضيلة الإمام، واعلن أن الدولة تقف خلف الأزهر جامعا، وجامعة، وساعة أن يقول ولىّ الأمر ذلك فهو أدرى بشعاب مكة من غيره، ولا يقول قولا يُجامل فيه الأزهر، بل يضع الأمور فى نصابها بحكمة، وقدر، فهل السيد الوزير أعلم بالأمر من ولى الأمر أم ماذا ؟.
ثم ما هى الخطوات التى قامت بها وزارة الثقافة فى مساعدة الأزهر فى تجديد الخطاب الديني، فالأزهر أنشأ مرصدا عالميا بعشر لغات يرصد من خلاله الشبهات ويرد عليها ، وأنشأ المرصد العالمى للفتوى ليرد على الأسئلة لجميع المسلمين فى العالم بكل اللغات، واقام مؤتمرا عالميا ضد العنف والتطرف الداعشى حضرته أكثر من سبعين دولة،وأخرج كتبا فى الثقافة الإسلامية تناقش كبريات القضايا مثل : التكفير والجهاد، والتطرف، والحاكمية، والإرهاب، والخلافة، وغيرها، وقرر دراستها فى المراحل الإعدادية، والثانوية، وينتظر من وزارة التعليم الاستجابة لدراستها، والأزهر طور المناهج، وقدمها بأسلوب يجمع بين الأصالة، والمعاصرة، ويطور الآن مناهج الجامعة، وأقام مركز الزكاة لمساعدة الفقراء، ويعطى دورات باللغات المختلفة فى أروقة الأزهر، ويتحرك شيخه فى كل أنحاء الدنيا ليقدم الإسلام بصورته الحقيقية، وليس بالصورة الداعشية، إلى غير ذلك من جهود..
فهل قدمت وزارة الثقافة شيئا ملموسا مثل ذلك - يساعد فى تجديد الخطاب مع الأزهر -مع احترامنا لدورها الكبير - ؟ هذا ما نتمنى أن نراه... فمصر ليست مصر الأزهريين فقط، بل مصر للجميع، والجميع يجب أن يقف صفا واحد فى عملية البناء لمصر، ولا يليق اتهام مؤسسة بعينها بأنها تُصدر العنف فهذا تجن!. لأن الأزهر جزء من مؤسساتها، والتقليل من دوره هو تقليل من دور الدولة، ولو كان هذا التصريح قد صدر من جماعة هم فى موقع المتفرج ما اهتممنا به، أما وأنه يصدر من وزير محترم هو فى موقع المسئولية فهو مدعاة للقلق، فالأزهر قلعة العلم ورمز الوسطية شاء من شاء، وأبى من أبى.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة