معركة «البوركينى»

أضواء وظلال

خالد جبر

الخميس، 01 سبتمبر 2016 - 03:53 م

تشهد 

 أوروبا هذه الأيام حملة شرسة وجدلا واسعا ضد ما يعتبرونه رمزا للإسلام رغم أنه ليس كذلك فعلا.. لأن ليس كل ما ترتديه مسلمات.. وليس كل المسلمات ترتديه.
أتحدث عن الزى التى ترتديه بعض السيدات أثناء نزولهن البحر أو حمامات السباحة.. والذى أطلقت عليه أوروبا اسم « البوركينى « والذى تسميه سيداتنا : المايوه الشرعى. وهو عبارة عن بدلة سباحة تغطى كامل الجسم ما عدا الوجه واليدين والقدمين، وهى مطاطية بما يكفى للمساعدة فى السباحة، وقد لاقت رواجاً كبيراً لدى سيدات أوروبا من المسلمات وغيرهن. وقيل إن من صممتها هى الأسترالية ذات الأصل اللبنانى عاهدة زناتى.. مع أن الاستخدام الأول كان مصريا.. ولكنها من سبق إلى تسجيله عالميا.
شهد البوركينى إقبالا منقطع النظير، وصارت النساء يرتدينه على الشاطئ وحمامات السباحة وصارت له محلات فى أوروبا ومواقع متخصصة لتسويقه على شبكة الإنترنت. أما من الناحية اللغوية، فكلمة البوركينى مكونة من جزءين أولهما «بور» وهى اختصار للبرقع، وهى كلمة متداولة فى أوروبا وتعنى النقاب الذى يُغطى الوجه كاملا. أما الجزء الثانى فهو «كينى» اختصارا «للبكينى» لباس البحر المعروف.
أوروبا التى ترفع شعار الحرية العامة والحرية الشخصية.. وترفع أيضا شعار عدم الهجوم على الإسلام كدين أو المسلمين كبشر.. وبالتحديد فرنسا التى ترفع راية الحرية والأخوة والمساواة.
.. هى ذاتها الدولة التى تشهد اليوم ضياع أبسط الحريات والحقوق، ومازال الخوف من الإسلام «الإسلاموفوبيا» يسيطر عليها لتبرر لهم الإطاحة بكل القيم الديمقراطية والحرية الفردية.. وتجاهل سيادة القانون وتكريس التمييز ضد من يقيمون بها بسبب انتمائهم الدينى وأصولهم رغم أن العلمانية التى يؤمنون بها تقضى بحرية الاعتناق الدينى. ففى الوقت الذى تطالب فيه الحكومات الغربية المسلمين بالاندماج مع مجتمعاتهم.. تمارس الحكومات ذاتها العنصرية والتمييز فى أسوأ صورهما.
ظهر هذا التناقض بوضوح مع سيدة كانت تجلس على أحد شواطيء مدينة نيس، مرتدية «البوركينى»، تمارس الاندماج بالتعايش كغيرها من المواطنين الفرنسيين، وبدلا من مساعدتها فقد تمت إهانتها ومعاملتها كمجرمة تستحق العقاب من الشرطة الفرنسية، التى أجبرتها على خلع ملابسها، طبقا للمرسوم الذى أصدرته عدة مدن فرنسية، والذى يحظر ارتداء البوركينى، ومعاقبة من يخالف ذلك بدفع غرامة تقدر بـ 42 دولارا. أثار ما حدث مع تلك السيدة جدلا واسعا وغضبا كبيرا.. اعتبره الكثيرون انتهاكا للحريات الشخصية.. وتحول «البوركينى» من مجرد زى إلى قضية رأى عام تشغل المجتمع الدولى، وتسيء لسمعة فرنسا، كبلد للحريات والقانون، بل وأعادت إلى الأذهان العنصرية التى تتعامل بها فرنسا مع مسلميها، الذين يتجاوز عددهم حاليا الـ 6 ملايين. ففى عام 2004 منعت الحكومة ارتداء الحجاب بالمدارس، وفى 2011 منعت النقاب فى الأماكن العامة، لتصبح بذلك أول بلد أوروبى يسن هذا القانون، وأرجعت ذلك لأسباب أمنية.
 ومع قرب الانتخابات الفرنسية.. اعتبرت التيارات السياسية المتنافسة قضية البوركينى بمثابة فرصة ذهبية لكل الأحزاب والساسة لكسب نقاط لدى الشعب وزيادة شعبياتهم، إلا أن ذلك تسبب فى حدوث انشقاق فى صفوف الحكومة الاشتراكية الحاكمة. فقد تعرض رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس، الذى كان قد أصدر الشهر الماضى قرارا بإنشاء مؤسسة تختص بالشئون الإسلامية هدفها دمج المهاجرين فى المجتمع، لحمايتهم من الفكر المتطرف والدعاية التكفيرية، للانتقاد من وزراء حكومته بسبب موقفه من الأزمة فقد أعلن فالس دعمه لقرار رؤساء المدن فى حظر البوركينى.
 وفى المقابل أعلنت كل من وزيرة التعليم الفرنسية المسلمة نجاة بلقاسم، ووزيرة الصحة ماريسون تورين، موقفهما المناهض لحظر البوركينى، وأدانتا كل الممارسات التى تنتهك الإسلام والمسلمين، مؤكدتين أن تشجيع مثل تلك الممارسات سيزيد من الاحتقان والغضب. ومع ذلك فان القوى اليمينية المتطرفة والتى تقف ضد المسلمين والمهاجرين بصفة عامة.. والتى تطالب بحظر الحجاب والمآذن ومحال اللحم الحلال ومهاجمة كل ما هو إسلامى، فهى من دعت فى الأساس لحظر البوركينى من خلال حملة تزعمها عمدة مدينة «كان» الفرنسية ووافقه عدد من العمد أغلبهم من حزب الجمهوريين اليمينى المعارض بدعوى الحفاظ على الأمن العام والتصدى للهجمات الإرهابية، التى ضربت البلاد أخيرا، حجة ونجح فى تطبيق الحظر فى 30 مدينة.
ترى على أى شكل ستنتهى معركة البوركينى.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة