قضية ورأى

القمح وفطر الإرجوت

سعد نصار

الثلاثاء، 06 سبتمبر 2016 - 02:00 م

ثار فى الآونة الأخيرة جدل حول استيراد مصر للقمح وهل يمكن استيراد قمح به إصابة بفطر الإرجوت لا تزيد عن نسبة محددة أم قصر الاستيراد على قمح غير مصاب إطلاقا بفطر الأرجوت؟ ويستند أصحاب الرأى الأول على أن القمح المستورد يستخدم فقط للاستهلاك الآدمى وليس للزراعة. ونظراً لأن دستور الغذاء العالمى (الكودكس) يقضى بأن القمح المصاب بفطر الأرجوت بنسبة لا تزيد على 0.05 % يصلح للاستهلاك الآدمى وغير ضار بصحة الإنسان. بينما يستند أصحاب الرأى الثانى على أن منظمة الصحة النباتية العالمية تعطى الدول الحق فى حظر استيراد القمح المصاب بأى نسبة من فطر الإرجوت وقصر الاستيراد على القمح الخالى تماماً من فطر الإرجوت ( صفر إرجوت ) إذا كان ذلك فى صالح الحفاظ على القمح المزروع محلياً.
ويقضى قانون الحجر الزراعى المصرى بعدم استيراد أية منتجات زراعية نباتية مصابة بأية فطريات أو أمراض غير متواجدة فى مصر. ونظراً لأن مصر خالية تماماً من فطر الإرجوت فقد انتهى الحجر الزراعى المصرى إلى حظر استيراد القمح المصاب بأى نسبة من فطر الإرجوت واشترط أن يكون القمح المستورد خالياً تماماً من فطر الإرجوت ( صفر إرجوت ). ومن المعروف أن قرارات الحجر الزراعى تعتبر قرارات سيادية. هذا بالإضافة إلى أن الدراسات العلمية والفنية التى أجرتها الجهات المتخصصة بمركز البحوث الزراعية ( قسم القمح بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية، قسم أمراض القمح بمعهد بحوث أمراض النباتات، مركز معلومات تغير المناخ والطاقة المتجددة ) قد أيدت رأى الحجر الزراعى المصرى. وليس هذا الأمر بجديد أو تطبقه مصر دون غيرها من الدول. فالاتحاد الأوروبى وجميع دوله على سبيل المثال تشترط عند استيراد البطاطس المصرية والمنتجة من تقاوى مستوردة من أوروبا أن تكون البطاطس هذه خالية تماماً من مرض العفن البنى وذلك رغم أن مرض العفن البنى غير ضار بصحة الإنسان وإذا حدث أن اكتشف الاتحاد الأوروبى فى أى موسم خمس حالات إصابة فى البطاطس المصرية المصدرة إلى أوربا بمرض العفن البنى يتم حظر استيراد البطاطس من مصر تماماً طوال الموسم. كما يشترط الاتحاد الأوروبى زراعة البطاطس فى مصر فى مناطق خالية من العفن البنى حتى يمكن لأوروبا استيرادها. كل ذلك بسبب الخوف من تسرب مرض العفن البنى بطريقة أم بأخرى إلى التربة الزراعية فى أوروبا مما قد يتسبب فى إصابة البطاطس الأوروبية بمرض العفن البنى.
وبالتالى فمن حق مصر حظر استيراد أية أقماح بها أى نسبة إصابة بفطر الإرجوت وقصر الاستيراد على الأقماح الخالية تماماً من فطر الإرجوت ( صفر إجوت ). وجدير بالذكر أن هناك دولا منتجة للقمح الخالى من فطر الإرجوت. كما أن الدول التى بها فطر الإرجوت يمكن زراعة قمح التصدير بها فى مناطق خالية من فطر الأرجوت كما هو الحال فى البطاطس المصرية. ومن الطبيعى أن يكون سعر القمح الخالى تماماً من فطر الإرجوت أعلى سعراً من القمح المصاب بفطر الإرجوت إلا أن ذلك لا يبرر استيراد قمح مصاب بفطر الإرجوت لأن هذا القمح قد يتسرب بطريقه أم بأخرى إلى التربة الزراعية المصرية مما قد يتسبب فى إصابة القمح المصرى بهذا الفطر وقد يمتد إلى محاصيل مصرية أخرى من العائلة النجيلية ويصبح الفطر بعد ذلك متوطناً فى مصر. ومن الجدير بالذكر أن مصر رغم أنها اكبر مستورد للقمح فى العالم فإنها لم تجد صعوبة فى استيراد القمح الخالى تماماً من فطر الإرجوت طيلة السنوات الماضية.
ورغم أن دستور الغذاء العالمى ( الكودكس) يقضى بأن القمح المصاب بفطر الإرجوت بنسبة لا تزيد عن0.05 % يصلح للاستهلاك الآدمى وغير ضار بصحة الإنسان إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن متوسط استهلاك الفرد من القمح فى مصر ( كغيرها من الدول النامية) يعتبر عاليا حيث يقدر بحوالى 180 كجم فى السنة بالمقارنة بمتوسط الاستهلاك العالمى للفرد من القمح والذى يقدر بحوالى 75 كجم فقط فى السنة وذلك نظراً لانخفاض مستوى الدخول فى مصر واعتماد الفئات المحدودة الدخل فى غذائهم أساساً على الأغذية المالئة والنشوية وخاصة الخبز فى حين يعتمد السكان فى الدول المتقدمة فى غذائهم أساساً على الأغذية الأكثر حرارية وتنوعاً كالخضر والفاكهة والبروتين الحيوانى.وبالتالى فقد تكون حساسية صحة الإنسان المصرى لفطر الإرجوت أكثر منها فى الدول المتقدمة.
كما أن استيراد الغذاء لا يجب أن ينظر إليه فقط من وجهه نظر أثره على الصحة العامة وإنما أيضاً من وجهة نظر أثره على الصحة النباتية وكذلك على البيئة وبالتالى فإن مسئولية استيراد الغذاء تعتبر مسئولية تضامنية لوزارات الزراعة والصحة والتموين والتجارة والصناعة والبيئة.

 كاتب المقال: رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة