خارج النص

يا فرحة اللورد كرومر.. فينا!!

د. أسامة السعيد

الأربعاء، 07 سبتمبر 2016 - 03:36 م

فى عام 1906 رفع اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى فى مصر تقريره السنوى إلى وزارة الخارجية فى لندن ناعيا فشله فى تطبيق سياسة «فرق تسد» قائلا إنه «لم يجد فرقاً بين المصرى المسلم والمصرى المسيحى، سوى أن الأول يذهب إلى المسجد يوم الجمعة، والثانى يتوجه إلى الكنيسة يوم الأحد».
اليوم بعد 110 سنوات على هذا التقرير ما زلنا نعتبر إصدار قانون لتنظيم بناء وترميم الكنائس انجازا كبيرا يستحق أن يرفع له رئيس مجلس نوابنا العلم احتفالا بإقراره، وتتعانق أيادى نائبات مسلمات ومسيحيات ابتهاجا بخروج القانون بعد ولادة متعسرة إلى النور! بعد قرن وعقد كاملين، تحول عناق الهلال والصليب من حقيقة يعيشها المصريون، سواء فى نضالهم الأصغر ضد الاحتلال، أم فى نضالهم الأكبر ضد أعباء الحياة، إلى مجرد شعار احتفالى نواصل به دفن رءوسنا فى الرمال، متغافلين عن تيار مخيف من الأفكار المتطرفة التى تجتاح العقول، ولم تعد تقتصر فقط على الطبقات البسيطة التى لم تنل حظا وافرا من التعليم أو الثقافة، وإنما حتى فى أوساط نخب سياسية وثقافية كان يفترض بها أن ترفع رايات التنوير، لا أن تحمل أفكار «داعش» تحت ملابسها «السينييه»!!
للأسف نعرف جميعا أن قيم الاستنارة والتسامح فى المجتمع المصرى تعاني انحسارا خطيرا منذ عقود، وقد بات التشدد الطائفى فى مصر على الجانبين المسلم والمسيحي، منتشرا بشكل يدعو إلى الحذر، فالأحضان المتبادلة بين شيوخ وقساوسة، والتهانى الرسمية فى الاعياد لا تكفى للتصدى لمنظومة فكرية صنعها تيار الإسلام السياسى بجميع فصائله الإخوانية والسلفية والجهادية، وكان التشدد ضد المسيحيين عاملا مشتركا بين قيادات وأنصار هذا التيار، رغم كل محاولات ارتداء أقنعة الاعتدال، وتكفينا استعادة تفاصيل عام حكم «الإخوان» لأن ندرك كيف انكشف وجههم الحقيقي، فذابت شعارات «شركاء الوطن» فوق لهيب الرغبة فى السلطة وارضاء نزعات التشدد لدى مؤيديهم، وكيف كانت الكنائس الضحية الأولى لعمليات الإحراق والتخريب بعد إسقاط حكم الجماعة.
قد يغضبك موقف نواب حزب «النور» السلفى ممن امتنعوا عن التصويت على قانون بناء وترميم الكنائس، لكننى أراهم متسقين مع أفكارهم، فهم يخشون ردة فعل
جماهيرهم وهم جزء- للأسف الشديد - من شريحة باتت كبيرة من المصريين، تربى عقلها ووجدانها طيلة عقود على شعارات الشحن الطائفى ودروس الكراهية وفتاوى الفتنة، فصاروا على اقتناع راسخ بأن المسيحيين «كفار»، وأن التشدد معهم من صميم الدين، بل ربما يذهب بعضهم إلى الاقتناع الأكثر تشددا فيعتبر قتلهم جهادا، بينما أكثرهم «تسامحا» يعتقد أن تهنئتهم فى الأعياد حرام، وإلقاء السلام عليهم ذنب يستوجب الاستغفار(!!) متناسين كل فقه
التعايش فى الإسلام وما يذخر به ديننا الحنيف من آيات قرآنية وأحاديث شريفة عن البر بأهل الكتاب، وأنه «لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين».
بدلا من أن نرفع أعلام الاحتفال بمجرد صدور قانون، علينا أن نرفع رايات التنوير كى نزيل الغمامة عن العقول، أن نستعيد مصر التى «غاظت» اللورد كرومر، لا أن نمنحه الفرصة فى قبره كى يفرح فينا، ويحقق من قبره ما فشل فى تحقيقه وهو حى.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة