من وراء النافذة

التعليم و.. «باهزّر يامامي باهزّر»

هالة العيسوي

الخميس، 08 سبتمبر 2016 - 01:35 م

 هذه  العبارة الطريفة صارت مثلاً بيني وبين مجموعة صديقاتي منذ أن نطقتها أمامنا لأول مرة ابنة إحدانا، وهي في الخامسة من عمرها لما رأت الشرر يتطاير من عين والدتها عقب زلة لسان منها، اعتبرتها الأم تجاوزاً لا يغتفر ورأت أن تحذر ابنتها بتلك النظرة القاسية التي فهمتها الطفلة من فورها، فجاءت هذه العبارة كدفاع فطري تلقائي عن خطئها. المفارقة أن الطفلة باتت تكرر هذه الحجة خشية من عقاب أو ثورة غضب. وصرنا - نحن الكبار- نتداول هذه العبارة فيما بيننا تهكماً حين يأتي الهزل مكان الجد، ويحل التراجع الطفولي العشوائي محل الاعتراف المسئول بالخطأ.
تذكرت عبارة الابنة في طفولتها حين قرأت تصريحاً لوزير التعليم يتراجع فيه عن قرار الوزارة والمجلس الأعلي للتعليم قبل الجامعي بإلغاء امتحانات الميد تيرم وادعائه بأنه لم يكن قراراً، وإنما مجرد فكرة ناقشها المجلس الأعلي للتعليم ووافق عليها. وانه (أي الوزير) لم يتخذ منها قراراً نهائياً بعد وأن الوزارة قررت طرحها للنقاش المجتمعي. يا سلاااام!
بمراجعة كافة الصحف التي نشرت الخبر الأول سواء علي لسان وزير التعليم نفسه أو علي لسان وكلائه أو حتي أعضاء المجلس الأعلي للتعليم، وجدتهم خرجوا جميعاً متباهين بالقرار وكأنهم فتحوا عكا ولم أجد حرفاً واحداً يدل علي أن الموضوع كان مجرد فكرة أو أنها ستطرح للنقاش المجتمعي، بل إن وكيل لجنة التعليم بمجلس النواب أكد »لليوم السابع»‬ أن »‬القرار لم يعرض علي اللجنة من قبل وزارة التعليم ولابد أن توافق لجنة التعليم عليه قبل البدء في تنفيذه في العام الدراسي الجديد وزاد بأن اللجنة ستستدعي وزير التعليم لمناقشته في هذا القرار.
حتي كتابة هذه السطور لم نسمع عن استدعاء اللجنة البرلمانية للوزير مع أنه لم يتبق علي بدء العام الدراسي الجديد سوي أسبوعين مخصوماً منهما أسبوع إجازات عيد الأضحي. وكل ما سمعناه هو تراجع الوزير وقوله إنه ليس قراراً وإنما فكرة.
وبما أن الرجوع للحق فضيلة، فيحسب للوزير تراجعه عن هذا القرار الكارثي حتي ولو جاء هذا التراجع شبيهاً بعبارة »‬باهزر يامامي باهزر».
 لكن مع هذا يجب التحذير من اتخاذ أي قرارات بعد بدء العام الدراسي، كما يجب التحذير من »‬سلق» المناقشة المجتمعية وعدم دراسة »‬الفكرة» من كافة جوانبها وتحديد آثارها السلبية وتكاليفها مع عقد مقارنة بين سلبياتها وبين فوائدها التي يراها الوزير ومنها القضاء علي ظاهرة التسرب وإلزام التلاميذ بالحضور كما قال بنفسه.
لكن السؤال هنا للسيد الوزير والسادة أعضاء مجلس التعليم الذين هللوا للفكرة: ما جدوي حضور التلاميذ إذا كان المدرسون غائبين أو لا يفيدون الطلاب بالشرح الجيد؟.
وهل حل جهابذة التعليم في مصر مشكلة جودة التعليم أو الشرح لكي يعالجوا فساد منطق بعض المدرسين الذين يتعاملون بمقولة »‬علي قد فلوسهم»؟ أو بحسبة »‬إدي المعلم حقه يدي المعلم للطالب حقه»! يعني هناك قطاع كبير من المدرسين يتعمد الإهمال والتقصير في أداء رسالته والتخلي عنها لأنه يري أنه لا يحصل علي حقه من الحكومة فقرر أن يأخذ حقه من الأهالي. وسلامٌ علي أمير الشعراء الذي قال : قف للمعلم وفه التبجيلا/ كاد المعلم أن يكون رسولا.
تخيلوا شكل الأجيال التي يمكن أن تتخرج علي يد هذا الصنف من المعلمين، وأي قيم يمكن أن يكتسبها الأبناء من معلمين كل همهم المقايضة والابتزاز وحقي وحقك؟ أي وعي يمكن أن يتشكل علي يد هؤلاء؟ أظن أن قطاعاً كبيراً من المعلمين »‬محتاجين يتربوا» أولاً قبل أن نعهد إليهم بأبنائنا وقبل أن نسلمهم أمانة تنشئة أجيال قادمة. انظروا للمستقبل في مرآة هؤلاء ترونه جيداً.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة