أضواء وظلال

أزمة تشويه تاريخ مصر

خالد جبر

الخميس، 08 سبتمبر 2016 - 01:39 م

 

 لم  يكن الأمر في حاجة إلي أن يصدر رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل قرارا بمنع وضع أي تمثال في شوارع وميادين مصر إلا بعد الحصول علي موافقة الجهات المسئولة عن الثقافة والآثار والتنسيق الحضاري.
من البديهي أن يكون ذلك هو الوضع الطبيعي.. وألا يتم تجاوز تلك القاعدة الطبيعية.. خاصة أن مصر هي أقدم دولة استخدمت التماثيل وفن النحت للتعبير عن الحياة وتسجيل التاريخ والأحداث المهمة.. ومعظم تلك الأعمال الفنية مازالت باقية حتي الآن شاهدة علي التاريخ العظيم لمصر والمصريين.
من البديهي أن يكون هذا هو الوضع الطبيعي لدولة تملك العديد من فناني النحت علي مدار تاريخها القديم والحديث والمعاصر أيضا. ولكن ما شاهدناه خلال السنوات القليلة الماضية من مسوخات تنتشر في شوارعنا ومياديننا في القاهرة وكافة المدن وحتي علي الطرق السريعة.. يجعلنا نتحسر علي تاريخنا.. ونشعر بأننا انتقلنا إلي عالم آخر يسود فيه الجهل والقبح.. وتشويه الرموز والقامات الكبيرة والعظيمة.
لكنه علي أي حال كان قرارا لابد منه.. حتي يتعلم المسئولون الذين وافقوا علي وضع تلك التماثيل سواء كانت تعبيرية أو تجسد أشخاصا عرفها الناس وأحبوها، إن ما قاموا به جريمة لا تغتفر ويجب ألا تمر مرور الكرام.. ارتكبوا جريمة في حق الوطن والتاريخ.. وفي حق الرموز الذين تصوروا أنهم يكرمونهم ويخلدونهم بهذا المسخ الذي صوروهم به.
لدينا في مصر جهاز مهم اسمه جهاز التنسيق الحضاري.. أسسه الصديق والزميل العزيز سمير غريب شفاه الله.. ويرأسه حاليا المهندس محمد أبو سعدة.. الجهاز وفقا لدوره المنوط به، يضع المعايير والأسس واشتراطات وضع التمثال عموما في الفراغ العام، وهناك قانون ينظم ذلك، ولكن ما حدث بشأن تلك التماثيل المشوهة هو ليس فنا ولكن من وضعه علي هذه الصورة رآه جميلا ومناسبا، وبالتالي فإننا لدينا مشكلة في تقدير ما هو جميل وما هو قبيح، ومن ثم يقوم الجهاز بحملات توعية ودورات تدريبية يشارك فيها مهندسو الأحياء ويلقي الضوء علي كيفية التعامل مع الفراغ العام والأسس والمعايير التي تنظم هذه المسألة.
الجهاز - كما يقول رئيسه الحالي - ليس جهة تنفيذ، ، لكنه يضع اشتراطات ويرسم السياسات العامة فيما يتعلق بتنظيم الأبنية والفراغ العام ومن حيث التعامل مع المساحة في المدن، والمدن التراثية خاصة القاهرة الخديوية، إلي جانب معايير التعامل مع المباني الأثرية.
 ولكن الأزمة تحتاج إلي رفع درجة الوعي بأهمية الفراغ العام.. الجهاز ليس به إلا ثمانية مهندسين.. وهو عدد قليل جدا لا يستطيع أن يجوب جميع أنحاء الجمهورية للتفتيش علي المخالفات في كل شارع وميدان، ولكن علي الرغم من ذلك فهناك القواعد والأسس والمعايير للحفاظ علي المظهر الجمالي، ويقوم الجهاز بإخطار كل حي ومدينة ومحافظة بالمخالفات و يتم التنبيه علي ضرورة إزالتها، وتكليف خبير متخصص إذا كان هناك ما يستدعي موافقة الجهاز فلا تستطيع جهة ما وضع تمثال في مكان ما إلا بعد هذه الموافقة، وعلي الشخص أو الجهة الاستعانة بالخبراء بقطاع الفنون التشكيلية، فهم أكثر دراية وعلما.
إن ظاهرة التماثيل والأعمال المنحوتة المشوهة - كما يقول فنانو النحت المصريون العظماء - ظهرت عقب ما تسمي بثورة يناير.. عندما أقاموا نصبا تذكاريا كبيرا في ميدان التحرير باسم الشهداء.. تلك الفترة شهدت فوضي كبيرة، والتي طالت الحس الفني في ظل غياب الرؤية والتخطيط مما جعل كل من يروق له أن يفعل شيئا يفعله.
ووصل الأمر إلي أن المسئولين هم الذين يستعينون بأشخاص محدودي الخبرة والثقافة، وينفذون مثل هذه الأعمال الميدانية ومقتنعون أنها جميلة.. ولكن كان يجب أن يستعينوا بالمتخصصين، وليس بنقاشين ممن يقومون بأعمال الجبس في الأسقف والجدران مثل »الكرانيش والمصيص»‬، وهم ينفذون مثل تلك التماثيل المشوهة من قبيل الارتزاق وكسب لقمة العيش.
انقذوا تاريخنا من التشويه.. والدمار.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة