الكاتب الصحفي ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم ورئيس تحرير الأخبار
الكاتب الصحفي ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم ورئيس تحرير الأخبار


ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب من نيويورك: حجر فى نهر «هدسون».. ونافذة بالمبنى الزجاجى

ياسر رزق

الأربعاء، 21 سبتمبر 2016 - 02:21 م

 

◄| مع السيسي في 5 قمم بالأمم المتحدة

تتبدل الأجواء فى مدينة نيويورك على مدار اليوم فى هذا الوقت من العام، ما بين طقس مطير، وسطوع لافح للشمس، ورطوبة خانقة، وبرودة ليلية تُنذر بشتاء مبكر.
تتساقط أوراق الأشجار الجافة فى حدائق مجمع الأمم المتحدة شرق جزيرة «مانهاتن» بقلب هذه المدينة العالمية، تُنبئ بحلول الخريف، بينما يحتفظ المبنى الزجاجى للمنظمة الدولية بأجواء أروقته وقاعاته معلبة لا تتغير. تُبقى على القضايا سائلة لا تتماسك، والأزمات مجمدة لا تنفك، بالأخص ما يتعلق بمشكلات الشرق الأوسط. فالإرادة الدولية الجماعية تنشط فى إدارة الأزمات، وتخبو عند حلها.!

***

مياه كثيرة جرت فى نهر «إيست ريڤر» الذى يطل عليه مبنى الأمم المتحدة خلال العامين الماضيين منذ أطلت مصر الثورة لأول مرة على العالم، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى اجتماعات الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة فى سبتمبر من العام قبل الماضى، وكلمته التى جذبت الانتباه إلى مصر وهى تنهض سالمة من آتون نار الشرق الأوسط، وإلى رئيسها وهو يتحدث بنبرة عاقلة، وعبارات قلبية صادقة، ومواقف تليق بدولة عريقة كانت أحد مؤسسى هذه المنظمة الدولية فى أعقاب سكوت مدافع الحرب العالمية الثانية.
ومياه أكثر جرت تحت جسور النيل فى مصر خلال الأشهر الأربع والعشرين الماضية.
فما بين الإطلالة الأولى عام ٢٠١٤ والإطلالة الثانية فى العام الماضى، والإطلالة الثالثة هذه الأيام، للرئيس عبدالفتاح السيسى على المجتمع الدولى وقادة العالم فى اجتماعات الأمم المتحدة، انتقلت مصر من التشرنق على الذات داخلياً، والعزلة الدولية فى عام حكم الإخوان وعام الحكم الانتقالى بعد ثورة يونيو، إلى النهوض وكسر الطوق واستعادة الدور الإقليمى، ثم انتقلت إلى مرحلة جديدة هى المشاركة فى صياغة القرار العالمى بيئياً فى مؤتمر التغيرات المناخية بباريس ديسمبر الماضى، واقتصادياً فى قمة مجموعة العشرين بهانغجو مطلع هذا الشهر، وسياسياً فى قمة الدول الأعضاء بمجلس الأمن الخاصة بسوريا، والتى انعقدت أمس.

***

قمة مجلس الأمن هى الأولى التى يشارك فيها رئيس مصرى على مقعد الدولة العضو بالمجلس من بين قادة ورؤساء وفود الدول الخمسة عشر الأعضاء.
وجاءت مشاركة السيسى بعد ٩ أشهر من انضمام مصر إلى مجلس الأمن كعضو غير دائم لمدة عامين.
٤ قمم دولية واجتماع عام شارك فيها الرئيس السيسى خلال ٤٨ ساعة بمبنى الأمم المتحدة.
يوم الإثنين.. حضر القمة الخاصة باللاجئين والمهاجرين، وفى نفس اليوم ترأس اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقى.
يوم الثلاثاء.. حضر اجتماع القمة الخاص بالطاقة الجديدة والمتجددة بأفريقيا، التى دعا إليها الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند، بوصف السيسى رئيس لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية المعنية بالتغيرات المناخية، وصاحب مبادرة الطاقة الجديدة فى أفريقيا.
ومساء نفس اليوم.. شارك فى اجتماعات الدورة الحادية والسبعين للأمم المتحدة وألقى للمرة الثالثة على التوالى كلمة مصر أمام قادة ورؤساء وفود دول العالم.
ويوم أمس الأربعاء.. شارك الرئيس ضمن ١٥ من القادة ورؤساء وفود الدول الأعضاء بمجلس الأمن، فى القمة الخاصة بالأزمة السورية.

***

فى العامين الماضيين.. كانت مصر تتحدث عن نفسها على لسان السيسى.. تُقدِّم وجهها الجديد للعالم بعد ثورتى يناير ويونيو تُطمئن المجتمع الدولى على مسار الدولة الأهم فى العالم العربى والشرق الأوسط وأفريقيا، بعد سنوات الحالة الثورية واختطاف الثورة ثم استعادتها بإرادة الشعب.
وتطرح مشروعها الوطنى لبناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، ورؤاها للأوضاع بالمنطقة.
فى هذا العام.. لم يكن السيسى بحاجة إلى تقديم صورة مصر الداخل، بعد أن استتب الأمن والاستقرار، واكتملت مؤسسات الدولة، وانطلق برنامج الإصلاح الاقتصادى الاجتماعى فى إطار المشروع الوطنى المصرى.
كانت مصر تتحدث فى القمم والاجتماعات الخمس عن تصوراتها للحلول، على صعيد أزمات الشرق الأوسط، والتحديات الأفريقية، والمشكلات الأورومتوسطية، والتهديدات العالمية، وعلى رأسها تهديد الإرهاب الذى وصفه السيسى بأنه آفة هذا الزمان.

***

فى الجلسة الخاصة بالهجرة واللاجئين.. أمسك الرئيس بلب المشكلة حينما قال: «إنه لا سبيل لوقف الهجرة غير الشرعية إلا بمعالجة جذورها الرئيسية وفتح مزيد من قنوات الهجرة الشرعية وتطوير أنماط جديدة لها، والتوصل لحلول سياسية للأزمات التى تشهدها دول المنطقة، وليس من خلال الحلول الأمنية وغلق الحدود.
وفى قمة مجلس السلم والأمن الأفريقى حول جنوب السودان التى ترأسها السيسى، شدد الرئيس على ضرورة التنسيق مع حكومة الوحدة الوطنية الإنتقالية بجنوب السودان، من أجل الاتفاق على ولاية القوة المقترح نشرها، وعلى تشكيلها ومناطق انتشارها، بما يأخذ شواغل جنوب السودان فى الاعتبار.
وَعبَّرَ عن استعداد مصر للمساهمة فى بعثة الأمم المتحدة هناك وموافقتها على الدفع بمستشفى ميدانى ضمن قوات البعثة الأممية. فى ذات الوقت دعا إلى إيجاد حلول عادلة للأزمة الإنسانية والنهوض بالوضع الاقتصادى المتردى فى البلاد.
وفى القمة الخاصة بمتابعة تنفيذ المبادرة الأفريقية للطاقة المتجددة، أكد السيسى التزام مصر بالاستمرار فى تقديم الدعم السياسى والفنى المطلوب للانتهاء من تفعيل هذه المبادرة التى أطلقتها مصر فى مؤتمر باريس للتغيرات المناخية، بما يراعى الأولويات الأفريقية، وتستهدف المبادرة معاونة الدول الأفريقية فى الانتهاء من مشروعات لتوليد أكثر من ١٠ جيجاوات من الطاقة الكهربائية النظيفة بحلول عام ٢٠٢٠، تصل إلى ٣٠ جيجاوات عام ٢٠٣٠.
وقد تم اعتماد ٤٠ مشروعاً للمرحلة الأولى لهذه المبادرة، وتساهم فيها فرنسا بمبلغ ٢ مليار دولار عن طريق بنك التنمية الأفريقى، وتستفيد منها  مصر فى ٣ مشروعات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح وإعادة تأهيل سد أسوان.

***

فى كلمته الشاملة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. جذب انتباه الحاضرين، خروج الرئيس عن نص كلمته المكتوبة، وإعلانه نداء للشعب الإسرائيلى من أجل السلام وإنهاء النزاع مع الفلسطينيين، وهو تجديد أمام المجتمع الدولى بأسره للنداء الذى أطلقه منذ شهور خلال زيارته لأسيوط. قال الرئيس إن هناك فرصة حقيقية لكتابة صفحة مضيئة فى تاريخ المنطقة بإقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل تعيشان معا فى أمن واستقرار وازدهار. وأشار إلى تجربة السلام المصرى الإسرائيلى مشيداً بها، وقال إنها قابلة للتكرار بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وقوبل هذا النداء بتصفيق وفود دول العالم، وكانت لفتة ذكية من الرئيس بتوجيه هذا النداء مرتجلاً، خروجاً على رتابة الكلمات المكتوبة والعبارات الدبلوماسية المكررة التى تسود اجتماعات الجمعية العامة.
فى تلك الكلمة أيضا، طاف الرئيس بأزمات المنطقة فى سوريا وليبيا واليمن، ولفت الانتباه تشديده الواضح على رفض مصر للتدخل الأجنبى فى الشئون العربية، وتضامنها مع الدول العربية فى مواجهة أى تدخلات خارجية فى ضوء ارتباط الأمن القومى العربى  بما فيه أمن الخليج ـ بالأمن القومى المصرى.
تناول الرئيس أيضا التحديات والأزمات الأفريقية وقضية التنمية بالدول النامية، واستطرد فى قضية تهديد الإرهاب لدول العالم، مجدداً دعوة مصر لبلورة آلية دولية لمجابهة الإيديولوچيات المغذية للإرهاب.
وأنهى كلمته بعبارة لافتة داعياً البشرية إلى أن تستعيد جوهر إنسانيتها، فتتشارك فى العلم والمعرفة والتكنولوچيا دون احتكار، ومشيراً إلى أن مصر كانت دوماً مثالاً لتراكم الحضارات.

***

أهم مشاركات الرئيس السيسى على الإطلاق فى هذه الدورة للجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت فى اجتماع الأمس لمجلس الأمن حول الأزمة السورية.
ليس فقط لأن مصر تتمتع بعضوية غير دائمة بمجلس الأمن هذا العام والعام المقبل.
وليس فقط لأنها أول مشاركة لرئيس مصرى فى قمة لمجلس الأمن.
وليس فقط لأن القضية المطروحة على القمة هى الأزمة السورية، بما لسوريا من وضع شديد الخصوصية فى الذهنية المصرية منذ عهد الفراعنة إلى حرب أكتوبر، لاسيما أن سوريا كانت هى الإقليم الشمالى لدولة موحدة جمعتها بمصر منذ عام ١٩٥٨ إلى عام ١٩٦١ هى الجمهورية العربية المتحدة.
إنما أيضاً لأن كلمة الرئيس كانت قاطعة وحاسمة فيما عَبَّرت عنه من مواقف محددة وما جرت عليه من عبارات لا تحتمل التأويل.
كانت كلمة الرئيس مكتوبة، ومع ذلك بدت وكأنها رد بليغ على ما سبقها من كلمات لم تتعمق فى جوهر المشكلة السورية.
قبل أن يتحدث الرئيس، استمع الحاضرون الى كلمة بان كى مون السكرتير العام للامم المتحدة، وتقرير دى ميستورا المبعوث الدولى بشأن الأزمة السورية، وكلمة جون كى رئيس وزراء نيوزيلندا  الذى تترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس الأمن، ثم كلمتى سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسى وجون كيرى وزير الخارجية الأمريكى.
من أول جملة فى كلمته المكثفة المركزة المرتبة، بدت نبرات صوت الرئيس حادة، وعباراته كالطلقات المتتابعة.
ركز السيسى فى الكلمة على أن حضور هذا الاجتماع ليس بغرض استعراض حجم المأساة وانما لأن يتحمل الجميع مسئوليته لإيجاد صيغة عملية لتجاوز نزيف الدم السورى وتصور موحد لحل الأزمة.
طرح الرئيس 3 ملاحظات من واقع قراءته للوضع الراهن إزاء الأزمة:
- أولا: ان المجتمع الدولى مستغرق فى الأعراض دون التعمق فى المرض، وان جوهر الأزمة هو غياب الحل السياسى العادل الذى يلبى تطلعات الشعب السورى. وأنه من الضرورى استكمال اتفاق وقف العدائيات الذى تم التوصل إليه بجهد روسى أمريكى، بانتقال فورى نحو الحل السياسى.
- ثانياً: الحل السياسى لابد أن يعلى مبدأ الوحدة والسلامة الإقليمية لسوريا والمساواة بين كل مكوناتها مع استثناء التنظيمات الإرهابية.
- ثالثاً: استمرار مرور الوقت دون حل هو فى صالح الإرهاب والطائفية.
وكانت من أقوى العبارات فى كلمة الرئيس تأكيده على ان من يراهن على الحسم العسكرى للأزمة السورية خاسر فى رهانه، ومن يتصور وجود دور للتنظيمات الإرهابية فى مستقبل سوريا واهم فى تصوراته.
وشدد الرئيس على إمكان إيجاد حل سورى للأزمة السورية بعيداً عن التدخلات، مشيراً إلى تجربة مصر فى استضافة مؤتمر جامع للمعارضة السورية عام ٢٠١٥ دون تدخل من أحد أو إملاء خارجى.
ودعا إلى احياء المفاوضات السورية كشرط ضرورى لصمود أى اتفاق لوقف إطلاق النار.
واختتم كلمته بأن رؤية مصر تقوم على ركيزتين:
- الأولى.. هى الحفاظ على كيان ووحدة الدولة السورية.
- والثانية.. دعم التطلعات المشروعة للشعب السورى فى التوصل لحل سياسى يرضى السوريين ويعبر عنهم ويوفر جهود اعادة الإعمار

وطالب ميستورا باستئناف المفاوضات فورا بين الحكومة وجميع قوى المعارضة، مؤكدا أن مصر ستقدم كل دعم ممكن للتوصل إلى الحل السياسى وإعادة الأمل للأشقاء فى سوريا.

***

جاءت مشاركة الرئيس السيسى فى القمم الخمس هذا العام كأوسع اطلالة لمصر على المجتمع الدولى وبدت كلمته بالذات عن سوريا فى قمة مجلس الأمن بمثابة حجر ألقى فى نهر «هدسون» ونافذة فى المبنى الزجاجى للأمم المتحدة تجدد الهواء الراكد فى أروقة المنظمة الدولية.

***

اليوم.. يختتم الرئيس السيسى زيارته الثالثة لنيويورك.
تبدو الزيارة دولية الطابع، فى بعدها الخاص باجتماعات الجمعية العامة والقمم التى عقدت على هامشها.
وتبدو كأنها جولة شملت عديداً من دول العالم، فى بعدها الخاص باللقاءات الثنائية الكثيرة التى جمعت الرئيس خلال الأيام الثلاثة الماضية على الترتيب بقادة اليمن وقبرص والنمسا وسكرتير عام الأمم المتحدة ورئيس المجلس الأوربى ورئيسة وزراء بريطانيا ورئيس وزراء العراق وملك الأردن والرئيس الفلسطينى ورئيس وزراء لبنان ورئيس وزراء مالطا ورئيس مقدونيا ورئيس وزراء رومانيا والرئيس الفرنسى.
وأيضا تبدو زيارة أمريكية خالصة، باللقاءين الأبرز مع المرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلارى كلينتون والمرشح الجمهورى دونالد ترامب والاجتماعات التى عقدت مع أعضاء الكونجرس والشخصيات الأمريكية البارزة وخبراء مراكز الدراسات والتفكير والبحث، واعضاء الغرفة التجارية الأمريكية وممثلى مجلس الأعمال والشركات الأمريكية.
أقل من ٩٦ ساعة.. استغرقتها زيارة الرئيس السيسى لنيويورك، حفلت بلقاءات بدأت بعد شروق الشمس وحتى الساعات الأخيرة من الليل دون توقف.
وكانت الزيارة عنوانا لمبدأ الرئيس فى العمل: «أكبر إنجاز.. فى أقصر وقت».

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة